ما هو مصير الاحتجاجات العراقية عقب إعلان “عبد المهدي” ثلاث حزم إصلاحية ؟
إن قصة الاحتجاجات في العراق تعتبر قصة من قصص ألف ليلة وليلة وذلك لأن التطورات الميدانية الأخيرة في هذا البلد تؤكد بأن تلك الاحتجاجات لن تنتهي في العاجل القريب.
يذكر أن تلك الاحتجاجات تكرر نفسها في دورة منتظمة وفي أوقات مختلفة، وحول هذا السياق، كشفت العديد من المصادر الإخبارية بأنه خلال الآونة الأخيرة تجمّع عدد من الشباب العاطلين عن العمل في الأول من أكتوبر 2019 في ميدان التحرير للاحتجاج على البطالة والفساد السائد في المجتمع السياسي العراقي، الأمر الذي أدّى لخروج احتجاجات عارمة في بغداد وغيرها من المدن العراقية. ولكبح جماح هذه الاحتجاجات عقدت الرئاسات العراقية الثلاث العديد من الاجتماعات لإيجاد حلول جذرية لمطالب المتظاهرين وبالفعل أعلنت الحكومة العراقية خلال الفترة الماضية عن ثلاث حزم إصلاحية، ولكن السؤال الذي يطرح نفسه هنا هل هذه الحزم الإصلاحية ستكفي لتلبية جميع مطالب الشارع العراقي؟
الحزمة الأولى من الإصلاحات العراقية
أفادت العديد من المصادر الإخبارية ووسائل الإعلام العراقية بأن خمسين شخصاً من ممثلي المتظاهرين اجتمعوا بعدد من القيادات العليا العراقية وقدّموا لهم مسودة تتضمن جميع مطالبهم وبعد ذلك اجتمع قادة الرئاسات الثلاث العراقية وأصدروا الحزمة الأولى من الإصلاحات والقرارات في الجلسة الاستثنائية التي دعا إليها رئيس مجلس الوزراء “عادل عبد المهدي” ومن تلك الإصلاحات قرّر مجلس الوزراء العراقي فتح باب التقديم على الأراضي السكنية المخصصة لذوي الدخل المحدود والفئات الأخرى بحسب قرار مجلس الوزراء الخاص بذلك، وفي المحافظات كافة، واستكمال توزيع سبعة عشر ألف قطعة سكنية للمستحقين من ذوي الدخل المحدود في محافظة البصرة وخلال فترة زمنية لا تتجاوز أربعة أسابيع، وإعداد وتنفيذ برنامج وطني للإسكان يشمل بناء مئة ألف وحدة سكنية موزّعة على المحافظات، ومنح الأولوية للمحافظات والمناطق الأكثر فقراً.
كما تقرر أن يتولّى المحافظون كافة تشكيل لجان لفرز أسماء العوائل الأكثر حاجة في محافظاتهم، من فئة المشمولين بشبكة الرعاية الاجتماعية، من أجل شمولهم بتوزيع الأراضي السكنية، ورفع الأسماء إلى الأمانة العامة لمجلس الوزراء خلال مدة أسبوعين، وأن تتولى وزارة المالية تعزيز رصيد صندوق الإسكان من أجل زيادة عدد المقترضين وتمكينهم من بناء الوحدات السكنية على قطع الأراضي التي ستوزّع على المواطنين وتضمين ذلك في موازنة 2020 وتكون القروض معفاة من الفوائد وفقاً لقانون الصندوق. وتقرر أيضاً منح مئة وخمسين ألف شخص من العاطلين ممن لا يملكون القدرة على العمل منحة شهرية قدرها مئة وخمسة وسبعين ألف دينار لكل شخص ولمدة ثلاثة أشهر، بمبلغ كلي قدره ثمانية وسبعين ملياراً ونصف المليار دينار من أجل تأهيلهم، وتشغيل من يجتاز منهم الدورات التدريبية بنجاح في الشركات الاستثمارية العاملة في العراق، وإنشاء مجمّعات تسويقية حديثة في مناطق تجارية في بغداد والمحافظات العراقية المختلفة
الحزمة الثانية من الإصلاحات العراقية
أعربت العديد من المصادر الإخبارية، بأنه مع استمرار الاحتجاجات في العديد من المدن العراقية أصدر مجلس الوزراء في جلسته التي عقدت في 15 اكتوبر الماضي، برئاسة رئيس مجلس الوزراء “عادل عبد المهدي” الحزمة الثانية من الإصلاحات والإجراءات العاجلة تلبية لمطالب المتظاهرين، وبينما شدد “عبد المهدي” خلال ذلك الاجتماع، على ضرورة بسط الأمن والاستقرار واحترام القانون والنظام بعد عودة الحياة إلى طبيعتها في البلاد وتمكين الأجهزة الحكومية من القيام بواجباتها، بحث مع رئيس مجلس النواب “محمد الحلبوسي” جهود الاستجابة لمطالب المتظاهرين وحزمة الإصلاحات، مؤكداً أن المرجعية الدينية والعشائر العراقية ركنان أساسيان في جميع الأحداث التي مرّت في تأريخ البلاد.
ولقد تضمّنت الحزمة الثانية من الإصلاحات تشكيل اللجنة العليا لتوزيع الأراضي السكنية وتضمين مشروع قانون الموازنة لعام 2020 وتجميد العمل بالقوانين والتعليمات النافذة التي تمنح الحق بتسلم الشخص أكثر من راتب أو تقاعد أو منحة وتخييره بتسلّم أحدها، وتقرر أيضاً أن تتولى وزارة الكهرباء توزيع منظومات طاقة شمسية متكاملة بين 3000 عائلة فقيرة مجاناً وبتخصيص إجمالي قدره 15 مليار دينار، ولغرض توفير عدد كبير من فرص العمل للشباب العاطلين عن العمل تقرر قيام وزارة التجارة بتبسيط إجراءات تسجيل الشركات الصغيرة للشباب للفئة العمرية 18-35 سنة وإعفائهم من الأجور المستحدثة لغرض توفير فرص عمل لهذه الفئة، وأن تتولى وزارة الكهرباء تشغيل الشباب العاطلين عن العمل من الفئة العمرية 18-35 سنة بالعمل كجباة لأجور الكهرباء وحسب مناطق سكناهم وفقاً للفواتير التي تصدرها الوزارة، من خلال الاستمارات التشغيلية وبحوافز بنسبة 5 بالمئة من قيمة المبالغ المجباة يومياً على أن يتم تدريبهم ومنحهم أجر عمل يومي قدره خمسة آلاف دينار للثلاثة أشهر الأولى ابتداءً من المباشرة في التدريب.
الحزمة الثالثة من الإصلاحات العراقية
كشفت العديد من المصادر الإخبارية، بأن الحكومة العراقية أصدرت حزمة جديدة من الإصلاحات هي الثالثة في أقل من شهر، استجابة لاحتجاجات ضد الفساد والبطالة وسوء الخدمات، وتأتي الحزمة الجديدة قبيل احتجاجات شعبية مرتقبة يوم الجمعة المقبل.
وذكر بيان صادر عن الحكومة العراقية أن حزمة الإصلاحات الجديدة تتضمّن تدريب العاطلين عن العمل من قبل وزارة الكهرباء ومنحهم إعانات مالية تمهيداً لتوظيفهم في مؤسسات الدولة أو مساعدتهم على إقامة مشاريع صغيرة، كما قررت الحكومة تكليف هيئة التقاعد بإعداد مشروع لتخفيض سن التقاعد في الوظائف العامة من أجل توفير شواغر تكون كفيلة بتوظيف المزيد من العاطلين الشباب، وتشمل حزمة الإصلاحات أيضاً تخفيض الضرائب على أصحاب المهن من ذوي الدخل المحدود وأصحاب الصناعات البسيطة، بما في ذلك إلغاء ضريبة الدخل على هؤلاء بشكل كامل، كما قررت الحكومة أن يتولّى مكتب رئيس الوزراء تلقي شكاوى السكان للوقوف عليها تمهيداً لحلها، وهذه ثالث حزمة من نوعها خلال أقل من شهر، حيث صدرت تباعاً تلبية لمطالب احتجاجات شعبية عارمة شهدتها البلاد مطلع الشهر الحالي واستمرت أسبوعاً.
هل سيكون لحزم الإصلاحات أثر على المتظاهرين؟
بالنظر إلى حزم الإصلاحات الثلاث التي أعلن عنها رئيس الوزراء العراقي “عادل عبد المهدي”، يمكن الإشارة إلى عدد من القضايا المهمة وهي كالتالي:
1. إن مستوى توقعات المحتجين الذين خرجوا للمطالب بمكافحة الفساد المنتشر في العديد من الوزارات العراقية وتطبيق العدالة الاجتماعية، مرتفع لدرجة أنه على الرغم من أن تلك الحزم الإصلاحية التي أعلن عنها “عبد المهدي” جيدة ورائعة، إلا أن المتظاهرين يشككون في قدرة تلك الإصلاحات على تلبية مطالبهم.
2. على الرغم من اتحاد قادة الرئاسات الثلاث العراقية، إلا أن الدعم الذي قدمه السيد “مقتدى الصدر”، قد أفشل جميع الجهود التي بذلتها الحكومية العراقية خلال الأيام الماضية لإرضاء المتظاهرين.
3. على المدى القريب، أو بعبارة أخرى لا يمكن التوقع من المتظاهرين الرجوع إلى بيوتهم حتى تصبح حزم الإصلاحات التي أعلنت عنها حكومة “عادل عبد المهدي” نافذة المفعول، وإلا فإنه من المرجّح أن يستمر المتظاهرون في احتجاجاتهم.
4- يفتقر “عادل عبد المهدي” إلى دعم السياسيين العراقيين لتهدئة الأوضاع في البلاد، كما أنه لا يتلقّى الدعم من أي حركة سياسية داخل البرلمان العراقي، والأسوأ من ذلك أن هناك بعض التيارات السياسية ترفض أن تقدّم الدعم لـ”عبد المهدي” وذلك لأنها تريد أن تستمر الاحتجاجات.
المصدر / الوقت