التطبيع ورمزية مسجد الشيخ زايد
لا نعلم لماذا تصرّ الإمارات على تحويل مسجد الشيخ زايد إلى مركز علني للتطبيع مع الكيان الإسرائيلي، علماً أن الفلسطينيين على أقل تقدير يترحّمون على الشيخ زايد ويعتبرون أنه كان حامياً أساسياً ومدافعاً قوياً عن القضية الفلسطينية، إذن ما الذي حصل حتى بدأ أبناؤه باستغلال اسم مؤسس الدولة والمدافع الأول عن حقوق الفلسطينيين للتطبيع مع كيان الاحتلال؟.
كان يشاع في السابق عن زيارات سرية غير معلنة بين الإمارات و”إسرائيل” وتعاون أمني واستخباراتي واقتصادي ورياضي بينهما، إلا أن الأمر بقي سراً إلى أن بدأ المسؤولون الإسرائيليون وعلى مستويات رفيعة بزيارات علنية للإمارات ويعبّرون عن سعادتهم بوجودهم في مسجد الشيخ زايد، ويشوّهون تاريخ من دافع عن الفلسطينيين ويمارسون بطشهم السياسي والتطبيعي من بوابة عربية لها رمزية دينية وسياسية.
الزيارة هذه المرة كانت لوزير الخارجية الإسرائيلي “يسرائيل كاتس”، الذي تواجد في العاصمة الإماراتية، أبوظبي، وشارك في مؤتمر الأمم المتحدة لشؤون البيئة والتقى مسؤولاً كبيراً في الإمارات، وعبّر عن “حماسه” لتمثيل المصالح الإسرائيلية في الدول الخليجية، وفقاً لما ذكرته وزارة الخارجية الإسرائيلية، الاثنين الماضي.
وبعد أن ظهر وزير الخارجية الإسرائيلي في مسجد الشيخ زايد، نشرت الخارجية الإسرائيلية تغريدة عبر صفحتها الرسمية على موقع تويتر قالت فيها: ” قام وزير الخارجية الإسرائيلي، “يسرائيل كاتس” بزيارة إلى أبو ظبي وشارك في مؤتمر الأمم المتحدة لشؤون البيئة، كاتس أجرى عدة لقاءات، بينها لقاء مع مسؤول كبير في الإمارات”.
ونشرت الوزارة تصريحات لكاتس قال فيها: “أنا متحمس للتواجد هنا في أبو ظبي لتمثيل مصالح دولة إسرائيل مع الدول الخليجية. هناك تقدّم ملحوظ في العلاقة بين إسرائيل ودول المنطقة، وسأواصل العمل مع رئيس الوزراء نتنياهو لتعزيز سياسة التعاون بناءً على قدرات إسرائيل في المجالات المدنية، الأمن والمخابرات”.
حركة قطار التطبيع تتسارع
طبعاً تسارع التطبيع مع كيان العدو يكاد لا يوصف، فقبل أيام شاركت بعض الدول العربية ومنها الإمارات إلى جانب “إسرائيل” في ورشة “المنامة” الورشة التي كان من شأنها تصفية القضية الفلسطينية، ولا نستبعد أن يتم الإعلان عن افتتاح سفارة لـ”اسرائيل” في أبو ظبي في القريب العاجل…ما المانع إذا كانت أبواب الإمارات مشرّعة أمام الإسرائيليين من أكبر مسؤول وحتى أصغرهم، ولا ننسى أن القيادي في كتائب عز الدين القسام محمد المبحوح تمّ اغتياله في دبي وبصمات “إسرائيل” كانت واضحة في عملية الاغتيال هذه.
الاغتيال الذي تدافع عنه الامارات اليوم بفتح أبوابها وأبواب مسجد الشيخ زايد لمن لطّخوا أيديهم بدماء الفلسطينيين وصرّحوا تصريحات مهينة بحق العرب والمسلمين، لاسيما وزيرة الثقافة والرياضة الإسرائيلية، ميري ريغيف، التي نشرت على حسابها في “فيسبوك” العام الماضي تسجيلاً مصوّراً تظهر فيه وهي تزور مسجد الشيخ زايد في أبو ظبي، وقالت ريغيف حينها، بحسب صحيفة “يديعوت أحرونوت” العبرية: إن “المشاركة في البطولة في الإمارات قرار تاريخي له دلالات بعيدة المدى، وفاتحة لما بعدها”.
وبالفعل كانت فاتحة لما بعدها ورأينا ذلك من خلال ورشة عمل “السلام من أجل الازدهار” ومباهاة الإسرائيليين برفع “جوازات سفرهم” أمام عدسات الكاميرات وكأنهم يعلنون نصرهم من قلب العواصم العربية.
السعودية ستكون هي الوجهة الثانية
بكل الأحوال سنشهد استمرار هذه المظاهر ولن نتفاجأ إذا رأينا هؤلاء الوزراء خلال الفترة المقبلة في مكة والمدينة والرياض، بحكم انفتاح ولي العهد السعودي على العلاقة مع “إسرائيل” ودفاعه عنهم منذ تولّيه ولاية العهد، وعندما سيحدث هذا الأمر بشكل علني فلتغلق الجامعة العربية ومجلس التعاون الخليجي وغيرها من المنظمات العربية أبوابها وتكفّ عن التفوّه بكلمة واحدة والادعاء بأنها تدافع عن حقوق الفلسطينيين لأن الخدمة التي تقدّمها بعض الدول العربية لـ “إسرائيل” لم تقدّمها الإدارة الأمريكية والغرب منذ تأسيس كيان الاحتلال وحتى اللحظة.
الأمر اللافت والذي لا يمكن تجاوزه أن الإعلام الإسرائيلي لم يحتفِ بزيارة وزير الخارجية إلى “أبو ظبي” وقللوا من أهمية هذه الزيارة، وقال باراك رفيد مراسل الشؤون السياسية للقناة 13 في تغريدة على تويتر “دون التقليل من قيمة الزيارة، لا نتحدث عن زيارة رسمية للإمارات، وإنما مجرد مشاركة بمؤتمر دولي للأمم المتحدة”.
وأضاف المراسل الذي أجرى الأسبوع الماضي مقابلة مع وزير الخارجية البحريني خالد بن أحمد آل خلفية “نتحدث عن زيارة كاتس لأبو ظبي دون أن يجمعه لقاء علني بوزير خارجية الإمارات عبد الله بن زايد”.
وهذا يضعنا أمام خيارين:
1- إما أن الإسرائيليين اعتادوا على زيارة أبو ظبي وأصبح الموضوع بالنسبة إليهم أمر روتيني يتكرّر وسيتكرّر باستمرار، وأنهم ضمنوا الجانب الإماراتي والآن ستتوجه الأنظار نحو الرياض.
2- أو أنهم أي “الإسرائيليين” لا يريدون أن يشعروا الإماراتيين بأن دخولهم إلى الإمارات أمر عجيب غريب وخطوة عظيمة ورائعة، يريدون أن يقللوا من أهمية الحدث لكي يشعرون الطرف الآخر بأن هذا الأمر طبيعي.
المصدر / الوقت