آخر تداعيات رد “حزب الله”.. طلب الوساطة أول الغيث
لا تزال تداعيات ردّ “حزب الله” اللبناني على هجوم كيان العدو على الضاحية الجنوبية، مستمرة ويبدو أن أبعاد هذه التداعيات بدأت ترهق الساسة الإسرائيليين، لاسيما رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الذي أدخل نفسه في ورطة كبيرة قبيل بدء الانتخابات الإسرائيلية بأيام معدودة، وقد تتفاقم هذه التداعيات وتطيح بنتنياهو في الأيام القادمة، ويُحسب لنتنياهو أنه يدرك حجم الحماقة التي ارتكبها لذلك بدأ يدعو للتهدئة والوساطة عبر قنوات غير مباشرة مع “حزب الله” اللبناني.
القناة الأولى التي اتجه نحوها نتنياهو كانت روسيا بحكم علاقتها الجيدة بإيران وسوريا وهذا ما قد يخفف من حجم الورطة في حال قبل الروس التوسط لنتنياهو وإنقاذه مما هو فيه، خاصةً وأن “حزب الله” أصبح يملك قواعد اللعبة ويحرّك الأحداث بما يتوافق مع مصلحة لبنان والشعب اللبناني الذي حماه “الحزب” من نيران العدو لأكثر من عقد كامل، ودقة ردّ “حزب الله” الأخير وجرأته وشجاعته دفعت نتنياهو للتوجّه نحو روسيا للضغط على حزب الله لإعادة التزامه مجدداً بقواعد الاشتباك السابقة وتحديداً القرار 1701، بحسب مصادر دبلوماسية كشفت هذه المعلومات لصحيفة “اللواء” اللبنانية.
المصادر ذاتها أكدت بأن العدو الإسرائيلي أبدى استعداده لتقديم تعهدات بعدم استهداف مقاومين لحزب الله في سوريا مجدداً أو خرق القرار 1701 شرط التزام الحزب بقواعد الاشتباك السابقة، كاشفة عن وساطات لكل من أمريكا وفرنسا وروسيا ومصر لإعادة إحياء القرار الدولي 1701 الذي صدر عن مجلس الأمن في أعقاب العدوان الإسرائيلي على لبنان في تموز 2006.
ومن المعلومات التي كشفتها المصادر الدبلوماسية، اتصال وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو بجهات رسمية لبنانية منها رئيس الحكومة سعد الحريري للضغط على حزب الله لوقف عمليته العسكرية ضد “إسرائيل”، والاكتفاء بالرد الذي استهدف آلية عسكرية للعدو قرب مستعمرة افيفم كرد مزدوج عن مسيرات الضاحية واستشهاد عنصري الحزب في سوريا.
وفي هذا السياق، كشفت المصادر أيضاً عن عروض قدّمتها إدارة ترامب للحزب والدولة اللبنانية عبر وسطاء أوروبيين تتضمن تقديم تعهدات أمريكية بلجم “إسرائيل” والتزامها بالقرارات الدولية من جهة وعدم تصعيد واشنطن ضد لبنان لجهة تأخير إصدار عقوبات جديدة ضد حلفاء حزب الله أو جهات اقتصادية على صلة به من جهة أخرى، شرط التزام الحزب مجدداً بقواعد الاشتباك السابقة خصوصاً بالقرار الدولي 1701 إضافة إلى تعهّده بعدم استهداف سلاح الجو الإسرائيلي.
هذا الكلام يوضّح مدى القوة التي أصبح يمتلكها “الحزب” وكيف أصبح هو من يمتلك زمام المبادرة، وكيف أن أي تجاوز إسرائيلي للبنان وحدوده وسيادته سيواجهه ردّ قاسٍ من “حزب الله”، ومن سوء حظ الإسرائيليين أن جماهرية “حزب الله” تتزايد في لبنان والعالم ولم يعد بإمكان أحد المس بمكانة هذا “الحزب” الذي أصبح رمزاً للمقاومة والتضحية، وسياسة الحزب ساهمت إلى حدٍّ كبير في زيادة هذه الشعبية والجماهرية، وأهم ما يميّز هذه السياسة هي “الصدق”، هذه الكلمة التي يفتقدها “نتنياهو” وليس بإمكانه تطبيقها، وردة فعله الأخيرة على استهداف “حزب الله” العربة الإسرائيلية تؤكد ذلك، حيث ذهب نتنياهو إلى تكذيب ما حصل، والتفاخر بأن عملية “حزب الله” لم توقع أي قتيل في صفوف جنود الجيش الإسرائيلي، واعتبر أن نقل الجنود كان مجرد تمثيلية لتضليل “حزب الله”، وإيهامه بان عمليته “نجحت” لكي يتوقف عن استهداف الجنود الإسرائيليين والمواقع الإسرائيلية.
لنعتبر أن رواية “التضليل” صحيحة مع العلم أن الجميع كذّب هذه الرواية، تحدث “نتنياهو” بهذا الأسلوب يعبّر عن ضعف “كيان العدو” وعجزه عن الدخول في أي “حرب مقبلة” وعدم جاهزيته لخوضها، وهو اعتراف ضمني بتعاظم قدرة “حزب الله” وتغيير قواعد الاشتباك لمصلحته، وكلام السيد حسن نصر الله أكد هذا، عندما وجّه كلامه للإسرائيليين بالقول “احفظوا هذا التاريخ.. الأحد 1 أيلول 2019، لأنه بداية مرحلة جديدة من الوضع عند الحدود، وانتقلنا من مزارع شبعا المحتلة إلى فلسطين المحتلة في الدفاع عن لبنان ليست هناك خطوط حمراء”.
وأضاف “أكبر خط أحمر إسرائيلي منذ عشرات السنين كسرته المقاومة في عملية الأحد واذا اعتديتم فإن كل حدودكم ستكون في دائرة الرد وهذه هي الرسالة والمعادلة”.
بدا نتنياهو محرجاً بعد عملية “حزب الله” وابتسامته وانحناءة رأسه ونظره نحو الأسفل أكدت ذلك، وما تفوّه به لم يعجب الإعلام والقادة الإسرائيليين، حيث رفضت أبرز الأوساط الداخلية الإسرائيلية تمثيلية العدو المفترضة، وعبّر نائب رئيس الموساد السابق رام بن باراك، عن تخوّفه من أنّ “نشر مناورة التضليل يمكن أن يدفع حزب الله كي يقوم بعملٍ مجدداً”.
أما القائد السابق لوحدة العمليات الخاصة بالجيش الإسرائيلي عومر بارليف، أشار إلى أنّ “التفاخر بمناورة التضليل يلحق أضراراً بنا”، متسائلاً: “ما هدف المناورة إذا لم تبثّ شعوراً بالهدوء لمدنيي إسرائيل؟”.
كما كذّبت الصحافة الإسرائيلية، رئيس وزرائها بتأكيد وصول عدد من الجرحى (تفاوت الحديث بين اثنين وأربعة) إلى المستشفيات الإسرائيلية.
التكذيب الأوّل جاء على لسان مراسلة الإذاعة الإسرائيلية، أورلي الكلعي، التي أكدت وصول جرحى إلى مستشفى “رامبام” شمال فلسطين المحتلة.
كما نشرت العديد من وسائل الإعلام الإسرائيلية فيديو يظهر عملية نقل جرحى عبر مروحية بعد الاستهداف مباشرة، لتتساءل القناة 12 الإسرائيلية، بأنّه طالما أعلن نتنياهو عن عدم وجود إصابات في العملية ولا حتى خدوش لأيّ جندي، “فلماذا أقلعت طائرة هليكوبتر من الحدود الشمالية إلى مستشفى “رامبام” وأخلت الجنود هناك؟”.
إذن سرعان ما تحوّلت “التمثيلية” الإسرائيلية المفترضة إلى جدل داخليّ، يعكس بشكل كبير الأزمة السياسية العميقة على أعتاب الانتخابات.
فالرواية الرسمية حول “التمثيليّة” لم تقنع كثيراً العديد من السياسيين والعسكريين والمحللين والصحفيين الإسرائيليين، الذين وإن سلّموا جدلاً بحصولها، تساءلوا لماذا يتمّ الإعلان والحديث عنها بعد ساعات قليلة من العملية؟.
تساؤل منطقي، لماذا قد يُقدم الاحتلال على فضح رواية كان من المفترض أن تبقى سريّة لتنجح في تحقيق هدفها المنشود؟
المصدر / الوقت