اقتصاد السعودية في خطر.. الاحتياطي يتآكل والديون لا حصر لها
يمرّ اقتصاد السعودية بأسوأ مراحله التاريخية نتيجة مجموعة كبيرة من العوامل التي ساهمت في تفاقم الأزمة الاقتصادية خلال السنوات الخمس الماضية والتي تنمّ عن سوء إدارة وتدبير من السلطات، يدفع ثمنها بكل تأكيد الشعب السعودي الذي يتعرّض لضغوط كبيرة من قبل الحكومة بعد تقليص الرواتب وزيادة الضرائب لتعويض العجز في الميزانية، ومع ذلك لم تتمكن الرياض من حل مشكلاتها الاقتصادية بهذه الطريقة لتتجه نحو الأجانب المقيمين في السعودية لتفرض عليهم مزيداً من الضرائب والضغوط لتكون النتيجة فرار هؤلاء من السعودية لتصل أعداد الأجانب الذين تركوا السعودية إلى ما يقارب المليوني أجنبي.
الأزمة الاقتصادية أثّرت بشكل مباشر على الاحتياط النقدي للسعودية، إذ خسرت السعودية أكثر من 225 مليار دولار خلال أقل 5 سنوات بحسب البيانات الرسمية التي نشرها موقع “العربي الجديد”، وكان صندوق النقد الدولي في السابق قد حذّر السعودية من هذه النتيجة التي يبدو أنه لا مفرّ منها.
اليوم السعودية بدأت بالاقتراض بسبب التآكل السريع للاحتياطي النقدي، على خلفية الضغوط المالية المتزايدة والإنفاق المرتفع، ناهيك عن النزيف الذي تسبّبه “أزمة اليمن” والابتزاز الترامبي المتزايد للسعودية ورضوخ الرياض لكل ما يطلبه منها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب.
وخلال الأسبوع الماضي انتشرت بيانات حكومية أفادت بأن اقتصاد السعودية شهد تباطؤاً حادّاً في الربع الثاني من العام، وسط خفض إنتاج أكبر بلد مصدّر للنفط في العالم، ما يثير المخاوف من انكماش اقتصادي هذا العام، ونما الاقتصاد 0.5 بالمئة في الربع الثاني مقارنة به قبل عام، انخفاضاً من نمو سنوي بلغ 1.66 بالمئة في الربع الأول من 2019.
وقالت مونيكا مالك، كبيرة الاقتصاديين لدى بنك أبوظبي التجاري، التي تتوقع انكماش اقتصاد السعودية 0.1 بالمئة في العام الحالي: “تباطؤ رقم النمو العام للناتج المحلي الإجمالي الحقيقي أمر متوقع، مع انكماش قطاع النفط، في الوقت الذي تقيّد فيه السعودية إنتاج الخام لدعم الأسعار”.
وتوقع مختصون أن تضطر السعودية إلى خفض تقديراتها للنمو الاقتصادي المتوقع، بفعل تداعيات انخفاض إنتاج النفط وتراجع أسعاره على النشاط الاقتصادي.
وكان البنك المركزي السعودي توقّع أن يبلغ النمو الاقتصادي 2% على الأقل هذا العام، غير أن الاقتصاديين يتوقعون الآن نمواً هامشياً في أفضل الأحوال أو انكماشاً بسيطاً سيعدّ الانكماش الثاني للاقتصاد السعودي خلال عامين.
وقال ويليام جاكسون كبير خبراء الاقتصاد للأسواق الناشئة لدى مؤسسة “كابيتال إيكونوميكس”: “قدر كبير من هذا الضعف يرجع إلى أثر تخفيضات إنتاج النفط، التي ستمثل عبئاً كبيراً على نمو الناتج المحلي الإجمالي في 2019″، وتوقّعت “كابيتال إيكونوميكس” أن يبلغ النمو 0.3% هذا العام.
أسباب تراجع الاقتصاد
أولاً: استنزفت حرب اليمن اقتصاد السعودية بشكل لا يوصف، خاصة وأن هذه الحرب بدأت دون أي خطة أو هدف، بالإضافة إلى تعاظم قوة “أنصار الله” عاماً بعد عام لدرجة أن مركز اقتصاد السعودية أصبح هدفاً سهلاً لجماعة “أنصار الله”، وأكثر ما أرعب السعودية هو الهجوم الأخير الذي استهداف منشآتي النفط منتصف الشهر الماضي، حيث سبّبت هذه الضربات انخفاض إنتاج السعودية إلى النصف وهذا يعدّ مؤشراً خطيراً لاقتصاد البلاد الذي يعتمد بشكل أساسي على النفط.
وبالنسبة لتكاليف الحرب ذكرت تقديرات تشير إلى أن السعودية قد تنفق نحو 175 مليون دولار شهرياً على الضربات الجوية باستخدام مئة طائرة، كما أشارت إلى أن الحملة الجوية التي قد تستمر أكثر من خمسة أشهر ربما ستكلّف الرياض أكثر من مليار دولار.
وحسب تقارير سعودية، فإن تكلفة الطائرات المشاركة بالحرب تصل إلى نحو 230 مليون دولار شهرياً، تشمل التشغيل والذخائر والصيانة، أي أكثر من ثمانية مليارات دولار في ثلاث سنوات فقط.
وذكرت تقديرات تشير إلى أن السعودية قد تنفق نحو 175 مليون دولار شهرياً على الضربات الجوية باستخدام مئة طائرة، كما أشارت إلى أن الحملة الجوية التي قد تستمر أكثر من خمسة أشهر ربما ستكلف الرياض أكثر من مليار دولار.
وفي استعراض سريع للبيانات التي تُظهر تأثّر اقتصاد السعودية بالحرب، نجد أن السعودية رفعت قيمة إنفاقها العسكري في العام 2015 إلى 82.2 مليار دولار، بعد أن كان قد بلغ في 2013، 59.6 مليار دولار فقط.
ثانياً: رغم حديث السعودية المتواصل عن مكافحة الفساد وإطلاقها حملات من أجل ذلك، كان أشهرها ما حدث قبل نحو عامين، عندما اعتقلت العشرات من رجال الأعمال والأمراء، بدعوى محاربة الفساد، إلا أن كثيراً من التقارير والمؤشرات تتحدث عن غرق السعودية بمستنقع من الفساد، وسوء إدارة، وإهدار الأموال العامة.
ولعلّ أحد أهم أسباب تراجع الاقتصاد السعودي وفقدانه مليارات الدولارات، خلال السنوات القليلة الماضية، هو الفساد المستفحل في السعودية وإهدار الأموال العامة، خاصة من قبل ولي العهد محمد بن سلمان، كما يقول مراقبون.
ثالثاً: هروب الأجانب والمستثمرين، إذ أظهرت بيانات رسمية أن ما يقرب من 1.9 مليون عامل أجنبي في القطاع الخاص غادروا السعودية منذ بداية عام 2017، في مؤشر على تنامي الضغوط المعيشية والصعوبات الكبيرة التي تواجهها أغلب الشركات في السعودية.
وآخر الإحصائيات تقول إن نحو 180 ألف عامل غادروا السعودية خلال الربع الأول من العام الحالي، بعد أن رحل نحو 1.79 مليون شخص خلال عامي 2017 و2018.
وتفرض السعودية على الوافدين ضرائب ورسوم وصلت إلى 29 مليار ريال العام الماضي، وفق بيانات صندوق النقد، مؤكداً أن لهذه الرسوم أغراضاً مختلفة، وقد تتعارض في بعض الحالات مع أهداف التنمية الاقتصادية.
ووفق صندوق النقد، ينبغي خلق المزيد من فرص العمل في القطاع الخاص، ولا سيما أن هناك حاجة إلى توفير ما يصل إلى مليون وظيفة على مدى الخمس سنوات المقبلة، وعملياً لا يمكن استيعاب هذا العدد في القطاع الحكومي، فإضافة مليون وظيفة حكومية بمتوسط الأجر الحكومي الحالي للسعوديين (حوالي 11 ألف ريال شهرياً) سيرفع فاتورة الأجور بنسبة 5.4 في المئة من إجمالي الناتج المحلي، بينما يدعو الصندوق إلى تقليص كتلة الأجور وخفضها.
وشدد الصندوق على ضرورة تنويع الاقتصاد، فعند اعتماد النشاط الاقتصادي والصادرات والإيرادات بشكل كبير على النفط، يمكن أن يكون للصدمات التي تتعرّض لها أسواق النفط أثر كبير على الاقتصاد، لافتاً إلى أنه قد ينخفض الطلب العالمي على النفط قبل نفاد الاحتياطيات الكبيرة لدى السعودية، وقد يصبح استخدام مصادر الطاقة البديلة ممكناً في وقت أقرب مما هو متوقع.
وأشار إلى أنه حتى إذا تم زيادة الأصول المالية لصندوق الاستثمارات العامة من مستواها الحالي البالغ 300 مليار دولار إلى حجم مماثل لأكبر صناديق الثروة السيادية في العالم حالياً وقدره تريليون دولار تقريباً، فإن العائدات المالية لن تكون بمفردها بديلاً كافياً للدخل في عالم ما بعد النفط.
المصدر/ الوقت