تداعيات هجوم “أنصار الله” على شركات النفط السعودية
فتّت “أنصار الله” أحلام السعودية بطائراتها الصغيرة التي تمكّنت خلال 5 أشهر متتالية من أن تخترق الأجواء السعودية، وتصل إلى العمق السعودي دون أن تتمكّن دفاعات السعودية من صدّها أو ردّها، إذ قطّعت هذه الطائرات الصغيرة المسيّرة عشرات الكيلومترات لتصيب أهدافها بدقة وحرفية عالية، للمرة الثالثة على التوالي، الأمر الذي سيكون له تداعيات كبيرة على الداخل السعودي وعلى مكانة السعودية الإقليمية وعلى ثقة الشعب والجيش بالقيادة السعودية بعد 5 سنوات من الخيبة وعدم الجدوى من حرب قادتها السعودية ضد جارتها اليمن ودمّرت بنيتها التحتية دون أن تحصل على أي ميزة من هذه الحرب التي تحوّلت إلى كابوس يؤرق حكام السعودية ليلاً ونهاراً دون الوصول إلى حلّ.
إن اختراق 10 طائرات يوم أمس الأجواء السعودية والوصول إلى منشآت لشركة أرامكو في كل من مدينتي بقيق وهجرة خريص، يعدّ تطوّراً مهمّاً في الحرب اليمنية، لأن هذا الحدث سيغيّر قواعد اللعبة في المعارك القادمة وسيكون “أنصار الله” أصحاب الكلمة العليا في الحرب، ولن تتمكن السعودية ولا غيرها من تجاوزهم في أي محادثات مقبلة، ولن يمرّ أي مخطط في اليمن طالما أن “أنصار الله” يمتلكون هذه القوة الكبيرة التي تزداد يوماً بعد يوم، وما يميّز “أنصار الله” أنهم أصبحوا أكثر تنظيماً ودقة في أي مخطط يريدون تنفيذه.
السعودية أدركت خطوة “أنصار الله” وتعلم جيداً أنه لم يعد بالإمكان إبعاد هذه الجماعة عن الساحة اليمنية، وبات من المستحيل للسعودية أن تحقق أي نصر في اليمن، وما عليها سوى أن تسحب قواتها وتعتذر للشعب اليمني وتدفع تعويضات الدمار الذي خلّفته جراء هذه الحرب الفاشلة، وفي حال تعنّتت السعودية في آرائها وحربها على اليمن، ستتفاقم المشكلة أكثر وسيتحوّل كابوس اليمن إلى معضلة مستحيلة الحل وستغرق السعودية أكثر فأكثر في هذه الحرب.
إن ما فعله “أنصار الله” يوم أمس السبت يمثل تحوّلاً خطيراً في طبيعة المعركة لأن هذه الجماعة أوصلت رسالة واضحة من خلال الهجوم الأخير بأن هجماتها لا تنجح بالصدفة بل بعد تخطيط وتنفيذ دقيقين وبناءً على تجربة وخبرة ومعلومات دقيقة من داخل السعودية تقول جماعة “أنصار الله” إن الشرفاء هم من زوّدوها بها.
وفي هذا الإطار قال المتحدث الرسمي باسم جماعة “أنصار الله”، العميد يحيى سريع، يوم السبت (14 سبتمبر الحالي)، إن الهجوم تمّ باستخدام 10 طائرات مسيرة، وأدّى إلى إحداث أضرار كبيرة في المنشآت المستهدفة، مشيراً إلى أنها “أكبر عملية تجريها جماعة الحوثي داخل السعودية بعد رصد دقيق وتعاون مع شرفاء في داخل السعودية”.
وتوعّد المتحدث باسم “أنصار الله” الرياض بشنّ مزيد من الهجمات، مبيناً أن “بنك أهداف الهجمات في السعودية يتّسع، بفضل المعلومات الاستخباراتية الدقيقة وتعاون الشرفاء داخل السعودية “.
إذن المعركة أصبحت أصعب بعد أن غيّرت الجماعة معادلة الردع لمصلحتها، وفي الفترة المقبلة لن يكون هناك هجوم سعودي دون ردّ موجع.
كان من الواضح جداً الارتباك الذي أصاب القيادة السعودية بعد الاستهداف، ولم يكن أمامها سوى الاعتراف بما حدث، حيث نقلت وكالة “واس” السعودية الرسمية عن المتحدث الأمني بوزارة الداخلية أنه عند الساعة الرابعة من صباح يوم السبت (14 سبتمبر الحالي)، باشرت فرق الأمن الصناعي بشركة أرامكو بإطفاء حريقين في معملين تابعين للشركة بمحافظة بقيق وهجرة خريص نتيجة استهدافهما بطائرات من دون طيار (درون)، وتمكّنت من السيطرة على الحريقين والحدّ من انتشارهما، وقد باشرت الجهات المختصة بالتحقيق في ذلك.
وقالت وكالة “رويترز” عن مصادر: إن الهجوم على منشأتي أرامكو “أثّر على إنتاج وتصدير النفط”، وذكرت المصادر أن الهجوم أثّر على إنتاج 5 ملايين برميل يومياً من النفط، تمثل نحو نصف الإنتاج الإجمالي للبلاد، والبالغ نحو 10 ملايين برميل يومياً.
وتمثّل معامل “بقيق” التي تم استهدافها الشريان في خط أنابيب الشرق والغرب التابع لـ “أرامكو”، والذي يؤدي دوراً حاسماً في ربط منشآت إنتاج النفط في المنطقة الشرقية وينبع على الساحل الغربي، وتوفير المرونة للتصدير من الساحل الشرقي والغربي للسعودية، وتعدّ منشأة “بقيق” النفطية التابعة لشركة “أرامكو” السعودية منشأة ضخمة جداً؛ حيث عالجت نحو 1.85 مليار برميل من النفط الخام عام 2018 (5.150 ملايين برميل في اليوم)، وتبعد نحو 75 كم جنوب مدينة الدمام، وتُعدّ من المدن المهمة بالمنطقة، متوسطة الطريق بين الدمام والأحساء شرقي السعودية.
وتضمّ منطقة هجرة خريص “حقل خريص” الذي تم استهدافه ويعتبر أكبر مشروع بترول بالعالم حيث يقدّر إنتاجه بـ1.2 مليون برميل يومياً من الزيت العربي الخفيف.
طبعاً ما أربك السعودية هو تكرار الهجمات ونجاحها وعجز الدفاعات الجوية عن صدّ هذه الهجمات بالرغم من أن السعودية من أكثر دول العالم إنفاقاً على التسليح، ومع ذلك لم تتمكن من إيقاف طائرات صغيرة مسيرة، وهذا يضع الجيش السعودي أمام مسألة كبيرة في حال تم شنّ حرب أكبر من هذه.
الأمر الثاني أنّ حكام السعودية قلقون على الاقتصاد، حيث تسبّب هذه الهجمات صفعات مؤلمة للاقتصاد، وتسبّب هروب المستثمرين، حتى خطة ولي العهد السعودي محمد بن سلمان في تنويع الاقتصاد عبر بيع أسهم من شركة ارامكو ستصبح معقّدة أكثر وسيجد صعوبة في بيع أسهم لشركة مهددة باستمرار بالقصف.
الأمر الثالث أنها المرة الثالثة التي يتم فيها استهداف شركات النفط في السعودية، لذلك سيكون موقف الحكومة صعب جداً في الأيام المقبلة، ولن تجد أمامها حل سوى تخفيف التصعيد في اليمن والانسحاب منها رويداً رويداً.
المصدر / الوقت