مجلة أميركية: لا أحد بمأمن.. كيف تعجل الرياض بتصيد معارضيها
وكالات ـ الرأي ـ
نشرت مجلة “فانيتي فير” الأميركية تقريرا، تحدثت فيه عن محاولات المملكة السعودية الدؤوبة لاختطاف مواطنيها الذين تعتبرهم أعداء للدولة، وإعادتهم للوطن، حتى أن المطاف قد ينتهي بهم أحيانا موتى، وهو ما لا يجعل الصحفي جمال خاشقجي مجرد حالة شاذة.
وقالت المجلة في تقريرها إن الأمير خالد بن فرحان آل سعود، الذي يتخذ من مدينة دوسلدورف الألمانية ملجأ له، يلازمه الخوف الدائم من تعرضه للاختطاف، علما بأن موظفي إنفاذ القانون الألمان يطمئنون عليه بصفة روتينية؛ للتأكد من أنه على ما يرام.
وأضافت المجلة أنه في أحد أيام حزيران/ يونيو سنة 2018، اتصلت والدة الأمير، التي تعيش في مصر، به وأخبرته أن السفارة السعودية في القاهرة تواصلت معها، واقترحت رأب صدع العلاقات مع ابنها، وكانت على استعداد لتقديم مبلغ 5.5 مليون دولار كبادرة حسن نية. في المقابل، حين علم الأمير أنه ينبغي عليه التنقل إلى سفارة أو قنصلية سعودية شخصيا من أجل الحصول على المال، كان ذلك بمثابة جرس الإنذار الذي دفعه إلى رفض العرض.
وتحدثت المجلة عن عمر عبد العزيز، المعارض السعودي والناشط الذي يعيش في كندا، والذي كان شريكا لخاشقجي، حيث خططا معا للتعريف بمحنة السجناء السياسيين في المملكة. وأفاد المعارض بأنه خلال أيار/ مايو سنة 2018، قدم ممثلان عن الديوان الملكي إلى كندا حاملين رسالة من محمد بن سلمان وبرفقتهما شقيق عمر الأصغر. وقد حثّاه على وضع حدّ لنشاطه والعودة إلى أرض الوطن. في المقابل، رفض عمر هذا العرض الذي كان ثمنه باهظا، حيث كان مصير شقيقه السجن عندما عاد إلى السعودية، ومن المفترض أنه لم يُطلق سراحه إلى غاية اليوم.
وأشارت المجلة إلى تجربة يحيى عسيري، الضابط السابق في القوات الجوية الملكية السعودية، الذي بدأ نشاطه على مواقع التواصل الاجتماعي ومن خلال غرف الدردشة والمنتديات، والذي انتهى باستجوابه من قبل رئيسه. وقد أنكر عسيري علاقته بهذا النشاط تماما. ولاحقا، قدم عسيري استقالته، وقرر بدء حياة جديدة في لندن، التي على الرغم من أن ثلاثة آلاف ميل تفصلها عن الرياض، بيد أن عسيري لم يكن خارج نطاق نفوذ المملكة.
ومن خلال إجراء مقابلات في ثلاث قارات مع أكثر من 30 شخصا من ناشطين وخبراء أمنيين وأقارب لمختفين قسرا ومسؤولين حكوميين، تجلت صورة أوضح عن المدى الذي بلغته السلطات السعودية فيما يتعلق بسجن السعوديين الذين يجرؤون على الاحتجاج على سياسات المملكة أو يشوهون صورة البلاد بطريقة أو بأخرى، فضلا عن إعادتهم للسعودية وحتى قتلهم. وفي هذا الصدد، بدأت مراقبة المنشقين السعوديين في كثير من الحالات على شبكة الإنترنت.
وأوضحت المجلة أنه في مطلع سنة 2010، كان خالد التويجري يشغل منصب رئيس الديوان الملكي، وقد اعتمد على خريج شاب وطموح من كلية الحقوق يدعى سعود القحطاني الذي كُلّف بتشكيل فريق لمراقبة جميع أشكال وسائط الإعلام، مع التركيز خاصة على الأمن السيبراني. وقد عمل القحطاني عن كثب مع شركة مراقبة إيطالية تُدعى “هاكينغ تيم”.
وفي السياق ذاته، سُلط الضوء على علاقات الحكومة السعودية بشركة “إن إس أو” الإسرائيلية المعروفة ببرمجية “بيغاسوس”، التي لعبت دورا في محاولة إيقاع ثلاثة معارضين على الأقل ممن أُجريت معهم مقابلا في الفخ.
وبينت المجلة أن نواف الرشيد يعد ضحية أخرى من ضحايا النظام السعودي. فعلى الرغم من أن الرشيد لم يكن شخصية سياسية بارزة، إلا أن نسبه جعل محمد بن سلمان يعتبره مصدر تهديد له. وقد أُوقف الرشيد عندما كان في رحلة إلى الكويت خلال السنة الماضية، وأُعيد قسرا إلى السعودية، ليظل محتجزا لمدة سنة، دون أن يُتهم قط بارتكاب جريمة ما. وعلى الرغم من إطلاق سراحه في وقت سابق من هذه السنة، إلا أن المحاولات المتكررة للاتصال به باءت بالفشل.
ووفقا لمصادر أكاديمية ودبلوماسية، يحوم الخطر أيضا حول طلاب التبادل السعوديين خارج البلاد، حيث إن المساعدات المالية التي كان يتلقاها البعض منهم عُلّقت على نحو مفاجئ بعد انتقادهم لسجل حقوق الإنسان في المملكة.
وفي هذا السياق، أُبلغ أحد طلاب الدراسات العليا أن الطريقة الوحيدة من أجل إيجاد حل للتعليق الوشيك للمساعدات التي يتلقاها تتمثل في العودة فورا إلى المملكة العربية السعودية لتقديم طعن.
وعلّقت المجلة بأن مرتكبي هذه الجرائم ربما لن يمثلوا أبدا أمام العدالة، ففي حين قيل إن العديد من أعضاء الفريق الذي قتل خاشقجي مثلوا أمام قضاة سعوديين، إلا أن هذه الإجراءات جرت خلف الأبواب المغلقة.
من جانبه، أفاد عسيري بأنه لا يشعر بأي ندم على مغادرة وطنه. وفي سنة 2013، كان قد كشف عن نفسه عبر شبكة الإنترنت باسم “أبو فارس”، وقد أصبح في الآونة الأخيرة أحد أكثر المدافعين السعوديين عن حقوق الإنسان تأثيرا، علما أنه أطلق منظمة صغيرة تُدعى “القسط”.
وفي الختام، نقلت المجلة عن عسيري قوله إنه لو لم يكذب يوم واجهه الضابط، لكان مصيره السجن على غرار صديقه وليد أبو الخير، الناشط الذي التقى به للمرة الأولى في غرفة للدردشة قبل 13 سنة، والذي تقبع صورته على مكتب عسيري كدليل مخيف على مصير كل مُطارد من قبل النظام السعودي.انتهى
طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق