دور الکيان الإسرائيلي في الخليج الفارسي.. الأهداف والنتائج
يوم الأربعاء الماضي، أعلن وزير خارجية الكيان الإسرائيلي “إسرائيل کاتس” في اجتماع لجنة الدفاع والشؤون الخارجية بالكنيست، أن تل أبيب ستشارك في التحالف البحري الأمريكي في الخليج الفارسي.
ويأتي هذا الموقف الإسرائيلي في وقت لم تتم فيه دعوة الكيان للانضمام إلى أي تحالف عسكري في المنطقة.
في المقابل، إيران التي ترى جهود أمريكا لتشكيل تحالف بحري في الخليج الفارسي تماشياً مع خلق التوتر في المنطقة، ردّت بقوة على الموقف الإسرائيلي وحذّرت الكيان من العواقب.
أهداف الكيان الإسرائيلي
الدافع الأكثر أهميةً لأمريكا لاقتراح تشكيل تحالف بحري، كان تمهيد الأرضية لإجماع سياسي وعسكري واسع النطاق ضد إيران. وكان هذا أكبر قلق لإدارة ترامب منذ خروجه من الاتفاق النووي حتى الآن.
والعديد من الدول الرئيسة التي سعت أمريكا إلى دعوتها للتحالف البحري، مثل ألمانيا واليابان وبعض دول المنطقة، قد رفضت المشاركة في هذا التحالف البحري.
وبما أن خروج ترامب من الاتفاق النووي والضغط على إيران كان تماشياً مع أهداف ومصالح الكيان الإسرائيلي، إلا أنّ الأخير لم يستطع مواصلة صمته الاستراتيجي في ضوء فشل المصداقية الأمريكية، وأعلن أنه سيشارك في التحالف، لذا فإن الهدف الأول للكيان هو تعزيز موقف أمريكا لدعمها غير المحدود للكيان واستعادة مصداقية ترامب.
ومن خلال مراقبة تصرفات البيت الأبيض على مدار العام الماضي، هناك من توصل داخل أمريكا والعديد من اللاعبين الدوليين إلى استنتاج مفاده أن فريق ترامب يسعى إلى خلق توتر متعمّد في المنطقة.
وشهدنا تداعيات هذه القضية في الكونغرس الأمريكي بعد أن حذّر أعضاء في الكونغرس من خطوات خاطئة للإدارة الأمريكية حيال إيران في اجتماع حول إسقاط طائرة “غلوبال هوك”.
أيضاً في تعديل صوّت عليه 251 مندوباً في 12 يوليو، تم حظر تمويل العمل العسكري ضد إيران دون إذن من الكونغرس.
كما أن الهجوم المتعمّد على السفينة اليابانية لإفشال زيارة “شينزو آبي” إلى طهران قد زاد من الأسباب، وشككت دول مثل الإمارات تدريجياً في نية أمريكا الحفاظ على الأمن البحري.
من ناحية أخرى فإن الكيان الإسرائيلي الذي كان ناشطاً في رصد التوترات، كان غير راضٍ عن الطابع الدعائي للوجود الأمريكي، وكان ينتظر بفارغ الصبر إشراك الدول العربية الحليفة لأمريكا في مواجهة إيران في المنطقة، على سبيل المثال، وزير التعاون الإقليمي الإسرائيلي “تساحي هنغبي” وردّاً على سؤال حول الحذر الأمريكي في الخليج الفارسي، قال في مقابلة إذاعية: منذ عامين، “إسرائيل” هي الدولة الوحيدة التي تقتل الإيرانيين.
تصريح “هنغبي” هذا كان من أجل تحويل التوترات الدعائية لأمريكا وتحذير الحلفاء العرب إلى صراعات خطيرة مع إيران.
لذا فإن الهدف الثاني للكيان الإسرائيلي من الانضمام إلى التحالف البحري المزعوم هو استفزاز الدول الأخرى للنزاع العسكري في الخليج الفارسي.
أما هدف الكيان الإسرائيلي الثالث فهو تطبيع علاقاته مع الدول العربية قبل أن تغادر أمريكا المنطقة، وأن يصبح لاعباً فعّالاً ومقبولاً في المنطقة.
مع وصول ترامب إلى سدة الرئاسة، تضاعفت الجهود الإسرائيلية لتطبيع العلاقات مع الدول العربية.
