التحديث الاخير بتاريخ|الأحد, نوفمبر 17, 2024

فشل واشنطن الذريع في بناء التحالف البحري؛ الجذور والتأثيرات 

بعد الهجوم المشبوه على السفينة اليابانية في الخليج الفارسي، كشفت الولايات المتحدة تدريجياً عن سيناريو تشكيل تحالف بحري ضد إيران. وقد تم الإعلان عن هذا الهدف بدايةً من قبل رئيس هيئة الأركان المشتركة الأمريكية الجنرال “جوزيف دانفورد” في 10 من يوليو، ولكن بعد حوالي شهر من الجهود المتواصلة التي بذلها البيت الأبيض، لقي هذا الإجراء الأمريکي ردود فعل باردة من قبل الدول. وهذا الأمر يستدعي العديد من الأسئلة، وللإجابة عليها يجب دراسة أسباب هذه القضية وجذورها.

مقدمات التحالف البحري

الإجراء الأكثر أهميةً الذي اتخذته الولايات المتحدة منذ خروج ترامب من الاتفاق النووي، کان إيجاد إجماع عالمي ضد إيران. والوثائق التي ادعی الکيان الإسرائيلي أنه قد سرقها من منطقة تدعی “تورقوز آباد”، وتؤکد أن إيران تسعی لصنع قنبلة نووية، رفضت من قبل وكالات مرموقة ومؤثرة مثل مجتمع المخابرات الأمريكي. حيث أكدت أجهزة الاستخبارات الأمريكية في تقريرها لعام 2019 التزام إيران بالاتفاق النووي، لکنها واجهت سخرية ترامب واستهزائه. إلا أن القضية الأكثر أهميةً حدثت بعد فضيحة حساب “حشمت علوي” وارتباطه بمنظمة “المنافقين” وعدم مصداقية مقالات هذه الشخصية الخيالية، عندما حذفت مجلة فوربس المقالات التي سبق أن استند إليها ترامب في عدم امتثال إيران بالاتفاق النووي. وتم حذف هذه المقالات في 11 من يونيو، أي قبل يومين من مهاجمة السفينة اليابانية في الخليج الفارسي بالضبط. لذلك، فالولايات المتحدة التي فشلت في بناء إجماع ضد إيران خلال العام الماضي، قامت عن طريق تغيير التكتيك وتبني نهج “التنبؤ المحقق لذاته”، بتسليط الضوء أولاً على خطر توتير إيران للأجواء في الخليج الفارسي، داخل الولايات المتحدة وبين الحلفاء الآسيويين والأوروبيين، ثم من خلال إرسال الأسطول واستفزاز إيران، اعتبرت كل الإجراءات والخطوات الدفاعية لإيران دليلاً على محاولة طهران تعطيل أمن الملاحة لمختلف البلدان.

وفي 27 يونيو، توجه وزير الدفاع الأمريكي “مارك إسبر” إلى بروكسل للتفاوض مع مسؤولي الناتو لتشكيل تحالف. وبعد حادثة الاستيلاء على ناقلة النفط البريطانية، اتخذت الجهود الأمريكية أبعاداً جديدةً، حيث أملت واشنطن في جمع ما لا يقل عن 30 دولة في تحالف بحري، لأن هذه القضية کانت تعتمد على مصداقية ترامب والجمهوريين المتشددين أيضًا، خاصةً أن أوباما کان قد استطاع في مايو 2013 على حشد 41 دولة في مناورة لإزالة الألغام في الخليج الفارسي. وكان عدم قدرة ترامب على تشكيل تحالف بحري ضد إيران، أكبر دليل على عدم وجود مبرر لخروجه من الاتفاق النووي على الساحة الدولية.

ردة فعل الدول

كانت ألمانيا واحدة من أهم الدول التي تفاعلت بشكل سلبي مع تشكيل التحالف البحري. إذ أكد وزير الخارجية الألماني “هايكو ماس” الأربعاء الماضي على معارضة برلين للانضمام إلى التحالف البحري الأمريكي، مشددًا على الحاجة إلى خفض التوترات في منطقة غرب آسيا. وكان لهذا الموقف الألماني باعتبار هذا البلد واحدة من الركنين الرئيسيين للاتحاد الأوروبي، تأثير كبير على فشل التحالف البحري، إلی درجة انتقد السفير الأمريكي في ألمانيا “ريتشارد جرينيل” رفضها الانضمام إلى التحالف البحري في مقابلة مع صحيفة “أوغسبورغر الغيماينه”، وقال: يجب علی أكبر اقتصاد في أوروبا أن يتحمل مزيدًا من المسؤولية على المستوى العالمي.

