البحرين تقمع وتعذّب دون رقيب أو حسيب.. ولكن ما الذي أغضبها؟
لم يشهد التاريخ الحديث أسوأ من هذه المرحلة التاريخية التي نمرّ بها على مستوى قمع الحريات ومنع المواطنين من التعبير عن آرائهم بحرية أو بأدنى درجات الحرية، وفي حال عبّروا عن أفكارهم سيكون مصيرهم الاعتقال والسجن والتعذيب، وهذا المشهد رائج جداً في العالم العربي، وبرز أكثر بعد ثورات “الربيع العربي”، حتى إن بعض الحكام وصل إلى مرحلة من الإجرام قام من خلالها بتقطيع مواطنيه ووضعهم في الأفران، وحالياً الصوت يعلو فيما يخصّ تعذيب السجناء ومنعهم من الرعاية الطبية في البحرين.
البحرين ومنذ ما يقارب الـ9 سنوات لاتزال تقمع مواطنيها، لاسيما المعارضين السلميين الذين لم يحملوا بندقية واحدة ولم يطلقوا رصاصة واحدة، ومع ذلك استقدمت لهم السلطات البحرينية جيوشاً ومدرعات لقمعهم، ولا تزال تدكّ بالمئات منهم في السجن، وتحرمهم من أبسط حقوقهم، ومجدداً تحدّثت منظمة “هيومن رايتس ووتش” عن أن سلطات السجون في البحرين “تحرم السجناء من الرعاية الصحية العاجلة تعسّفاً، وترفض عرضهم على أخصائيين، ولا تكشف عن نتائج فحوصهم الطبية، وتحجب عنهم الدواء كشكل من العقاب”.
وأشارت إلى أن جميع السجناء الستة يقضون عقوبات بالسجن تتعلق بأدوارهم البارزة في المعارضة والاحتجاجات المطالبة بالديمقراطية منذ 2011.
سلطات البحرين لا تتوقف عند تعذيب المعارضين الرجال بل على العكس تقوم بتعذيب النساء بشكل أكبر وأشد إيلاماً، ففي منتصف الشهر الماضي كشف معهد البحرين للحقوق والديمقراطية، المعني بالدفاع عن حقوق الإنسان، ومقره لندن، عن تعرّض 9 معتقلات سياسيات بحرينيّات للتعذيب الجسدي والنفسي، والإهمال الطبي، والاعتداء الجنسي، من قبل إدارة التحقيقات الجنائية في سجن مدينة عيسى.
وأكد المعهد، في تقرير حمل اسم “كسر الصمت.. السجينات يفضحن الانتهاكات”، أن المعتقلات تعرضن لأعمال انتقامية بسبب الاهتمام الدولي الذي تلقاه قضاياهن، وهن مستهدفات بشكل غير عادل من قبل حراس السجن ويتعرضن للتعذيب.
وقال المعهد: “توجد تسع معتقلات في السجون البحرينية، من بينهن هاجر منصور، ومدينة علي، وزكية البربوري، ويتعرضن باستمرار لإجراءات عقابية، مثل الإهمال الطبي والقيود المفروضة على الزيارات العائلية”.
الرعاية الطبية
لا يسمح القانون الدولي بمنع السجناء من الرعاية الطبية، إلا أن السلطات البحرينية تحرم السجناء من هذه الرعاية، حتى لو كانوا يعيشون ظروف صعبة جداً، حتى إن بعض هؤلاء السجناء يعانون من ظروف صحية صعبة جداً وبعضهم يعاني من أمراض مزمنة وخطيرة قد تنتقل إلى باقي السجناء.
وبهذا الخصوص قال جو ستورك، نائب مديرة قسم الشرق الأوسط في “هيومن رايتس ووتش”: “من المخزي أن تحرم السلطات البحرينية السجناء من الرعاية الطبية التي يحتاجونها بشكل عاجل، ما يعرّض حياتهم أحياناً للخطر”.
وأضاف: “كان ينبغي ألا يُسجن الكثير من هؤلاء الأشخاص أصلاً، كما أن الحرمان من الرعاية الطبية تعسّفاً قد يرقى إلى العقاب خارج نطاق القضاء”.
وأوضح أن حرمان أي سجين من الرعاية الطبية هو انتهاك لـ “قواعد الأمم المتحدة النموذجية الدنيا لمعاملة السجناء”، المعروفة بـ “قواعد مانديلا”.
وتقول المنظمة الدولية إنها أعدّت التقرير، بالتعاون مع “معهد البحرين للحقوق والديمقراطية” (خاص)، ونقلت فيه إفادات عن حقوقيين اثنين محتجزين، وكذلك أقارب لأربعة نشطاء من المعارضة محتجزين أيضاً.
ولم تعقّب السلطات البحرينية على ما جاء بالتقرير، غير أنها عادة ما تقول إنها تراعي الحقوق الخاصة بالسجناء، وتتجاهل ما تفضحه المنظمات الدولية عن معاملاتها السيئة للمعتقلين والسجناء لديها.
ويزداد المشهد قتامة داخل السجون في البحرين مع معاناة النزلاء من المضايقات المستمرة والمعاملة السيئة والحرمان من الحقوق الإنسانية، بينها تلقي العلاج وتناول الأدوية، الذي تسبب بانتشار الكثير من الأمراض من جهة، وتردي الأوضاع الصحية لبعض المعتقلين والسجناء من جهة أخرى.