نتنياهو وفي مقابلة في شباط 2019 مع قناة “خاداشوت” الإخبارية قال في تصريح فاضح إنه قد زار أربع دول عربية في العام الماضي، وأعلن عن المزيد من الزيارات في المستقبل.
كما قال “إسرائيل كاتس” بعد إعلان المشاركة في التحالف البحري، إنه تم اتخاذ هذا القرار لمصلحة “إسرائيل” في إطار “استراتيجية احتواء إيران” وتعزيز العلاقات بين تل أبيب والدول الخليجية.
ولأن الدول العربية تتعرض لانتقادات بسبب تطبيع العلاقات مع “إسرائيل”، فإن السياسة الإسرائيلية هي استخدام “إيران فوبيا” لإضفاء الشرعية على الرأي العام في هذه البلدان، الأمر الذي اعترف به نتنياهو صراحةً في مقابلته مع “خاداشوت”.
والهدف الرابع للكيان الإسرائيلي هو خلق مناطق نفوذ حول إيران، ردّاً على النفوذ الإيراني في سوريا ولبنان.
ونقل موقع “عاروتص شوع” نقلاً عن وزير الدفاع الإسرائيلي السابق “ليبرمان” قوله إن “التحدي الأكبر هو محاولة إيران حصارنا بشكل مفاجئ”.
لذلك فإن واحدة من استراتيجيات السنوات القليلة الماضية للكيان الإسرائيلي هي التموضع حول حدود إيران، بحيث يحاول الحصول على نفوذ أمني في جمهورية أذربيجان ومنطقة كردستان العراق المتمتعة بالحكم الذاتي والآن في الخليج الفارسي.
القوة البحرية وتاريخ نفوذ الكيان الإسرائيلي
تبلغ المعدات البحرية الإسرائيلية 65 عتاداً، وتحتل المرتبة 37 في العالم، هذا في حين أن الكيان لا يمتلك أي فرقاطات أو مدمرات، بل لديه 4 فرقاطات خفيفة للاستخدام في مياهه الساحلية فحسب.
ويمكن للبحرية الإسرائيلية في أفضل الأحوال تنفيذ عملية محدودة حول الأراضي المحتلة والبحر الأحمر والبحر الأبيض المتوسط. وأهم معداتها هي 6 غواصات من فئة الدلافين الألمانية، تستخدم في عمليات الاستخبارات وإطلاق صواريخ الكروز ومداها 1500 كيلومتر.
لقد صنّعت هذه الغواصات من قبل ألمانيا بالكامل، ويتم تقديمها إلى الكيان الإسرائيلي مجاناً، ومعظمها يستخدم في الردع النووي. وبالتالي، تفتقر البحرية الإسرائيلية إلى القوة والمعدات اللازمة لتواجدها الفعّال في دوريات بحرية وتحالف خارجي.
في يوليو 2009، ومع تزايد التوترات بين إيران والاتحاد الأوروبي، ذكرت بعض وسائل الإعلام الإسرائيلية أن “إسرائيل” سترسل غواصات دولفين للمناورة في الخليج الفارسي.
بعض وسائل الإعلام العربية أيضاً وفي نفس العام تحدثت عن انضمام إحدى غواصات دولفين إلى الأسطول الأمريكي الخامس في البحرين لمراقبة الأنشطة الإيرانية، هذه الغواصات ليست محصنةً ضد أضرار ورصد المعدات العسكرية.
وفي عام 2017 كشفت مجلة “قدامى المحاربين الأمريكيين” الأسبوعية أن واحدة من هذه الغواصات التي دخلت المياه الإقليمية السورية في عمليات الاستطلاع والاستخبارات، تم تدميرها من قبل الطوربيدات السورية.
ومع تصاعد التوترات في الخليج الفارسي، ذکرت صحيفة “تايمز” الإسرائيلية في تقرير لها محاولة الموساد تقديم معلومات عن تورّط إيران في انفجارات ميناء الفجيرة بدولة الإمارات، وقال التقرير إنه تمّت الاستفادة من معلومات ضابط في البحرية الإسرائيلية، ولكن لم يتم ذكر مكان هذا الضابط الإسرائيلي.
