التحديث الاخير بتاريخ|السبت, نوفمبر 16, 2024

مرحلة عضّ الأصابع بين واشنطن وموسكو في سوريا 

خيبات متتالية حظيت بها الإدارة الأمريكية خلال الأعوام السابقة في الشرق الأوسط على العموم وفي سوريا على الخصوص، وفشلها الأبرز ظهر بعد أن عجزت عن تحويل سوريا إلى “عراق ثاني” تصول وتجول فيه متى تريد وتنهب خيراته وتجوع شعبه، وبالطبع عجز واشنطن هذا مرتبط بعدة اعتبارات منها وقوف حلفاء دمشق إلى جانبها طوال سنوات الأزمة وقدرة الحكومة والجيش والشعب على التماسك إلى أقصى حد ممكن ومنع هؤلاء مجتمعين البلاد من ان تنهار وتصبح مفتوحة على جميع الاحتمالات.

اليوم أمريكا وبإدارتها الحالية وعلى رأسها الرئيس دونالد ترامب، تسعى لكسب نقاط جديدة من خلال “شيطنة الحكومة السورية” للمرة المئة بعد الألف، اذ نفذ صبر واشنطن ولم تعد تتحمل المزيد من الانكسارات في الشرق الاوسط، فهي تريد ان تسرق خيرات هذه البلاد دون أن يقف في وجهها أحد، إلا أن روسيا ومحور المقاومة ساهموا بشكل كبير في كسر شوكة أمريكا في العديد والعديد من المناسبات، ويكفيها صدمة أن الحكومة السورية تقترب جدا من السيطرة على كامل أراضي البلاد، وحينها لن يبقى امامها سوى اخراج أمريكا من شمال شرق البلاد، وهذا سبب جنون ترامب في المرحلة الحالية، فضلا عن كوننا نقترب جدا من موعد الانتخابات الأمريكية التي سيذهب اليها ترامب خالي الوفاض دون تحقيق اي هدف أو نصر واضح يمكن من خلاله جذب الناخبين، لذلك نجده هذه الايام يمارس ضغوطا كبيرة على دمشق وموسكو في آن واحد للرضوخ للشروط الأمريكية، وتتمثل هذه الضغوط بالتالي:

أولاً: استفزاز الحكومة السورية ومن خلفها روسيا ومحور المقاومة بأن واشنطن لن تنسحب من شمال شرق البلاد تحت اي ظرف، وبهذا هي تحقق امرين، الأول: قطع الطريق أمام توحد دول محور المقاومة عبر طريق طهران – بغداد – دمشق – بيروت، والثاني: منع الحكومة السورية من السيطرة على منابع النفط والثروات الاستراتيجية شرق الفرات.

ثانياً: تقديم نصائح لدول عربية بعدم البدء في أي عملية تطبيع سياسي ودبلوماسي ثنائي أو جماعي مع دمشق وعدم المساهمة في الإعمار والمشاريع الاقتصادية.

ثالثاً: دفع الدول الأوروبية إلى الحفاظ على وحدة موقفها القائم على ربط المساهمة في إعمار سوريا بتحقيق تقدم ذي صدقية في العملية السياسية، إضافة إلى عدم فتح سفارات أوروبية في دمشق.

رابعاً: فرض سلة جديدة من العقوبات الأميركية على دمشق، عبر البدء قريباً بتنفيذ “قانون قيصر” الذي أقره الكونغرس ووقع عليه الرئيس دونالد ترمب.

خامساً: تشجيع دول أوروبية على فرض حزمة جديدة من العقوبات الاقتصادية على رجال أعمال منخرطين في الإعمار، وقد جرى الاتفاق بين الدول الأوروبية على مسودة القائمة.

سادساً: تجميد مقاربة المبعوث الأممي القائمة على “خطوة مقابل خطوة”، أي استعداد دول أوروبية للإقدام على خطوات تتعلق بالتطبيع وتخفيف العقوبات، أو عدم فرضها في حال أقدمت دمشق على خطوات إيجابية بالعملية السياسية.

سابعاً: تشجيع المبعوث الأممي على البحث عن بوابات جديدة لتنفيذ القرار “2254” مثل العمل على توفير “البيئة المحايدة” وإطلاق معتقلين وسجناء.

ثامناً: تشجيع دول أوروبية على استضافة مؤتمر المانحين في بروكسل، بحيث تبقى هذه الدول تملك منبراً يتعلق بتمويل المساعدات الإنسانية والإمساك بملف اللاجئين. عملياً، استمرار الدول الغربية (أمريكا والأوروبية) في استخدام 3 أوراق للضغط، هي: العقوبات، والتطبيع – الشرعية، والإعمار.

تاسعاً: البحث عن وسائل للإفادة من الأزمة الاقتصادية في لبنان لحرمان دمشق من مصادر القطع الأجنبي لتوفير خفض إضافي في سعر صرف الليرة، الذي تجاوز أمس جدار الألف ليرة للدولار الأمريكي.

في مقابل هذا نجد موسكو تتبع نهجا جديدا يتمثل بـ”الصبر” المشروط، اذ أن روسيا ستبقى صابرة على أمريكا إلى حد معين، وزيارة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الاخيرة الى سوريا تؤكد أن موسكو مستعدة ان تفعل كل ما يلزم للحفاظ على وحدة وأمن وسلامة الجمهورية العربية السورية في ظل قيادة الرئيس السوري بشار الاسد، وبالتالي كان واضحا ان موسكو مستعدة للمضي قدما إلى اقصى درجة ممكنة لحماية سوريا وحماية مصالحها ايضا هناك ولن تتخلى عن القيام بأي أمر او فعل يضمن هذا الكلام.

الامر الأهم ان روسيا ليست رهن مواعيد الانتخابات والتغيير في النظام السياسي ولا هي أسير الأجندات المحلية. يتضمن الرهان الروسي أيضاً بروز تحديات في أوروبا جراء الهجرة والإرهاب وظهور أزمات جديدة تعطي فرصاً لها في الشرق الأوسط من جهة؛ وتراجع الاهتمام بالملف السوري من جهة ثانية، وتمكن السلطات السورية من استعادة السيطرة والقدرة في جغرافيا البلاد ومؤسساتها من جهة ثالثة. وفي هذا السياق، يمكن وضع إشارات الخطاب الرسمي الروسي عن زيارة الرئيس فلاديمير بوتين إلى دمشق؛ إذ إنه ركز على وجود “الأمن في دمشق وبينها وبين مطارها الدولي” وعلى استعادة “الدولة إمكاناتها”، إضافة إلى وجود “الاستقرار في البلاد”.

أيضاً؛ جاء تمسك الجانب الروسي بفرض شروطه في مجلس الأمن على الدول الغربية؛ بحيث ألغيت معابر حدودية مع الأردن والعراق لتسليم المساعدات الإنسانية إلى سوريا، والتمديد للقرار الدولي بالاكتفاء بمعبرين بين تركيا وشمال سوريا، في سياق مساعي موسكو لدفع الدول الغربية إلى العمل في دمشق والتطبيع معها من بوابة المساعدات الإنسانية، إضافة إلى استمرار رهان بوتين على العمل مع نظيره التركي رجب طيب إردوغان لتحقيق تفاهمات ومقايضات في سوريا مقابل تعزيز التعاون الثنائي الاستراتيجي وخلق تحديات إضافية لأوروبا وضغوطات على “الناتو”.
المصدر / الوقت

طباعة الخبر طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق ارسال الخبر الى صديق

اضافة تعليق