قمة “شانغهاي”؛ معقل الشرق المنيع يتوحّد لمواجهة الحرب التجارية الأمريكية
انطلقت يوم الجمعة الماضية، أعمال قمة منظمة “شانغهاي” للتعاون في العاصمة القرغيزية “بيشكيك”، ووفقاً لقواعد المنظمة فلقد بدأت أعمال القمة باجتماع خاص لوفود الدول الأعضاء، أعقبها اجتماع موسّع بحضور وفود الدول المراقبة بالمنظمة ورؤساء عدد من المنظمات الدولية، بمن فيهم نائب الأمين العام للأمم المتحدة ورئيس اللجنة التنفيذية لرابطة الدول المستقلة والقائم بأعمال الأمين العام لمنظمة معاهدة الأمن الجماعي ورئيس مجلس اللجنة الاقتصادية الأوراسية.
يذكر أنه تم عقد هذه القمة في ظلّ تصاعد حدّة الحرب التجارية بين الصين وأمريكا، ولهذا فإننا نتساءل هنا كيف سيكون دور هذه المنظمة وتأثيرها على المعادلات الإقليمية والعالمية، خاصة عقب فرض واشنطن للكثير من العقوبات الاقتصادية على طهران، وهنا كشفت العديد من المصادر الإخبارية بأن عضوية إيران في هذه المنظمة تعتبر إحدى أهم القضايا الرئيسة التي سوف يتطرّق إليها القادة في قمة “بيشكيك”.
منظمة “شانغهاي” للتعاون
منظمة “شانغهاي” للتعاون هي منظمة دولية سياسية واقتصادية وأمنية أوراسية، تأسست في 15 يونيو 2001 في شانغهاي، على يد قادة ستة دول آسيوية، هي الصين، وكازاخستان وقيرغيزستان، وروسيا وطاجيكستان وأوزبكستان.
ولقد تم التوقيع على ميثاق منظمة شانغهاي للتعاون في يونيو 2002، ودخل حيّز التنفيذ في 19 سبتمبر 2003 وكانت هذه البلدان باستثناء أوزبكستان أعضاء في «مجموعة شانغهاي الخماسية» التي تأسست في 26 أبريل 1996 في شانغهاي.
وفي يوليو 2005، خلال القمة التي عقدت في أستانا التي شارك بها ممثلون عن الهند وإيران ومنغوليا وباكستان، حيث كان حضورهم الأول، رحّب رئيس الدولة المضيفة “نور سلطان نزارباييف” بهم واستهلّ حديثه بكلمات، قائلاً: “قادة الدول الذين يجلسون على طاولة المفاوضات هم ممثلون عن نصف البشرية”.
وتتمحور أهداف المنظمة حول تعزيز سياسات الثقة المتبادلة وحسن الجوار بين دول الأعضاء، ومحاربة الإرهاب وتدعيم الأمن ومكافحة الجريمة وتجارة المخدرات ومواجهة حركات الانفصال والتطرف الديني أو العرقي، والتعاون في المجالات السياسية والتجارية والاقتصادية والعلمية والتقنية والثقافية وكذلك النقل والتعليم والطاقة والسياحة وحماية البيئة، وتوفير السلام والأمن والاستقرار في المنطق، ولقد انضمت كل من الهند وباكستان، إلى المنظمة كعضوين كاملي العضوية في 9 يونيو 2017 في قمة أستانا.
التعاون الأمني في منظمة “شانغهاي” للتعاون
تعتبر الصين وروسيا قوتان إقليميتان وعضوان دائمان في مجلس الأمن، وتعتبر أمريكا أن اقتراب هاتين الدولتين من بعضهما البعض سوف يشكّل أكبر تهديد لواشنطن.
يذكر أنه تم إنشاء منظمة “شانغهاي” قبل عقدين من الزمان من أجل تخفيض عدد الأفراد العسكريين في المناطق الحدودية بين البلدان، ولكن وبعد مرور 20 عاماً، تمكّنت هذه المنظمة من تعزيز مكانتها على الساحة العالمية، خاصة بعد انضمام الصين وروسيا إلى هذه المنظمة.