وفي مارس من الشهر الماضي، زعم نتنياهو أن البحرية الإسرائيلية تلعب دوراً فعّالاً في منع تهريب النفط الإيراني، ولكن يبدو بشكل عام أن المسؤولين الإسرائيليين يسعون إلى تضخيم القوة البحرية الإسرائيلية أكثر من قوتها الحقيقية، لتشجيع الدول العربية في المنطقة على التعاون مع الكيان في الشؤون الدفاعية والبحرية.
الردع واقتدار البحرية الإيرانية
إيران وبسبب امتلاكها لشواطئ عديدة ومواجهة التحديات البحرية وأمن مضيق هرمز، طورت قوتها البحرية باعتبارها واحدة من أكثر القوى الاستراتيجية، بحيث في عامي 1987 و 1988، واجهت البحرية الأمريكية في العديد من العمليات البحرية، وفي النهاية ولإنهاء الأزمة، أسقطت أمريكا طائرة ركاب إيرباص الإيرانية بإطلاق صواريخ من حاملة طائرات يو إس إس فينسنس.
بالنظر إلى قوة البحرية الإيرانية وسيطرتها على المياه الساحلية والبحار الإقليمية، فإن وجود معدات بحرية إسرائيلية بالإضافة إلى ضعف القوات الإسرائيلية، سيهدد القوى الأخرى المشاركة في التحالف، لأن الوجود الإسرائيلي في هذا التحالف هو خط أحمر لإيران.
وبهذا الصدد كتب محمد جواد ظريف في تغريدة: الخليج الفارسي هو أولوية الأمن القومي للجمهورية الإسلامية، وإيران لن تتردد في الحفاظ على أمنها.
بعد ردّ إيران الحازم على هذا الموقف الإسرائيلي، وصف المتحدث باسم وزارة الخارجية هذا الحضور بالتهديد الواضح، وقال: إن مواجهة الوجود الإسرائيلي في الخليج الفارسي هو حق إيران.
بالنظر إلى الجهود التي بذلتها طهران في الآونة الأخيرة من أجل وقف التصعيد والتعاون مع الدول الخليجية، فليس من المتوقع أن يرحبوا بوجود الكيان الإسرائيلي في التحالف المزعوم، لأن الكيان لا ينقل نفطاً من الخليج الفارسي وليس له مصالح مشروعة في المنطقة، لذلك فليس من الصعب على هذه الدول فهم النوايا الشريرة للكيان الإسرائيلي.
في أنظمة الأمن الجماعي، يتم توفير الأمن البحري من قبل الدول الساحلية في المنطقة؛ وفي هذا الصدد، ناقش “أمير حاتمي” وزير الدفاع الإيراني عبر الاتصال بوزراء دفاع الكويت وقطر وعمان، تعزيز التعاون الأمني وإحباط الأعمال الإسرائيلية الاستفزازية في المنطقة.
إن موقف “إسرائيل” المتسرع سيؤدي إلى نتيجة معكوسة عليها، ويعزز استراتيجية إيران وشرعية الهجوم على مواقعها.
في هذا الصدد، كتب عبد الباري عطوان في صحيفة رأي اليوم: قد يستخدم الحرس الثوري الإيراني هذا الوجود الإسرائيلي في النظام الأمني والعسكري الجديد لمهاجمة أهداف إسرائيلية في الخليج الفارسي أو البحر الأحمر.
في المجموع، نظراً لضعف البحرية التابعة للكيان الإسرائيلي، فإن إعلان حضور هذا الكيان هو إجراء رمزي ودعائي، وسيتم تنفيذه في أفضل الأحوال من خلال التعاون الاستخباراتي.
كما يحاول نتنياهو أيضاً استخدام هذه المواقف لحشد دعم اليمين المتطرف والدعاية لانتخابات 17 سبتمبر.
ويعتقد بعض المحللين العرب مثل “أليف صباغ” و”نظير مجلي” أن نتنياهو يستغل محاولاته لتطبيع العلاقات مع الدول العربية في هذه المرحلة، للفوز بالانتخابات.
وبالنظر إلى جهود روسيا والصين وأوروبا والبلدان الرئيسة المستهلكة للنفط لمنع التوترات في الخليج الفارسي، فإن هذا القرار الإسرائيلي المثير للتوتر بالإضافة إلى كونه غير ناجح، سيقلل من مصداقية الكيان الإسرائيلي بين دول المنطقة والعالم.
المصدر/ الوقت