التحديث الاخير بتاريخ|الأحد, نوفمبر 17, 2024

خطة تشکيل حلف “ناتومي”.. الأهداف والتوقعات 

خلال رئاسة دونالد ترامب وبينما كانت وجهات نظر البيت الأبيض حول سياسات حلف شمال الأطلسي (الناتو) وطرق إدارته، موضوعًا مثيراً للتحدي في علاقات الدول الأعضاء في هذه المنظمة، أعلن ترامب مؤخراً أنه في اتصال هاتفي مع الأمين العام لحلف الناتو “ينس ستولتنبرغ”، قد اقترح تغيير اسم هذا الحلف بـ “ناتومي”.

وقال ترامب الخميس (9 يناير) عن أسباب اختيار هذه اللاحقة: “أعتقد أنه كان متحمسًا جدًا لهذا [الاقتراح]. لقد اخترت اسماً. الناتو بالإضافة إلى لفظة “مي”، المستمدة من كلمة (Nato Middle East (ناتو الشرق الأوسط). فليطلقوا عليه “ناتومي”. حسناً، اخترت أسماءً جيدةً. يا له من اسم جميل، ناتومي”.

مع ذلك، نظرًا لاستراتيجية ترامب العامة لسحب القوات الأمريكية من المنطقة، فضلاً عن زيادة التهديدات والتحديات الأمنية والعسكرية الأمريكية في الخليج الفارسي لدعم حلفائه، فإن السؤال الذي يطرح نفسه هو، ما هي أهداف البيت الأبيض من وراء هذا الاقتراح؟ وما هي الآفاق التي يمکن أن نتصورها له؟

1- الخروج من المستنقع السياسي في العراق

بعد الموافقة على مشروع قانون لترحيل القوات الأجنبية من العراق في البرلمان الأسبوع الماضي، اتخذ مسؤولو واشنطن إجراءات مكثفة لمنع حدوث ذلك بأي طريقة ممكنة، ليفرضوا في النهاية علی البرلمان والحكومة وحتى الشعب العراقي التراجع عن القرار.

وفي هذا السياق، هدد ترامب في الأيام الأخيرة الحكومة العراقية بأنه سيفرض عقوبات اقتصادية قاسية علی العراق إذا سعى لإغلاق القواعد الأمريكية، ولن يسمح لبغداد بالحصول على عوائد النفط.

هذه المواقف وتأکيد المسؤولين الأمريكيين الآخرين على تجاهل إرادة الشعب العراقي والحكومة لسحب قواتهم، سيحوِّلان أمريكا في الواقع من حليفٍ للعراق إلى محتل، الأمر الذي يمثل هزيمةً كبرى لهذا البلد بعد 16 عاماً من الوجود العسكري وإنفاق مليارات الدولارات وآلاف القتلى والجرحى.

وفي هذه الظروف، بالنظر إلى أن واشنطن لا ترى تغيير المعادلات السياسية في الحكومة والبرلمان العراقيين لمصلحتها على المدى القصير والمتوسط، فقد دعت إلى مشارکة حلف شمال الأطلسي في العراق للالتفاف علی قرار البرلمان، حتی تستطيع القوات الأمريكية البقاء على الأراضي العراقية في هيئة الناتو وتحت ستار التحالف الدولي.

2- إمكانية حدوث الفراغ بعد التوجُّه شرقاً

منذ سنوات، أدى صعود الصين السريع في القوة الاقتصادية والعسكرية في شرق آسيا، وجهودها لتوسيع حضورها في أماكن أخرى، إلى إثارة قلق واشنطن ونخبها السياسية بشأن تخلُّفها عن بكين في سباق القوی العالمية.

ولهذا السبب، اتبعت واشنطن منذ إدارة أوباما استراتيجية التحرك شرقًا وتقليص الوجود العسكري الأمريكي في غرب آسيا وشمال إفريقيا. وقد تم اعتماد هذا النهج في عهد ترامب أيضًا، عبر شعار إنهاء الحروب التي لا تنتهي في الشرق الأوسط والتركيز على الصين، رغم أن ذلك لم يحدث في الواقع، بل علی العکس من ذلك زاد عدد القوات الأمريكية في المنطقة، نتيجة سياسات البيت الأبيض المناهضة لإيران والمحببة للصهيونية.

مع ذلك، فإن ما يمكن استخلاصه من خطة تغيير تسمية الناتو، هو تمهيد أمريكا الأرضية لمغادرة المنطقة.

