لماذا تقلص أمريكا قواتها غرب إفريقيا؟
وفقًا لتقرير صحيفة نيويورك تايمز، يخطط وزير الدفاع الأمريكي ضمن مشروع سحب 200 الف طن من وحدات القوات الأمريكية المتمركزة خارج البلاد, سحب الوحدات الامريكية المتمركزة في غرب إفريقيا. حيث ركزت أمريكا منذ عام 2002 على حضورها العسكري في منطقة غرب افريقيا تحت عنوان الحرب على الإرهاب، لكن القرار الأخير يمثل طفرة كبيرة في الاستراتيجية العسكرية الأمريكية.
قيادة إفريقيا
أحد قيادات البنتاغون الرئيسة هو القيادة الإفريقية (USAFRICOM) ومقرها مدينة شتوتغارت الألمانية وتغطي هذه القيادة 53 دولة. كما ان لأمريكا حوالي 6000 إلى 7000 جندي في إفريقيا، معظمهم يتركزون جنوب الصحراء الإفريقية والقرن الإفريقي. ووفقًا لتقرير حديث نشرته صحيفة نيويورك تايمز: “تخطط وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون) لمراجعة خطط القيادة الإفريقية للجيش الأمريكي لإجراء مراجعة شاملة لعملياتها الخارجية، والتي من المتوقع الإعلان عن قراراتها الأولى المتخذة بشأن البعثات الأمريكية في افريقيا في شهر يناير”. هناك أنباء مختلفة عن مشاورات البنتاغون مع الكونغرس حيث تشير بعض التقارير إلى أنه سيتم تقديم خطة تقليص القوات إلى الكونغرس في يناير وأن بعض القرارات الأخرى تتخذ ضمن هيكلية البنتاغون من دون عرضها على الكونغرس. وفي تقارير وسائل الاعلام الامريكية انه من بين الخطط التي يسعى وزير الدفاع الأمريكي مارك اسبر إلى تنفيذها هي التخلي عن قاعدة للطائرات من دون طيار في نيجيريا والتي كلف انشاؤها 110 ملايين دولار وإنهاء يد مد العون للقوات الفرنسية في مواجهتها ضد المسلحين في مالي ونيجريا وبوركينا فاسو.
الحافز الأمريكي
تكثف نشاط القوات الأمريكية في إفريقيا بعد هجمات 11 سبتمبر 2002. وبعد مراجعة الوضع العالمي للقوات الأمريكية في عام 2004 ، بدأ البنتاغون في إنشاء عدد من المواقع الأمنية المشتركة (CSLs) ومواقع التشغيل للتقدم الى الامام (FOSs) عبر القارة الأفريقية. حيث تشكل هذه المواقع، إلى جانب معسكر Lemmonier في جيبوتي أساس مرافق القيادة الإفريقية التابعة ل(USAFRICOM) في القارة ، حيث تركز هذه القوات بناءً على فرقة العمل المشتركة المعروفة باسم (Joint Task Force Aztec Silence) عملها على عمليات مكافحة الارهاب في مناطق شمال السنغال وجنوب موريتانيا ومالي وبوركينا فاسو، والسودان ونيجيريا وإريتريا وتشاد.
وفي عام 2007 ، وبموافقة مجلس الشيوخ ، تم تخصيص المزيد من الأموال لعمليات غرب أفريقيا. حيث أنفقت الولايات المتحدة بين عامي 2009 و 2013 مبلغ 288 مليون دولار على مكافحة الإرهاب في منطقة جانبي الصحراء. وفي عام 2014 ، أعلنت السفارة الأمريكية عن خطط لانشاء قاعدة طائرات بدون طيار في مدينة أغاديز في نيجيريا. وقد تم اختيار هذه المدينة بسبب قربها من التهديدات الإقليمية وتعقيد العمليات في أفريقيا بسبب النطاق الجغرافي الواسع لها، واستنادا إلى الوثائق المقدمة إلى الكونغرس، بلغت القيمة الأولية لتأسيس مدرج المطار والبنية التحتية في القاعدة الجديدة 50 مليون دولار وهذا بهدف استقرار القوات الامريكية بالقرب من القاعدة الجوية 201 للجيش النيجيري في جنوب أغاديز. وبلغت ميزانية بناء القاعدة بالكامل 110 ملايين دولار، وهي أكبر إنفاق أمريكي في أفريقيا.
الهدف الرئيس لعمليات هذه القاعدة هو محاربة المجموعات الإرهابية السبعة في القائمة الإرهابية لوزارة الخارجية الأمريكية والتي تتركز نشاطاتها في منطقة غرب إفريقيا. وتغطي العمليات الرئيسة للقاعدة تشاد ونيجيريا وليبيا. وبالإضافة إلى الطائرات الأمريكية من دون طيار، تدعم قاعدة أغاديز أيضًا القوات الفرنسية المتمركزة في نيجيريا في ضوء القضايا المذكورة أعلاه ضمن إستراتيجية امريكا العسكرية المقبلة التي تمتد لأربع سنوات، والتي تسعى إلى الحد من أو حتى وقف الاشتباكات مع الميليشيات، وزيادة التركيز على الصين وروسيا وتقوية الجيش الجوي.
تم التخطيط لهذه الإستراتيجية الجديدة منذ مجيء ترامب للرئاسة، حيث بلغت ميزانية USAFRICOM لعام 2018 479.5 مليون دولار ، وانخفضت في عام 2019 بنسبة -7.4 ٪ ليصبح المبلغ 472.1 مليون دولار. ولكن بعد عام 2019 ، انخفضت أيضًا ميزانية (USAFRICOM) بشكل غير مسبوق بنسبة بلغت 17.5 بالمائة لتصبح في عام 2020 454.6 مليون دولار. وفي المقابل ، خصص البنتاغون ميزانية أولية قدرها 70.5 مليون دولار لقيادة الفضاء الجديدة (USSPACECOM) .
تم تخفيض ميزانية جميع قيادات البنتاغون التي تغطي أجزاء مختلفة من العالم في عام 2020 ، لكنها زادت ميزانية القيادتين خارج أوروبا والمحيط الهادئ. حيث ارتفعت ميزانية القيادة الأوروبية (USEUCOM) بنسبة 83.4 في المئة لتصل إلى 320 مليون دولار بحلول عام 2020. اما الهدف من رفع ميزانية القيادة في أوروبا هو احتواء روسيا. وستكون الزيادة التالية في التمويل تخص ملف الهند والمحيط الهادئ، بزيادة ثلاثة في المئة لتصل إلى 247 مليون دولار بهدف التركيز على الصين. لذا فإن تخفيض عدد القوات العسكرية في إفريقيا لا يعني مغادرة القارة ، بل تغيير أولويات أمريكا. لأن الحرب ضد الإرهاب في غرب إفريقيا تهدف إلى مواجهة تصاعد حالة انعدام الأمن والهجرة إلى أوروبا التي لايراها ترامب في مصلحة أمريكا. ومن ناحية أخرى، تسعى أمريكا إلى الحد من القدرات الكلاسيكية لجيشها وتحديث معداتها. يوجد حاليا 17 مجموعة مسلحة في غرب إفريقيا، وأبرزها بوكا حرام. ومن المؤكد أن انخفاض القوات الامريكية غرب إفريقيا سيعزز أنشطة الجماعات الإرهابية ويعرض مصالح الدول الأوروبية والحكومات المركزية في غرب إفريقيا للخطر.
المصدر / الوقت