ماذا وراء الإيعاز بإعادة فتح السفارة السعودية في دمشق؟
لسنوات عديدة والعلاقات السعودية – السورية تقريباً مقطوعة بشكل كلي، وبالتحديد منذ العام 2011 على خلفية بداية الأزمة السورية، إذ اختارت السعودية أن تناصر المعارضة السورية المسلحة وتمدّها بالمال والسلاح، لكن الجيش السوري استطاع خلال سنوات الأزمة تغيير المعادلة وتحطيم أحلام كل من عمل على دعم المعارضة المسلحة.
تغيير المعادلات في أرض الميدان لمصلحة الدولة السورية انعكس بدوره على عالم السياسة، حيث وصلت جميع دول العالم إلى حقيقية مفادها أنه لا يمكن إسقاط الرئيس بشار الأسد، ومن هنا بدأت الدول تغيّر موقفها رويداً رويداً وتعيد تطبيع العلاقات مع الحكومة السورية، وكان من أوائل هذه الدول حليفة السعودية الاستراتيجية دولة الإمارات، التي أعادت فتح سفارتها في ديسمبر الماضي، وكذلك فعلت البحرين، وحالياً تشارك الإمارات بوفد من كبار التجار يصل عددهم إلى 40 تاجراً في معرض دمشق الدولي، الأمر الذي أثار غضب واشنطن ومع ذلك لم تعر أبو ظبي الأمر اهتماماً كبيراً، وتصرّ على إعادة العلاقات مع دمشق بعد أن كانت على رأس الدول المعادية للحكومة السورية خلال الأزمة.
السعودية أدركت أنه من الأفضل أن تحذو حذو الإمارات، وتتجه نحو دمشق قبل أن يفوت الأوان، لذلك وجدنا الدبلوماسية السعودية بدأت تدق أبواب دمشق، وتمتنع عن الأدلاء بأي تصريح يعكّر صفو الحكومة السورية، وعلى هذا الأساس انتشرت أنباء عن اقتراب تطبيع العلاقة بين الرياض ودمشق.
ولكن ربما حان الوقت الآن، فقد كشف حساب المغرد السعودي الشهير على موقع تويتر “مجتهد”، في 31 أغسطس الماضي، عن تطورات مفاجئة في العلاقات السعودية – السورية.
وقال “مجتهد”، المعروف بنشر أسرار العائلة السعودية الحاكمة: إن “الأمير محمد بن سلمان وجّه وزارة الخارجية السعودية بإعداد الترتيبات لعودة السفير السعودي لدمشق خلال أسابيع”، كما وجّه ولي العهد الوزارات المعنية الأخرى بوضع خطة لإعادة العلاقات التجارية والاقتصادية مع دمشق، وفق ذات المصدر.
ولكي تثبت السعودية جديتها في بدء صفحة جديدة مع الحكومة السورية اتخذت مجموعة من التدابير، منها إبلاغ المعارضين السوريين في يناير الماضي بإزالة أعلام المعارضة من كل الأراضي السعودية، ورفع أعلام الحكومة السورية بدلاً منها.
وشهدت الفترة الأخيرة توقّفاً لحدّة النقد السعودي الدائم للحكومة السورية، ومنع جمع تبرّعات لقوى المعارضة المسلّحة في سوريا، وتجميد حسابات بنكية لشخصيات سورية معارضة.
وعندما عقد اجتماع البرلمان العربي في عمان، شاركت فيه سوريا لأول مرة منذ تجميد عضويتها في البرلمان العربي العام 2011، ورحّبت كل من السعودية والإمارات بمواصلة دعم بناء مقر الاتحاد البرلماني العربي في دمشق الذي جمّد العمل به منذ سنوات ليحلّ محله مقر مؤقت في العاصمة اللبنانية بيروت.
وحافظت سوريا على المقرّ كما هو، وإذا مرّرت بشارع “أبو رمانه” بدمشق اليوم ستجد بناء منفصلاً عليه لوحة كبيرة كتب عليها “مقر البرلمان العربي”.
الترحيب من أبو ظبي والرياض بمواصلة العمل في تجهيز مقر البرلمان العربي في دمشق، يعني عودة المقر الدائم للبرلمان إلى دمشق.
وبالتزامن مع هذا التقارب الذي ظهر في عمان، أصبح عودة ملف الحجاج السوريين إلى الحكومة السورية معلناً، بعد أن كانت الحوارات بشأنه تتم بعيداً عن الإعلام، وأعلنت وزارة الداخلية السورية عبر التلفزيون الرسمي السوري البدء بتلقيها طلبات الحج لهذا العام، ما يؤشر إلى أن الرياض سحبت ملف الحجاج السوريين من الائتلاف السوري.
شروط دمشق للعودة
سوريا أعربت في عدة مناسبات أن عودتها إلى الجامعة العربية ستكون مشروطة، وعودة العلاقات بينها وبين السعودية كذلك الأمر، حيث كشف مندوب سوريا الدائم لدى الأمم المتحدة بشار الجعفري عن شروط عودة العلاقات مع السعودية.
وقال الجعفري في ردّ على سؤال عن شروط عودة العلاقات بين دمشق والرياض لقناة “الميادين” إن “الشعب السوري ينتظر ممن سفك دماء أبنائه أن يعتذر … وأن الأموال التي صرفها على الإرهاب عليه أن يدفع مقابلها أموالاً لإعادة البناء من دون شروط مسبقة”.
وأضاف مندوب سوريا الدائم “عليه أن يساعد الحكومة السورية في القضاء على ما تبقى من إرهاب وأن يتم الكشف عن الشبكات الجهادية والتكفيرية التي تم بناؤها داخل سوريا”، مشيراً إلى تلك الشبكات الإرهابية التي مولتها السعودية والدول الخليجية”.
وفي 2012، قرّرت الرياض، ضمن قرار عربي وخليجي، إغلاق سفارتها في دمشق وطرد السفير السوري، كما دعمت الجيش السوري الحر، وأعلنت رفضها بقاء الرئيس الأسد في السلطة، قبل أن تتراجع عن هذا المطلب في العامين الأخيرين، وتتحدث عن ضرورة إنجاز تسوية سياسية.
سوريا اليوم في موقف قوة وستختار بنفسها من تريد أن تعيد العلاقات معه ومن تتريث بفعل ذلك معه حتى تنفيذ متطلباتها، لكن نعتقد أن السعودية على عجلة في أمرها من أجل إعادة العلاقات مع دمشق، لأن الرياض تخشى أن تصبح خارج المعادلة السورية، بعد سلسلة الخسارات التي تعرّضت لها في المنطقة ولاسيما في اليمن، وبالتالي اندفاعها نحو دمشق على هذا النحو ما هو إلا محاولة أخيرة لحفظ ماء وجهها وخوفاً من أن تصبح خارج المعادلة السورية الجديدة، خاصة أن الرياض فشلت في تغيير النظام في سوريا ولم يستطع من دعمتهم أن يؤثر بأي شكل على الحكومة السورية وثباتها واستقرارها وقوتها.
المصدر / الوقت