في الحقيقة، بالنظر إلى تجربة العراق وانتشار خطاب المقاومة الإسلامية في المنطقة، يخشى البيت الأبيض أنه إذا غادر المنطقة دون بديل متحالف، قد تستخدم الدول المتنافسة مثل إيران وروسيا والصين الفراغ الأمني الناتج عن ذلك، کفرصة لتوسيع نفوذها وتهديد المصالح الغربية بشكل خطير. لذا، يسعى ترامب إلى منع هذا الفراغ من خلال إشراك الناتو في تطورات المنطقة.

3- الناتو بدلاً من أمريكا

هدف أمريكا الآخر من الإجراء الرمزي في تغيير اسم الناتو، هو سياسة ترامب العامة المتمثلة في تقليل عبء الإنفاق المالي والعسكري الأمريکي في الناتو.

في حديثه للصحفيين في البيت الأبيض يوم الخميس الماضي، ادّعى ترامب أن أمريكا قمعت ميليشيات داعش وقتلت أبا بكر البغدادي زعيم داعش، وبهذا قدَّمت صنيعاً کبيراً لأوروبا.

وأضاف: “أعتقد أن الناتو يجب أن يتوسع، ويجب أن يشمل الشرق الأوسط ككل… في الوقت الحالي تقع المسؤولية علينا وهذا ليس عدلاً”.

ثم تطرق مرةً أخری إلی موضوع مساهمة أمريكا في الميزانية العسكرية لحلف الناتو، وقال للأطراف الأوروبية: “عليكم أن تدفعوا. لا نريد أن نكون أغبياء مثل الأعوام السابقة. لقد جمعنا حوالي 130 مليار دولار”.

في الواقع، يعتقد ترامب أن مصالح وتهديدات الدول الأوروبية في المنطقة أكبر من أمريكا، لذلك يجب على الناتو المشاركة بنشاط أکثر في تطورات المنطقة ودفع الثمن، للحفاظ علی المصالح الغربية.

التوقعات

خطط ترامب لإشراك حلف شمال الأطلسي في تطورات الشرق الأوسط بشکل أکبر، وبعبارة أخرى توسُّع الناتو نحو الشرق، وكذلك مواقفه الأخرى تجاه الناتو، ستزيد عملياً تحديات الحفاظ على تماسك الناتو في المستقبل.

وحالياً تؤكد بعض الدول الأوروبية مثل فرنسا على الحاجة إلى اتخاذ إجراءات للحصول على الاستقلال العسكري والأمني الأوروبي عن الناتو، بسبب الخلافات في هذه الكتلة العسكرية، وحتى وقت قريب استخدم إيمانويل ماكرون مصطلح “موت الناتو دماغياً”.

حتى أن المصالح المتفاوتة والمتضاربة في بعض الأحيان لبعض أعضاء الناتو في المنطقة، دفعت أوروبا بقيادة ألمانيا وفرنسا إلى اتخاذ إجراءات مستقلة عن الناتو لزيادة وجودها في المنطقة، وفي هذا السياق يمكن الإشارة إلى افتتاح التحالف البحري الأوروبي في الإمارات في نوفمبر 2019، والذي تشکل بمحاذاة التحالف البحري الأمريكي في الخليج الفارسي. وهو الإجراء الذي يعكس الفجوة بين جانبي المحيط الأطلسي في شؤون غرب آسيا.

كذلك يمكن ذكر الخلافات بين تركيا وأوروبا حول القضية السورية، حيث يهدد أردوغان باستمرار بفتح الأبواب أمام النازحين والإرهابيين لدخول القارة الخضراء، وفي المقابل سعت الدول الأوروبية إلى تعزيز التعاون العسكري مع حلفاء من خارج الناتو في المنطقة مثل الأردن، لتقليص دور وأهمية تركيا في الناتو.

کما لا ينبغي أن ننسى أيضًا أن أولويات أوروبا وأمريكا في مسألة تهديدات الناتو قد تعارضت بوضوح في عهد ترامب. فبينما تواصل أوروبا التركيز على روسيا باعتبارها التحدي الأهم الذي يواجهه حلف الناتو ثم أزمات الشرق الأوسط والإرهاب، وضعت أمريكا الصين في صدارة استراتيجيتها.

لذلك، يمكن القول بشکل عام إن خطة توسُّع الناتو نحو الشرق الأوسط لا تواجه آفاقاً واضحةً لتحقيقها، وذلك بالنظر إلى الخلافات والتحديات القائمة مثل خطة الناتو العربي.
المصدر / الوقت

طباعة الخبر طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق ارسال الخبر الى صديق

اضافة تعليق