كما كتبت صحيفة “كونفيدنتال” الإسبانية أيضاً: لقد تلقت حكومة مدريد للتو طلبًا رسميًا من واشنطن للانضمام إلى التحالف البحري، لكن إسبانيا لا ترغب حاليًا في الانضمام إلى هذا التحالف.

واحدة من الدول الرئيسية في آسيا للانضمام إلى التحالف البحري، هي اليابان التي لها تاريخ طويل من العلاقات الجيدة مع إيران، كما أنها واحدة من أكبر مستوردي المنتجات النفطية من مضيق هرمز، لكن صحيفة “ماينيتشي” اليابانية نقلت عن مسؤولين يابانيين قولهم: إن اليابان لن ترسل سفنها الحربية للمشاركة في المهمة البحرية التي تقودها الولايات المتحدة في مضيق هرمز.

أسباب فشل التحالف البحري

أعلن البنتاغون في بيان إنه قد أرسل دعوات لأكثر من 60 دولة للانضمام إلى التحالف البحري في الخليج الفارسي. السبب الأول والأهم لفشل التحالف البحري هو أنه قد ثبت بالنسبة لمعظم الدول أن السبب الرئيسي للتوتر في المنطقة هو الوجود العسكري الأمريكي. يعتبر “بري بوزان” أستاذ الاقتصاد في جامعة لندن في نظريته الشهيرة، بأن وجود قوة تدخل عابرة للإقليم في منطقة معينة، هو السبب الأكثر أهميةً للتوتر. فإذا تسببت بريطانيا في توترات في الإمبراطورية العثمانية وآسيا قبل الحرب العالمية الأولى، فقد اضطلعت الولايات المتحدة بهذا الدور الآن.

تستخدم الولايات المتحدة حاجة الدول الأخرى إلى النفط كوسيلة لخلق توترات دون تكلفة. لقد قال ترامب في مقابلة مع شبكة إن بي سي في أوائل يوليو/تموز: إننا ننتج نفطنا الخاص بعيدًا عن بقية العالم ولا نحتاج إلى مضيق هرمز. وبعد أن وصلت واشنطن بالتوترات الوهمية في الخليج الفارسي إلى ذروتها، وقعت صفقةً بقيمة 8 مليارات دولار مع السعودية والإمارات لبيع الأسلحة. ورغم أن مجلس الشيوخ قد عارض مبيعات الأسلحة هذه، إلا أن ترامب استخدم حق النقض ضد تصويت مجلس الشيوخ. ومع انکشاف هذه الصفقة المربحة، أظهر ترامب أن واشنطن لن تتورع في تعريض أمن الدول الأخرى للخطر من أجل المزيد من الأموال. وبهذا الصدد، قالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الروسية “ماريا زاخارو” بالأمس عن التحالف البحري: من الواضح أن الولايات المتحدة تغذي التوترات، وهذا التحالف يستهدف إيران، أكثر من كونه ذا طبيعة أمنية وسلمية.

والقضية الثانية التي منعت الدول الكبرى من الانضمام إلى التحالف البحري هي شخصية ترامب نفسه. فالسنوات الثلاث التي قضاها في البيت الأبيض وعدم التزامه بالمصالح المشتركة للدول الأخرى، والذي ينبع من شعار “أمريكا أولاً” واتجاهاته التجارية والمنعزلة، قد جعل البلدان الأخرى تشك في نواياه، لأن قيادة مثل هذا التحالف ستكون بيد أمريكا، وقد تضحي بمصالح الدول الأخرى وحياة قواتها في منطقة الخليج. ذلك أن هدف ترامب الرئيسي في هذا التحالف هو خلق إجماع دولي ضد طهران لتبرير خروجه من الاتفاق النووي، وبناءً على هذا، قالت المستشارة الخاصة لفديريكا موغريني “ناتالي توتشي” في رسالة علی بريدها الإلكتروني: إن أي نشاط عسكري في الخليج الفارسي قد يزيد من احتمال حدوث نزاع مع إيران. لقد حاول الأوروبيون حتى الآن التأکد من ضمان حرية الملاحة من خلال الدبلوماسية والمفاوضات مع الإيرانيين، وسوف يستمرون في هذا الطريق من الآن فصاعداً أيضاً.

والسبب الثالث لفشل التحالف البحري يجب أن يعزى إلى انتهاج إيران سياسة “سيف ذو حدين”، والمتمثلة في استخدام الدبلوماسية النشطة وإظهار القوة العسكرية في آن واحد. فبعد أن أعلن الدكتور ظريف عن محاولة الفريق “ب” لإشعال فتيل الحرب في المنطقة، كشف النقاب في الواقع عن الفجوة الموجودة بين الدول المتحالفة. إن نجاح الخارجية الإيرانية في إحباط الإجماع ضد إيران، وفصل أوروبا عن التحالف السياسي مع واشنطن ضد طهران، قد دفع البيت الأبيض مؤخراً إلى فرض عقوبات علی “ظريف” في إجراء غير مسبوق، الأمر الذي جعل بريطانيا وهي أقرب دولة أوروبية إلى الولايات المتحدة في تشكيل التحالف البحري، تنتقد هذه الخطوة الأمريكية. من ناحية أخرى، فإن إسقاط طائرة التجسس بدون طيار الأمريكية المتقدمة وعجز البيت الأبيض عن إظهار ردة الفعل، وكذلك الاستيلاء على ناقلة النفط البريطانية، أثبت للعالم القوة العسكرية الإيرانية، مما جعل الدول تتردد إلى حد كبير في الانضمام إلى التحالف الأمريكي.

الآثار المترتبة على فشل بناء التحالف

يتمثل الأثر الأول والأهم لفشل البيت الأبيض في تشكيل تحالف بحري في الخليج الفارسي، في تثبيت وزيادة دور إيران المركزي في توفير أمن الخليج الفارسي لبلدان المنطقة والعالم، وهو أمر تدعمه المبادئ القانونية ويتسم بالصبغة الشرعية الدولية أيضًا. وبالنظر إلى موقع مضيق هرمز واتفاقية قانون البحار في عام 1982، فإن أحد حقوق إيران وسلطنة عمان في مضيق هرمز هو اللجوء إلى قواعد “العبور غير الضار”، ووضع القيود في أوقات محددة لحرکة المرور. بحيث أن موفر الأمن الرئيسي في مضيق هرمز، هما إيران وعمان، ونظراً لطول الساحل الإيراني، فإن دور إيران في هذا الصدد حيوي. وفي تقرير صدر مؤخرًا تحت عنوان “إيران تمتلك الخليج الفارسي”، كتبت مجلة “فورين بوليسي” أن الولايات المتحدة ستغادر الخليج الفارسي هذا العام أو العام المقبل.

وفي أعقاب التوترات التي افتعلتها واشنطن في المنطقة، اقترح وزير الخارجية الإيراني في أوائل يونيو توقيع “معاهدة عدم الاعتداء” مع جميع الدول الخليجية، وکان قبل ذلك قد اقترح “منتدى الحوار الإقليمي(الجماعي)” أيضاً. إن صمود إيران علی الرغم من الاستفزازات الأمريكية المتكررة، قد أظهر آثاره الإيجابية تدريجياً، بحيث وصل قبل ثلاثة أيام قائد قوات خفر السواحل الإماراتي العميد “محمد علي مصلح الاحبابي” إلى طهران مع وفد مرافق، وبعد لقائه بقائد شرطة الحدود في الجيش الإيراني، قال: إن تدخل بعض الحكومات على الخطوط الأمامية للملاحة، يسبب المشاكل في المنطقة، ويجب أن نوفر الأمن في الخليج الفارسي وبحر عمان من خلال العلاقات الجيدة.

الأمر المؤكد هو أنه قبل خروج ترامب من الاتفاق النووي، لم يكن هناك لا توتر في الخليج الفارسي، ولا حديث عن تشكيل تحالف بحري، وهذا الاقتراح الأمريکي هو السبب الأكبر والدليل الأوضح لتأثير انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي علی زيادة التوترات الإقليمية.
المصدر: الوقت

طباعة الخبر طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق ارسال الخبر الى صديق

اضافة تعليق