العالم ينتفض في وجه السعودية.. ملف حقوق الإنسان أحد الأسباب
لا نبالغ إذا قلنا إن ملف حقوق الإنسان هو الأخطر بين دول المنطقة، خاصةً بعد وصول ولي العهد محمد بن سلمان إلى السلطة، وما رافق قدومه من سلسلة اعتقالات “لا متناهية” شملت رجال الدين والدعاة والتجار والنشطاء وحتى الأمراء وكذلك مواطنين من دول أخرى، إضافة إلى عمليات اغتيال خارج حدود السعودية كان أبرزها قضية قتل خاشقجي التي لا تزال تلفّ بها العديد من علامات الاستفهام، ولاسيما أن السعودية لم تتعاون بما فيه الكفاية مع المحققين في هذه القضية وعمدت إلى إغلاق الملف تحت أي ظرف كان.
الغرب الذي بقي صامتاً عن انتهاكات السعودية في مجال حقوق الإنسان لأشهر عديدة عاد مرة ثانية وانتفض في وجه السعودية، حيث أبدت 24 دولة معظمها أوروبية قلقها بشأن تقارير عن عمليات تعذيب واحتجاز غير قانوني ومحاكمات غير عادلة لنشطاء حقوق الإنسان وصحفيين في السعودية.
وتبنّت الدول الـ 24، وأغلبها أوروبية، يوم الاثنين، بياناً مشتركاً، حثّ السلطات السعودية على كشف الحقيقة بخصوص قتل الصحفي جمال خاشقجي داخل القنصلية السعودية في اسطنبول، في أكتوبر الماضي، وضمان محاسبة الضالعين في الجريمة.
وكانت مقررة الأمم المتحدة المعنية بالقتل خارج نطاق القضاء أنييس كالامار أكدت في تقريرها في يونيو/حزيران الماضي أنه يتعيّن التحقيق مع ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان ومسؤولين كبار بشأن مقتل خاشقجي في ضوء ما وصفتها بأدلة موثوقة ضدهم.
وفي السياق، يقول “مايكل بَيْج”، نائب مديرة قسم الشرق الأوسط في هيومن رايتس ووتش: إنّ “اغتيال خاشقجي الوحشي لم يكن مجرد مهمة سارت بشكل خاطئ، بل نتيجة إهمال السعودية الخطير لحقوق الإنسان، والاعتقاد بأن حكم القانون لا ينطبق على ولي العهد محمد بن سلمان وقادة السعودية الآخرين.
على العالم أن ينتهز هذه الفرصة للمطالبة بوضع حدّ لانتهاكات السعودية الحقوقية الخطيرة وممارساتها الضارة، التي يستمرّ بعضها منذ عقود، وإنصاف ضحاياها”.
في مقابل ذلك رفضت الرياض التقرير في ذلك الحين باعتباره غير جديد ويتضمن “مزاعم لا أساس لها”، ووجه المدعي العام السعودي اتهامات إلى 11 مشتبهاً فيهم، بينهم خمسة قد يواجهون الإعدام بشأن الجريمة.
ومع الاعتراف بوجود إصلاحات في السعودية، من بينها الإعلان عن رفع القيود عن حق المرأة في السفر دون محرم، جاء في البيان المشترك للدول الغربية، الذي تلته السفيرة الأسترالية لدى مجلس حقوق الإنسان للأمم المتحدة، سالي مانسفيلد، أن الدول الموقعة عليه “لا تزال قلقة للغاية بشأن الوضع في مجال حقوق الإنسان في السعودية، ولا يزال ممثلو المجتمع المدني في السعودية يواجهون الاضطهاد والتخويف”.
وأفادت مصادر دبلوماسية لـ “رويترز” بأن 15 دولة من أعضاء الاتحاد الأوروبي، بينها بريطانيا وألمانيا، وقّعت على البيان، بالإضافة إلى كندا ونيوزيلندا وبيرو، فيما امتنعت فرنسا وإيطاليا وإسبانيا عن التوقيع.
ولم يصدر ردّ على الفور من الوفد السعودي، وكان مقعد السعودية خالياً بعد مغادرة سفيرها القاعة قبل نحو ساعة لاستضافة حفل استقبال بمناسبة اليوم الوطني لبلاده.
ويشار إلى أن هذا هو ثاني بيان مشترك يتلى أمام مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة في جنيف خلال ستة أشهر بعد أول توبيخ للسعودية في المجلس، في مارس الماضي.
وفي يونيو الماضي، دعت 40 منظمة لحقوق الإنسان الدول الأعضاء في الأمم المتحدة إلى تبنّي قرار يتناول انتهاكات حقوق الإنسان المستمرة في السعودية.
وكانت السعودية نفّذت، في الـ 24 من أبريل الماضي، حكم القتل تعزيراً، وإقامة حدّ الحرابة بحق 37 شخصاً من الجنسية السعودية في قضايا ما يسمى “الإرهاب”.
ويوجد في السجون السعودية المئات من معتقلي الرأي من دعاة ونشطاء وصحفيين، لم يحاكموا بشكل كامل حتى الآن، وتعرّضوا للتعذيب الممنهج وحرمان حقوق السجناء، وطالبت منظمات حقوقية بضرورة الإفراج عنهم فوراً.
وفي 19 سبتمبر الحالي، اتخذت السلطات السعودية خطوة مفاجئة بنقل عدد من المشايخ المعتقلين إلى الرياض تمهيداً لمحاكمتهم، وذلك قبل المواعيد المحددة مسبقاً، بينهم العودة.
وحول محاكمة العودة قال نجله عبد الله العودة: “اليوم حضر والدي سلمان العودة لجلسة المحاكمة في المتخصصة بالرياض، وقد حددوا بعد غد الخميس للجلسة القادمة” موضحاً أن “هناك تعجيل وتسريع لمواعيد الجلسات على غير العادة”.
وتمارس السلطات السعودية أساليب ابتزاز وضغط شديد على عدة شخصيات من رموز المعارضة، تطول ذويهم، وفق حساب “معتقلي الرأي” في السعودية.
وبيّن الحساب المهتم بشؤون المعتقلين السعوديين، في تغريدة على موقع “تويتر”، أنه “تأكّد لنا أن السلطات السعودية قامت بممارسة أساليب ابتزاز وضغط شديد على عائلات عدة شخصيات من رموز المعارضة في الخارج وهددتهم بتصعيد ذلك إن لم يقوموا بإعلان البراءة علناً من أبنائهم”.
وفي يونيو الماضي، نشر الحساب قائمة بأسماء المعتقلين الذين عُرفت أسماؤهم في سجون السعودية، وتضم دعاة وناشطين بارزين، اعتقلوا بين سبتمبر 2017 و12 يونيو 2019.
وتتكون القائمة من 111 معتقلاً، بينهم شخصيات معروفة في السعودية وكذا في الوطن العربي والعالم الإسلامي، مثل الداعية سلمان العودة، إضافة إلى ناشطات من بينهن لجين الهذلول وغيرها.
انتهاكات خارج الحدود
ما تقوم به السعودية في اليمن يعدّ أكبر انتهاك لحقوق الإنسان على مرّ التاريخ، فقبل حوالي الشهرين سلّم الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، مجلس الأمن الدولي تقريره السنوي بشأن الدول والجماعات المسلحة التي تنتهك حقوق الأطفال في مناطق النزاعات.
تقرير الأمم المتحدة هذا، يُبقي التحالف السعودي على لائحة سوداء لمنتهكي حقوق الأطفال، ويوثّق قتل وتشويه 1689 طفلاً خلال العام الماضي، حيث أبقى غوتيريش اسم التحالف بقيادة السعودية في اليمن، على اللائحة السوداء للدول والجماعات المنتهكة لحقوق الأطفال.
وأفاد التقرير بأن الأمم المتحدة تحققت من قتل وتشويه 1689 طفلاً في اليمن خلال العام الماضي، وأن التحالف الذي تقوده السعودية مسؤول عن قتل 720 طفلاً، معظمهم بسبب غارات جوية.
وفي نيسان الماضي، قالت ممثلة الأمين العام الأممي الخاصة بالأطفال والنزاع المسلح “فرجينيا غامبا”: إن أكثر من 7500 طفل قتلوا في اليمن منذ بدء الحرب التي يخوضها التحالف بقيادة السعودية.
ومؤخراً بدأت فضائح جديدة تتكشف حول اعتقال السعودية لـ48 مواطناً فلسطينياً بينهم القيادي في حركة حماس محمد الخضري ونجله دون أي تهم واضحة بحقهم، وطالبت حماس في بيان لها قبل يومين الإفراج عن جميع المعتقلين الفلسطينيين ولكن لم تستجب السعودية لهذه المطالب حتى كتابة هذه السطور.
المصدر / الوقت