واشنطن لن تحصد الا المزيد من الفشل من حربها الاقتصادية على طهران!
وكالات – الرأي –
منذ اكثر من أربعة عقود، واجهت الجمهورية الاسلامية الايرانية، مختلف انواع الحظر بما فيه الحظر الاقتصادي الذي فرضته أميركا الى ان وصل الى ذروته في عهد دونالد ترامب المهووس بالمال والربح والتجارة.
نعم انها الحرب الاقتصادية، التي تشنها واشنطن ضد طهران، بعد ان فشلت جميع انواع الحروب والمؤامرات، وبالطبع الحرب الاقتصادية هي حلقة ضمن حرب شاملة تمارسها اميركا على ايران الاسلامية وبشكل عام على جبهة المقاومة.. وبين الفترة والاخرى نرى ان احدى حلقات هذه الحرب الشاملة هي التي تطغى على السطح ورغم ان انواع الحرب الاخرى كالحرب الاعلامية والنفسية والسياسية وغيرها مستمرة، لكن في كل فترة وحسب اولويات الادارة الاميركية تطغى واحدة من هذه الحلقات. وفي هذه الفترة ونظرا للميول التجارية والسمسارية لترامب، نرى ان الحرب الاقتصادية هي عنوان المواجهة ليس فقط مع ايران بل مع الصين وروسيا وحتى مع الحلفاء كتركيا وبعض الدول الاوروبية.
وفي هذا السياق، اعتبر المقرر الخاص لمجلس حقوق الانسان التابع للامم المتحدة “ادريس الجزائري”، اجراءات الحظر الاحادية بانها حرب اقتصادية، داعيا المجتمع الدولي لاتخاذ اجراء عاجل لمنع تأثيراتها السلبية على حقوق الانسان وحياة الافراد.
ففي رسالة رفعها الى الجمعية العامة للامم المتحدة، بعنوان “التأثيرات السلبية للإجراءات القسرية أحادية الجانب على التمتع بحقوق الانسان”، تطرق الجزائري الى القضايا الحقوقيةة الناجمة من استخدام مثل هذه الاجراءات ووصفها بانها “حصار”.
ويعد هذا التقرير الخامس من نوعه للمقرر الخاص لحقوق الانسان حول التاثيرات السلبية للاجراءات القسرية احادية الجانب على التمتع بحقوق الانسان والتي تتجلى في اشد صورها في فرض اجراءات الحظر احادية الجانب اي الحصار والعقوبات الاقتصادية، حيث أشار التقرير في مقدمته الى حضور الجزائري في اجتماع عقد من قبل منظمة الدفاع عن حقوق ضحايا العنف في اذار/مارس 2019 واورد بان المشاركين ابدوا وجهات نظرهم حول انتهاك حقوق الانسان للايرانيين بسبب اجراءات الولايات المتحدة احادية الجانب ومن ضمنها انتهاك حقوق الصحة والغذاء وحق المحافظة امام الفقر الشديد.
وتطرق التقرير الى اجراءات الحظر المفروضة على غزة وكوبا وفنزويلا وسوريا والجمهورية الاسلامية الايرانية، وقال بشأن ايران: ان اعادة فرض الحظر الشامل احادي الجانب في الوقت الحاضر قد ادت الى نتائج سيئة في سياق تمتع الايرانيين العاديين بحقوق الانسان.
ورأى التقرير ان اجراءات اوروبا للمحافظة على اعمالها وانشطتها مع ايران بوجه الحظر الاميركي كانت عديمة الفاعلية، مشيرا الى ان منع الاستفادة من النظام المالي “سويفت” قد اثر حتى على الاعفاءات الانسانية.
بالطبع هذا التقرير ينظر الى الحظر من خارج ايران، ولا ينظر الى اجراءات الحكومة الايرانية في الحد من آثار الحظر على المواطن العادي، وإذا نظرنا بعين المنصف المحايد، لقلنا ان هذا التقرير ينقل نصف الحقيقة، وهي الآثار السلبية للحظر على المواطن العادي، وهذا ثمن تدفعه ايران بسبب مواقفها المعادية للاستكبار والصهيونية العالمية، وبسبب استقلاليتها، ومع ذلك فقد نجحت ايران الاسلامية في تجاوز مرحلة الخطر التي كان مهندسو الحظر يرغبون بها. وكما قلنا في تقارير سابقة، ان الحظر الاقتصادية له عدة اهداف، بعضها معلن وبعضها غير معلن، فالمعلن منها هو تقليم اظافر ايران في المنطقة، ودفعها الى التفاوض، وغير المعلن هو القبول بتسوية مع “الكيان الصهيوني” بعد ان يئس الاستكبار العالمي من الحصول على اعتراف من ايران الاسلامية بهذا الكيان اللقيط. ولذلك اعتمدت ادارة ترامب على ما وصفته الحد الاقصى من الضغوط والعقوبات، لتصفير صادرات النفط الايرانية، ومنع التبادل التجاري مع ايران، وبعد مضي اكثر من عام على خروج واشنطن من جانب واحد من الاتفاق النووي، واستئناف الحظر وتشديده، ماذا حصدت واشنطن؟ هل حققت اهدافها؟
صحيح في البداية ارتفع سعر صرف الدولار الاميركي (في السوق الحرة) مقابل الريال ليلامس 190 ألف ريال ولكن طهران تمكنت من احتواء الصدمة، فبعد ان كان بعض المراقبين والمتابعين الاقتصاديين يتوقعون ان يستمر سقوط الريال امام الدولار، لكننا شاهدنا العكس إذ تعافى الريال نسبيا ليصل سعر الصرف قرابة 110 آلاف ريال. وبالطبع بقي سعر الصرف الرسمي 42 ألف ريال، وهو مخصص لدعم السلع الاساسية، لئلا يواجه المواطن العادي المزيد من الضغوط، لذلك لم يرتفع سعر الخبز ولا الوقود وشاهدنا ارتفاعا بسيطا في أغلب الادوية التي تصنع ايران اكثر من 90 بالمائة منها. والأقل من 10 بالمائة مشمول بدعم العملة.
