هل هناك إمكانيّة لبناء تحالف دولي ضدّ إيران؟
مرّة جديدة يحطّ وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو في الرياض معلناً أن هدف هذه الزيارة الشرق أوسطية التي بدأها بالسعودية وستشمل الإمارات هو البحث عن “كيفية تشكيل تحالف عالمي” ضد إيران.
بالتزامن مع هبوط طائرة بومبيو في الرياض، يطلق الرئيس الأمريكي دونالد ترامب العنان مجدداً لدبلوماسيّة التويتر مشككاً، بجدوى حماية بلاده لناقلات النفط التابعة لدول أخرى، وتعبر من مضيق هرمز، مشيراً إلى احتمال فرضه رسوماً لقاء هذه “الخدمة”، مشيراً إلى عدم حاجة بلاده حتى إلى أن نكون هناك، فقد أصبحت أمريكا للتو (إلى حدّ بعيد) أكبر منتج للطاقة في العالم.
ترامب كعادته، طالب الدول وتحديداً الصين واليابان بالدفع لأن بلاده تحمي هذا المضيق وفق ادّعائه، قائلاً: “تحصل الصين على 91 بالمئة من نفطها من المضيق، واليابان (تحصل على) 62 بالمئة (من نفطها، من المضيق)، كالعديد من الدول الأخرى، فلماذا نحمي ممرات الشحن في البلدان الأخرى (منذ سنوات عديدة) للحصول على تعويض من دون مقابل؟”.
وعودة إلى زيارة بومبيو والهدف المعلن منها، فقد قال وزير الخارجية الأمريكي بعد لقائه الملك سلمان في قصر السلام بجدة، أنه ناقش مع الملك السعودي تصاعد التوتر في المنطقة والحاجة إلى تعزيز الأمن في مضيق هرمز، وهنا من حقّنا أن نسأل من المسؤول عن عسكرة هذا المضيق؟ هل هدف الزيارة المعلن قديم أم حديث؟ ما هي العقبات التي حالت دون تحقيقه إذن؟ وما الهدف من طرحه مجدداً؟
لا شكّ أن واشنطن تعرّضت لضربة كبرى بعد إسقاط طائرتها التي اخترقت الأجواء الإيرانيّة، وبالتالي تبحث اليوم عن ورقة جديدة للضغط على طهران التي ترفض التفاوض مع واشنطن بعد انسحابها من الاتفاق النووي، وللإجابة على الأسئلة المطروحة أعلاه، تجدر الإشارة إلى التالي:
أوّلاً: إن الدول التي يزورها بومبيو هي في الحقيقة منخرطة بشكل طبيعي في الحلف الأمريكي ضد طهران، لكن السؤال الذي يطرح نفسه هل يمكن ضمّ دول جديدة إلى هذا التحالف؟ الإجابة بسيطة نعم، وكلا.
نعم، يمكن ضمّ المجلس العسكري السوداني على سبيل المثال إلى هذا التحالف، لكن هل يمكن ضمّ الصين أو روسيا أو أوروبا؟ الإجابة كلا، لأن هذه الدول وفي حين يرتبط بعضها بعلاقات قويّة مع إيران، لا يريد البعض الآخر استخدام نهج واشنطن، بل يعمد إلى الحوار والتفاوض كما هو الحال مع الاتحاد الأوروبي.
ثانياً: لا نستبعد أن تكون تجربة هذا التحالف تتشابه مع التحالف السعودي في العدوان على اليمن، أي إن الكثير من الدول تنضم شكلياً دون أي إجراءات على الأرض، فما الذي يريده بومبيو إذن؟ في الحقيقة ما يريده بومبيو هو ما صرّح به ترامب نفسه “الأموال”. تسعى واشنطن لمزيد من الحَلب، وبالتالي لا نستبعد أن تدفع السعودية لحماية سفنها التي تعبر من مضيق هرمز لواشنطن.
ثالثاً: إن الدول الأوروبية والصين وروسيا ستكون الخاسر الأكبر في حال تأزّمت الأوضاع في الخليج الفارسي، أي إن هكذا تحالف، إن تمّ، سيوتّر الأجواء وسيرفع أسعار النفط جنونياً، وبالتالي ستخسر هذه الدول المليارات.
في الحقيقة، لطالما أكدت إيران أنها هي من يحمي السفن التي تمرّ في الخليج الفارسي، وبالفعل قد قدّمت السفن الإيرانية الكثير من المساعدات للسفن المارة، سواءً عمليات إنقاذ، أم حتى الحد من القرصنة.
رابعاً: إن أحد الأهداف الأخرى لهذا الأمر هو القضية الفلسطينية حيث سيضم هذا التحالف الكيان الإسرائيلي بطبيعة الحال، وبالتالي هناك محاولة أمريكية لإظهار إيران على أنها العدو اليوم، الأمر الذي يسهّل على ترامب صفقة القرن.
في الحقيقة، إن أغلب الخطوات الأمريكية اليوم في منطقة الشرق الأوسط، وإن بدت بعيدةً في الظاهر عن صفقة القرن، إلا أنها في الحقيقة تهدف للقضاء على القضية الفلسطينية.
خامساً: من الأهداف الأمريكية لهذه الخطوة هي زيادة الضغط على طهران، لجرّها إلى المفاوضات، لا نعتقد أن إيران تعير مثل هذه الخطوات أي اهتمام يذكر، وبالتالي سيكون مصيرها كمصير الناتو العربي، والتحالف العسكري الإسلامي، التي لم تتعدَ مفاعليها الشاشات الإعلاميّة.
الوزير الأمريكي كان قد كرر أمس قبيل توجهه للسعودية، عرضه للتفاوض مع إيران “دون شروط مسبقة”، لكن طهران لم تعر هذا التصريح أي اهتمام يذكر حيث لا يزال ترامب ينتظر بجانب الهاتف.
في الختام، لا توجد هناك أي إمكانيّة لبناء تحالف دولي ضد إيران، إن هذا التحالف سيولد ميّتاً، لن تنجح واشنطن في جرّ الأطراف الدولية إليه، سيقتصر الأمر على السعودية والإمارات والبحرين، وهي دول تمارس سياساتها العدائية ضدّ إيران منذ زمن، ولكن ما الهدف؟ الإجابة هي أن أي تحرّك أمريكي في المنطقة اليوم يهدف إلى أمرين الأول الحصول على المزيد من الأموال، وممارسة المزيد من سياسة “الحلب”، والثاني هو الكيان الإسرائيلي وصفقة القرن.
المصدر: الوقت
طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق