ماذا وراء انسحاب القوات السودانية من اليمن؟
لايزال ملف الوجود السوداني في اليمن غامضاً وغير واضح المعالم على اعتبار أن قرار الانسحاب من حرب اليمن تكرر عدة مرات منذ أيام الرئيس المخلوع عمر البشير ولا يزال يتردد صدى هذا الموضوع بعد سقوط البشير، خاصة وأن الأمر مرتبط بالوجود السعودي والإماراتي هناك، وبالتالي فإن تعقيدات هذا الوجود ترخي بظلالها على موقف السودان من وجود قواتها هناك، لأن الموضوع مرتبط بثلاث جهات وهي “الوضع الداخلي وموقف الشعب، والإمارات، والسعودية”.
حالياً ينتشر خبر مفاده أن نائب رئيس المجلس السيادي الانتقالي السوداني، محمد حمدان دقلو، أعطى أوامر بسحب 10 آلاف من القوات السودانية في اليمن، بحسب وسائل إعلام سودانية.
ونقلت صحيفة “السودان اليوم” عن مصادر مطلعة قولها إن دقلو كشف عن ذلك في اجتماع ثلاثي شهد حضور ممثلي مجلسي السيادي والوزراء وقوى الحرية والتغيير، بالقصر الرئاسي.
وأشارت المصادر إلى أن دقلو، أكد أنه لن يتم إرسال قوات بديلة عن القوة المنسحبة، قائلاً: “الانسحاب التدريجي للقوات السودانية من اليمن قد بدأ فعلياً”، وفقاً لما نقلته صحيفة التيار أيضاً.
كلام دقلو بعدم إرسال قوات بديلة يعدّ تطورّاً مهمّاً في الحرب اليمينة، لأن قوات الدعم السريع كانت تقوم باستبدال جنودها كل ثلاثة إلى ستة أشهر، وهي تنتشر داخل اليمن وتقاتل تحت إمرة قيادتها المباشرة والقيادة الإماراتية في الوقت نفسه.
وبما أنها مرتبطة من حيث التنظيم وتتلقى أوامرها من الجانب الإماراتي، فلا بدّ وأن انسحاب الإمارات من عدن له علاقة مباشرة بهذا الموضوع لأن انسحاب قوات الدعم السريع تزامنت مع الانسحاب الإماراتي من هناك، وقالت الإمارات الأربعاء الماضي إن قواتها العاملة في عدن عادت إلى أرض الوطن بعد “تحرير (المدينة) وتأمينها وتسليمها للقوات السعودية”.
وجاء في بيان نشرته الوكالة الرسمية أن الإمارات ستواصل حربها على “التنظيمات الإرهابية” في المحافظات اليمنية الجنوبية الأخرى.
انسحاب الجنود الإماراتيين والسودانيين من حرب اليمن في هذا التوقيت، يفتح الباب على مصراعيه أمام مجموعة من التساؤلات، منها عن توقيت هذا الانسحاب، وما هو دور السعودية بهذا، وهل ما يجري هو خطة سعودية أم إماراتية، ومن يريد أن يبيّض صفحته منهما، وهل السعودية تريد أن تسرق انتصاراً مجانياً وتقول إنها لا تزال موجودة وقوية في الحرب اليمينة بعد الفشل الذريع الذي مُنيت به خلال سنوات الحرب، أم هو نوع من التمهيد للجلوس إلى طاولة الحوار مع بقية الأفرقاء في اليمن والاتفاق على مسوغات المرحلة القادمة؟.
الوجود السوداني والرشاوى السعودية والإماراتية
شاركت السودان في حرب اليمن التي تقودها السعودية والإمارات منذ آذار 2015، ولم يعلن عن عدد قواته المشاركة في الحرب، وقيل في إحدى المرات أن عدد القوات وصل إلى 30 ألف مقاتل، والسؤال إذا انسحب 10 آلاف، فالبقية أين، وهل ما يجري هو محاولة من السعودية والسودان لامتصاص غضب الشارع السوداني وإيصال فكرة للغرب بأن السعودية تريد أن تنهي هذه الحرب رويداً رويداً؟.
قد يكون ما تقوم به السودان هو أمر تكتيكي وليس استراتيجي، فقبل أشهر قليلة من الآن قالت مصادر إن وزارة الخارجية السودانية عممت منشوراً لكل سفارات السودان في الخارج بشأن موقف السودان من حرب اليمن.
ووفقاً للمصادر التي تحدثت إلى صحفية “آخر لحظة” الورقية، فإن المنشور يقضي بتغيير موقف الحكومة بشأن مشاركة القوات السودانية في حرب اليمن من موقف استراتيجي إلى تكتيكي.
وأشارت إلى أن الأمر تم بناءً على دراسة عكف عليها دبلوماسيون، وتم رفعها لقيادة الوزارة، ومنها تم تعميمها على السفارات، واعتبرت المصادر الخطوة “تطورّاً مفاجئاً في موقف السودان من حرب اليمن الدائرة منذ عدة سنوات”.
وتوصف الاستراتيجية بأنها أكثر شمولية ولها نطاق وتغطية أوسع، أما التكتيكات فهي محدودة في نطاقها وتغطيتها، كما تعرف بأنها الخطة الشاملة للوصول إلى الهدف النهائي في حين أن التكتيك هو خطة جزئية لتحقيق هدف جزئي.
الرشاوي
في السابق نفى قائد قوات الدعم السريع المشاركة في التحالف، حميدتي، تَلقِّيه مَبالغ شَخصيّة مُقابل بقاء الجنود في اليمن”، قبل أن يقر الرئيس السوداني المطاح به عمر البشير، باستلامه الثمن.
واعترف البشير، في أولى جلسات محاكمته، بأن الأموال الكبيرة التي عثر عليها في منزله، تسلمها بصورة شخصية كهدايا من رئيس الإمارات خليفة بن زايد عبر ولي عهده، وولي العهد السعودي محمد بن سلمان.
تأتي هذه الاعترافات لتؤكد بشكل قاطع اتهامات المعارضة السودانية بأن البشير قام ببيع أبناء الجيش السوداني للعمل كمقاتلين مرتزقة، لمصلحة تحالف العدوان السعودي الإماراتي في اليمن، لا قيمة لدمائهم وأرواحهم.
وأقر حميدتي في تصريحاته بخسائر السودان من المشاركة في العدوان على اليمن، وقال: “كقائد لقوات الدعم السريع يُعتبر من أكثر الخاسرين من وجود القُوّات في اليمن لأنّه يفقد أبناءً أعزاء وشباباً للمُستقبل”.
وأعلن حميدتي مطلع العام الميلادي الحالي أن “خسائر القوات السودانية في اليمن بلغت 800 قتيل وجريح حتى نهاية 2018م”. بينما تؤكد مصادر سودانية أن “عدد قتلى وجرحى القوات السودانية في اليمن أكبر بكثير”.
وتشير احصاءات الجيش اليمني واللجان الشعبية أن “عدد قتلى وجرحى مرتزقة السودان بالآلاف”، الأمر الذي ظل يصعّد من الضغوط الشعبية ومطالبات قوى المعارضة السياسية السودانية المتواصلة بسحب القوات السودانية.
لكن السعودية والإمارات سارعتا إلى احتواء هذه المطالب الشعبية والسياسية بإعلان “دعمهما الكامل” للمجلس العسكري السوداني وما اعتبر “شراءً لولائه” عبر تقديمهما “3 مليارات دولار مساعدات لاقتصاد السودان وشعبه”.
ووفقاً لوزيرة الخارجية في الحكومة السودانية الجديدة، فإن الأخيرة عازمة على تصحيح أخطاء البشير، ومن ذلك “تصدّر إزالة اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب أهم ملفات الخارجية السودانية خلال الفترة المقبلة”.
الوجود العسكري السوداني في اليمن، كان قد قوبل بانتقادات داخلية، حتى أن نواباً شنّوا في أوقات سابقة هجوماً على الحكومة السودانية وطالبوا بسحب الجيش والدعم السريع من اليمن، إلا أن الرئيس المخلوع عمر البشير لم يأبه بتلك الأصوات وقرر إبقاء الجيش في اليمن، وكان من أبرز تلك الأصوات القيادي في حركة “الإصلاح الآن” حسن رزق، الذي ما زال متمسكاً بموقفه، وقال لـ”العربي الجديد” إن انسحاب الجيش والدعم السريع من اليمن بات أمراً ملحّاً لا سيما بعد انسحاب القوات الإماراتية.
وأضاف: “إذا لم يكن الانسحاب كلياً يجب أن يتم سحب قواتنا من مناطق القتال إلى تأمين المرافق الحكومية”، متابعاً “إذا أرادت السعودية بناء علاقات إيجابية مع السودان، عليها ألّا تشترط مشاركتنا في حرب اليمن، وهي تقيم علاقات مع دول لم تشارك في هذه الحرب مثل مصر”.
مهام الجيش السوداني في اليمن
يقوم الجيش السوداني في اليمن بمهام متعددة بخلاف مهمته الأساسية، وهي المهمة القتالية، إذ يتولى تأمين المقار الحكومية الرسمية.
وقال مصدر عسكري لـ”العربي الجديد” موجود في الحدود الجنوبية السعودية مع اليمن، إن لواء أو فرقة من الجيش السوداني تتواجد داخل اليمن وتتكوّن من أربعة آلاف جندي يقودها ضابط برتبة لواء، تقوم بتأمين المقار الحكومية مثل قاعدة العند، وكذلك تتواجد في القصور الرئاسية والمناطق الحساسة، كما أن هناك ضباطاً مهندسين يعملون في الساحل الغربي لمنطقة الحديدة.
أما بالنسبة لقوات الدعم السريع التي يقودها محمد حمدان دقلو (حميدتي)، فلديها مشاركة منفصلة في حرب اليمن، وبعيداً عن قيادة الجيش السوداني.
وبحسب المصدر العسكري الذي تحدث لـ”العربي الجديد”، فإن هذه القوات تعمل بطريقة مختلفة عن الجيش، إذ يقوم الأخير باستبدال قواته كل عام، بينما تقوم قوات الدعم السريع باستبدال جنودها كل ثلاثة إلى ستة أشهر، وهي تنتشر داخل اليمن وتقاتل تحت إمرة قيادتها المباشرة والقيادة الإماراتية في الوقت نفسه.
المصدر / الوقت