لقد بذلت كل من موسكو وبكين الكثير من الجهود خلال الفترة الماضية من أجل تشكيل تحالف عسكري لمواجهة تهديدات أمريكا وحلفائها بقوات مشتركة، لكن موسكو وبكين لا ترغبان في تكبيل نفسيهما في العلاقات مع العالم الخارج، وهذا يعني أنهما سوف يتبنّيان دفاعات اقتصادية مشتركة لمواجهة الهجوم الأمريكي، وحول هذا السياق كشفت العديد من المصادر الإخبارية بأن الشركات الصينية، المشمولة بالعقوبات الأمريكية، ربما تفكر في نقل إنتاجها إلى روسيا، خاصة وأن الصين أكبر شريك تجاري لروسيا.
ولفتت تلك المصادر الإخبارية إلى أن روسيا والصين عزّزتا من علاقاتهما الأمنية في إطار القمة التاسعة عشر لمنظمة “شانغهاي” للتعاون في “بيشكيك” عاصمة قيرغزستان، في ظل التوترات المستمرة مع أمريكا.
ويشارك في قمة شانغهاي قادة الصين والهند وإيران وكازاخستان وقرغيزستان وباكستان وروسيا وطاجيكستان وأوزبكستان.
ووقّع الرئيس الروسي “فلاديمير بوتين” ونظيره الصيني “شي جين بينج” وزعماء الدول الست الأخرى أعضاء المنظمة إعلاناً يؤكدون فيه مجدداً عزمهم على ضمان أمن المنطقة.
وجاء في الإعلان بأن الدول الأعضاء سوف تسعى بالاعتماد على مستوى مرتفع من الثقة المتبادلة إلى توفير الأمن والاستقرار وحسن الجوار والصداقة والتعاون المفيد المتبادل في المنطقة.
دور منظمة “شانغهاي” في الحرب التجارية
تحتل الدول الأعضاء في منظمة “شانغهاي” للتعاون المرتبة الأولى في مجال إنتاج واستهلاك الطاقة في العالم، وتمتلك ما يمثّل ثلث الناتج المحلي الإجمالي في العالم، وبحلول نهاية عام 2011، كان احتياطي الذهب والعملات الخارجية في الدول الست الرئيسة في هذه المنظمة يزيد على 3.6 تريليونات دولار، وبلغ حجم التبادلات التجارية لهذه الدول هذا العام ما يقرب من 5 تريليونات دولار، بزيادة 25.1 ٪ على العام الماضي.
وفي عام 2016، وافق رؤساء الدول الأعضاء في منظمة “شانغهاي” للتعاون على قائمة من التدابير لمواصلة تطوير الأنشطة الاقتصادية، بما في ذلك 38 إجراء ومشروع للتعاون في سبعة مجالات تشمل التجارة والاستثمار والتمويل والزراعة والعلوم والتكنولوجيا والمعلومات وحماية البيئة والبنية التحتية للنقل.
ومن المفترض أن تستفيد الصين من جهتها من هذه القمة التاسعة عشر للدفع بمشروعها الكبير للبنى التحتية “طرق الحرير الجديدة”، في وقت لا تزال تحت تهديد فرض رسوم جمركية أمريكية، ما سيشكل مقدمة لاحتمال شنّ حرب تجارية.
وترى موسكو كما بكين، أن منظمة شانغهاي للتعاون تعتبر وسيلة للتصدي للنفوذ الأمريكي ولحلف شمال الأطلسي.
إيران ومنظمة “شانغهاي” للتعاون
تعتبر قضايا المخدرات ومواجهة الإرهاب والانفصالية والتطرف، من أبرز الاهداف الأساسية لمنظمة “شانغهاي”، ونظراً لتجربة إيران الطويلة والناجحة في التعامل مع مثل هذه القضايا، تجعل من الضروري انضمام طهران إلى هذه المنظمة التي تبذل الكثير من الجهود للقضاء على الجماعات الإرهابية في كلِ من العراق وافغانستان والعراق وسوريا.
ولهذا فلقد صرّح رئيس دائرة آسيا واوقيانيا في الخارجية الروسية “بختيار حكيم اوف”، أن انضمام إيران يعدّ من البرامج والأولويات لمنظمة “شنغهاي”.
يذكر أن إيران انضمت إلى عضوية منظمة “شنغهاي” كمراقب منذ العام 2005 وقدّمت طلباً بالانضمام إلى المنظمة كعضو رسمي العام 2008 وساهم رفع الحظر عن إيران في إزالة العقبات أمام انضمامها للمنظمة .
المصدر / الوقت