وخلال الفترة الماضية تدهورت الحالة الصحية لـ عبد الجليل السنكيس (57 عاماً) بشكل كبير في السجن، بحسب أسرته. السنكيس، وهو أكاديمي والمتحدث باسم “حركة حق”، وهي جماعة معارضة غير مرخص لها، يقضي عقوبة السجن المؤبد بسبب دوره البارز في احتجاجات 2011.
السنكيس، الذي أصيب بشلل الأطفال في طفولته ويحتاج إلى عكازين للمشي، يعاني من ألم شديد في الصدر، وتخدّر في الأصابع، ورعشة في يده اليسرى منذ 22 أغسطس/آب 2019.
وفي 15 أغسطس/آب، دخل أكثر من 600 سجين في سجن جو و”سجن الحوض الجاف” في إضراب عن الطعام احتجاجاً على ظروف السجن، بما يشمل الحرمان من الرعاية الطبية.
يشار إلى أن 330 امرأة بحرينية تقبع في سجون النظام البحريني منذ 2011، بتهم معلومة وأخرى مجهولة، ويخضعن للتعذيب والمحاكمات بتهم كيدية، للضغط على المعارضين من أزواجهن أو أولادهن، كما تقول مؤسسات حقوقية.
وتشهد البحرين اضطرابات متقطعة منذ قمع حركة احتجاج، في فبراير 2011، في خضم أحداث “الربيع العربي”، قادتها المعارضة الشيعية التي تطالب بإقامة ملكية دستورية في البحرين.
وكثفت السلطات البحرينية محاكمة وملاحقة معارضيها منذ قمع الحركة الاحتجاجية، ورغم تراجع وتيرة العنف في الأعوام الأخيرة، لا يزال القضاء يصدر عقوبات قاسية بحق المعارضين تحت ذرائع تتعلق بالإرهاب، إلى جانب سحب الجنسية البحرينية منهم، بحسب منظمات حقوقية دولية.
انتهاكات حكام البحرين بحق المواطنين
استخدمت السلطات في البحرين تعريفاً فضفاضاً للإرهاب في قانون الإرهاب لاعتقال المتظاهرين وإدانة زعماء المعارضة، بما في ذلك الأشخاص الذين شاركوا في مظاهرات مناهضة للحكومة في 2011.
يمتد التعريف ليشمل أعمالاً غير عنيفة وهي “الإخلال بالنظام العام أو تعريض سلامة المملكة وأمنها للخطر أو الإضرار بالوحدة الوطنية”.
وجرّدت المحاكم 258 شخصاً من جنسيتهم بسبب جرائم مزعومة تشمل “الإرهاب” و”المساس بالأمن القومي” و”الإساءة إلى البلاد” بين يناير/كانون الثاني ونوفمبر/تشرين الثاني، ليصل إجمالي عدد الأشخاص الذين جرّدوا من جنسياتهم منذ عام 2012 إلى 764 شخصاً، وفقا لـ”معهد البحرين للحقوق والديمقراطية” الذي يتخذ من لندن مقراً له، وأصبح معظم المواطنين البحرينيين الذين جُرّدوا من جنسيتهم دون جنسية.
وفي منتصف الصيف الماضي بثّت قناة الجزيرة فيلماً وثائقياً -استقصائياً أغضب آل خليفة، حيث يظهر الوثائقي كيف عملت السلطات البحرينية على إلصاق تهمة الإرهاب بمعارضيها، بعد وصولها إلى شخصيات رفيعة كانت ضمن “المطبخ السياسي” لملك البحرين، حمد بن عيسى آل خليفة، ومنهم أحد قادته العسكريين، ومستشار سابق في الديوان الملكي البحريني يدعى صلاح البندر.
ونشرت القناة القطرية الأكثر انتشاراً ومتابعة في الوطن العربي مداخلات الشخصيات القريبة من الملك البحريني بالصوت والصورة، وهو ما وضع المنامة في “زاوية لا تستطيع من خلالها القيام بأي مناورة أو مراوغة” لما تضمّنه التحقيق الوثائقي، بحسب محللين.
وأزاح برنامج “ما خفي أعظم” الستار عن مخطط سري للمخابرات البحرينية لتجنيد قياديين في تنظيم القاعدة بهدف اغتيال معارضين بارزين، وفق مخطط نسقته عام 2003.
بدوره كشف “البندر” في شهادته أن الديوان الملكي البحريني “موَّل قيام جماعات وأجهزة رديفة داخل الدولة بهدف العبث بالمشهد السياسي والتحشيد الطائفي السُّنّي في وجه المعارضين الشيعة”.
وأوضح أنه تم إنشاء جهاز سري مهمته “إعداد أجهزة رديفة لمؤسسات المجتمع المدني، ومؤسسات تعمل على الانتخابات، وإعداد مخطط هيكلي لعزل الشيعة عن السُّنة بالكامل”، مشدداً على أن التمويل كان من الديوان الملكي نفسه.
واستعرض التحقيق شهادات حية وتسجيلات تعود لعام 2011، تفضح العلاقة السرية بين المخابرات البحرينية وقيادات في “القاعدة” لاستهداف رموز المعارضة وشيطنتها، وتنفيذ أجندة سياسية داخلياً وخارجياً، بتوجيه من ملك البحرين مباشرة.
المصدر / الرقت