لماذا تسعى أنقرة جاهدة للحفاظ على محور الإخوان شمال إفريقيا؟
استضافت العاصمة التركية خلال الايام القليلة الماضية عددا من المسؤولين والقادة التونسيين والليبيين، مما يشير إلى أن الرئيس التركي “رجب طيب أردوغان” لا يزال يسعى بنشاط كبير للعب دور مهم في منطقة شمال إفريقيا وفي هذا السياق، كشفت العديد من المصادر الاخبارية بأن “فايز السراج”، رئيس حكومة الوحدة الوطنية الليبية وصل إلى العاصمة التركية أنقرة يوم أمس الاحد في زيارة رسمية على رأس وفد رفيع المستوى، وهذه الزيارة تُعد الثانية من نوعها التي يقوم بها هذا المسؤول الليبي إلى تركيا في أقل من شهر. يذكر أن “السراج” كان قد زار العاصمة أنقرة في أواخر شهر ديسمبر الماضي لتوقيع اتفاقية مشتركة مع الرئيس التركي “أردوغان”، والتي بموجبها سعت أنقرة وطرابلس إلى فتح آفاق التعاون المشترك بينهما في منطقة البحر الابيض المتوسط.
وفي سياق متصل، ذكرت بعض المصادر الإخبارية بأنه قبل يوم واحد من زيارة “فايز السراج” لتركيا، التقى الرئيس التركي “رجب طيب أردوغان” برئيس البرلمان التونسي “راشد الغنوشي” في إسطنبول ويقال إن ذلك الاجتماع عقد وسط تكتم شديد وسري وفي هذا الصدد، ذهبت الكثير من الترجيحات إلى أن الغنوشي هرع إلى أردوغان لتلقي التعليمات لإخراج حركة النهضة من مأزق سقوط الحكومة، ولاستلام توجيهات المرحلة المقبلة، وللتنسيق حول الوضع في ليبيا بعد الصفعة التونسية برفض الرئيس قيس سعيد طلب تركيا السماح لقواتها بالعبور إلى ليبيا. الزيارة قوبلت بانتقادات شديدة من الأوساط السياسية والشعبية التي اعتبرت “الغنوشي” خائنا للمسؤولية الوطنية ولموقع رئاسة البرلمان ومنتهكا لاستقلالية السيادة الوطنية، وأن قرار حركة النهضة مرتبط بتوجيهات تركيا.
“اسطنبول” بدلاً من “أنقرة”
ذكرت العديد من المصادر الاخبارية بأن الرئيس التركي “أردوغان” استضاف خلال الايام القليلة الماضية عدداً من المسؤولين الليبيين والتونسيين في مدنية اسطنبول الساحلية بدلاً من العاصمة التركية “أنقرة” وهذا الامر أثار انتباه العديد من الخبراء السياسيين الذين تساءلوا لماذا قامت السلطات التركية بهذه الخطوة التي تبدو غريبة. صحيح أن مدينة “إسطنبول” كانت هي العاصمة التاريخية للدولة العثمانية، لكن عاصمة تركيا اليوم هي “أنقرة”، ولطالما استضاف الرئيس التركي “أردوغان” كان خلال السنوات الماضية العديد من المسؤولين السياسيين وقادة الدول في مدينة أنقرة التي تعتبر العاصمة السياسية للبلاد، لكن استضافت الرئيس “أردوغان” بكبار المسؤولين الليبيين والتونسيين في مدينة اسطنبول التي تعتبر المدينة التاريخية، والعاصمة القديمة للإمبراطورية العثمانية، حملت في طياتها العديد من الرسائل التي أراد “أردوغان” إيصالها إلى عدد من دول المنطقة.
“أردوغان” والتحركات الإخوانية في منطقة شمال إفريقيا
ذكرت العديد من المصادر الاخبارية بأن “فايز السراج”، رئيس حكومة الوحدة الوطنية الليبية، التي تسيطر فقط على الجزء الغربي من ليبيا ومقرها في طرابلس، قد تولى منصب رئيس حكومة الوحدة الوطنية المستقلة المدعومة من الأمم المتحدة في عام 2015 إبان سقوط الزعيم الليبي السابق “معمر القذافي”، ولكن النقطة المهمة هنا تتمثل في أن شريحة كبيرة من المؤيدين لـ”فايز السراج” هي جماعة إسلامية ومسلحة مرتبطة بجماعة الإخوان المسلمين في ليبيا وهنا تجدر الاشارة إلى أن الإمارات ومصر اللتين تقدمان الكثير من الدعم للقطب المعارض لـ”فايز السراج” في مناطق شرق ليبيا بقيادة اللواء “حفتر” قائد الجيش الوطني الليبي، تعارضان بشدة جماعة الإخوان المسلمين.
وفي سياق متصل لفتت تلك المصادر الاخبارية إلى أن جماعة الإخوان المسلمين تمكنت من تولي السلطة في عدد من البلدان الواقعة في منطقة شمال إفريقيا ولا سيما في ليبيا وتونس، حيث تمكن “راشد الغنوشي”، زعيم جماعة الإخوان المسلمين في حزب النهضة من الفوز برئاسة البرلمان التونسي في نوفمبر 2019 عقب حصوله على أغلبية الاصوات وبالطبع، تمكن حزب النهضة التونسي بالفوز بمنصب رئاسة الجمهورية عقب إندلاع ثورة الياسمين في عام 2010 والإطاحة بـ”بن علي” من كرسي الحكم ولهذا يرى العديد من الخبراء السياسيين بأن الإسلاميين الإخوان تمكنوا خلال الفترة الماضية من السيطرة على منطقة شمال إفريقيا وهذا الامر شجع الجانب التركي على المضي قدما وتوقيع العديد من الاتفاقيات مع تلك الدول الشمال إفريقية.
أهمية منطقة شمال إفريقيا لـ”أردوغان”
لقد نجحت الجماعات الإسلامية الموجودة حاليًا في تونس وفي أجزاء من ليبيا خلال الفترة الماضية من تولي العديد من المقاعد القيادية والحساسة في تلك البلدان. وعلى الرغم من أن الإسلاميين في تونس تمكنوا من الفوز برئاسة البرلمان، إلا أنهم في ليبيا اقتصرت سلطتهم على رئاسة حكومة الوفاق الوطنية بقيادة “فايز السراج” التي تسيطر على الجزء الغربي من البلاد ، وما تبقى من الاراضي الليبية لا تزال تحت سيطرة المعارض الشرس اللواء “حفتر” الذي يتلقى الكثير من الدعم المالي والعسكري من الإمارات، وروسيا ومصر.
ونظرا لكل ما سبق ذكره، فلقد وافق البرلمان التركي على ارسال العديد من الجنود الاتراك إلى ليبيا، وبالفعل وقع “فايز السراج” اتفاقية تعاون بحرية مع الرئيس “أردوغان” خلال زيارته السابقة إلى تركيا. وهنا تجدر الاشارة إلى أن الوجود العسكري التركي في منطقة شمال إفريقيا لن يصب أبداً في مصلحة تركيا وذلك لأن الاحزاب العلمانية تمكنت من الفوز بالسلطة في مصر والمغرب والسودان وهذه الاحزاب تعارض بشدة نشاط جماعة الإخوان المسلمين التي تتلقى الكثير من الدعم المالي والعسكري من تركيا ويعتبرونها أنها جماعة إرهابية ومن هذا المنطلق، ترى أنقرة أن تقوية الإسلاميين في تونس وليبيا هي الفرصة الوحيدة المتبقية لهم للسيطرة على منطقة شمال إفريقيا ولهذا فلقد قدمت الحكومة التركية الكثير من الدعم لتلك الجماعة، خاصة وأن جميع الخطط التركية التي نسجت خيوطها في العديد من بلدان المنطقة قد فشلت ولا سيما في سوريا وهكذا ومع فشل خطط “أردوغان” للإطاحة بالحكومة السورية في دمشق، يبذل هذا الرئيس التركي في وقتنا الحالي قصارى جهده للحفاظ على مكانته في تلك الدولتين المتبقيتين له في شمال إفريقيا.
المصدر / الوقت