وبهذا الصدد، أعلن محافظ البنك المركزي الايراني، عبدالناصر همتي، يوم السبت 31 آب/اغسطس 2019، أن الاستقرار عاد للاقتصاد مع انخفاض سعر الصرف تدريجيا في الشهور الاخيرة.
واوضح همتي أن هذا الامر يعود لتأثير السياسات المتبعة في المجال النقدي والعملة الاجنبية فيما يخص التذبذباب الاقتصادية المتأتية من الحظر غير المسبوق على البلاد، مشيرا الى أن عودة الاستقرار الاقتصادي مرده اساسا لاستقرار سعر الصرف بموازاة انخفاضه تدريجيا في الشهور الماضية، ومبينا أن انخفاض معدل التضخم الشهري بشكل متدرج منذ مارس/آذار 2019، يعكس انحسار آثار هزات سعر الصرف على الاسعار.
هذا الامر، يضاف اليه ان اعتماد ايران على عائدات النفط في ميزانيتها يبلغ قرابة 30 بالمائة، كما ان اميركا لم تتمكن من تصفير صادرات النفط الايراني، فالصين زادت شراءها من النفط الايراني، وهناك محاولات ايرانية للحصول على ضمانات اوروبية لشراء النفط من ايران بحجم السابق. والامر ليس منحصرا في النفط، فهناك الغاز الذي يسوق بشكل جيد الى دول الجوار، وكذلك المنتجات البتروكيمياوية، حيث توقع وزير النفط الايراني، بيجن زنكنة، يوم الاربعاء 28 آب/ اغسطس 2019، ان يرتفع حجم انتاج البتروكيمياويات الايرانية الى 100 مليون طن في عام 2021، وقيمتها ستعادل 36 مليار دولار. وهذه وصفها بالقفزة الثانية للبتروكيمياويات، وتوقع ان يصل الانتاج الى 150 مليون طن في القفزة الثالثة.
وكذلك اعلن زنكنه ان ايران هي اكبر منتج للبنزين في منظمة اوبك، بواقع 115 مليون ليتر يوميا، ولديها فائض يقدر بـ11 مليون ليتر، وتنوي تصدير هذا الفائض.
وعلى الاصعدة الاخرى، تواصل ايران تعزيز تبادلها التجاري مع محيطها، فعلى سبيل المثال، أعلن وزير الطاقة الايراني رضا اردكانيان أن طهران ابرمت مذكرة رسمية مع الامين العام للاتحاد الاقتصادي الاوراسي، لتنضم بموجبها لهذا الاتحاد رسميا في 28 اكتوبر/تشرين الاول 2019.
يذكر ان الاتحاد الاقتصادي الاوراسي، يضم خمسة دول هي: روسيا وارمينا وكازاخستان وقرغيزيا وبيلاروسيا، وهي سوق لنحو 190 مليون نسمة، وهناك 40 بلدا يسعى للانضمام الى هذا الاتحاد.
ولفت الوزير الايراني الى أن اولى مفاعيل هذه الاتفاقية، شمول 503 سلعة بين ايران والاتحاد الاوراسي بالتعرفة التفضيلية، مؤكدأ ان ايران ستدخل بشكل فاعل ولاول مرة منذ انتصار الثورة الاسلامية باتفاقية اقتصادية أقليمية، مبينا أن تصدير السلع سيتم عبر الحدود البرية مع ارمينيا وعبر الحدود المائية مع روسيا.
كما ان ايران تسعى لإبرام اتفاقية مع الهند للمقايضة التجارية حتى نهاية 2019، وهذا الامر من شأنه ان يساعدها في الالتفاف على الحظر الاميركي، هذا اذا علمنا ان الهند وبعد ان ألغى ترامب اتفاقية التجارة التفضيلة معها، تريد التعويض عن ذلك بشتى السبل.
ما ذكرناه تناول جانبا بسيطا من النشاط الاقتصادي والتجاري لإيران الاسلامية، وإذا وضعناه ما ذكرناه الى جانب خطة إلغاء اربعة اصفار من العملة الايرانية، ومن المتوقع ان يتحققق ذلك في غضون العامين المقبلين، ومع استمرار الحرب الاقتصادية بين اميركا والصين، والتي استفادت ايران منها ومازالت تستفيد اكبر الاستفادة، فسيكون الوضع الاقتصادي الايراني في تحسن مستمر. إن شاء الله. ولن تحصد واشنطن من حصارها على طهران الا مزيدا من الفشل.
المصدر / الوقت