“الناتو” يغّير إتجاه بوصلته الإقليمية نحو الأردن؛ لماذا وما هي الأهداف التي يطمح لتحقيقها؟
إن المملكة الأردنية هي واحدة من الدول المدرجة على قائمة الحلفاء المقربين للولايات المتحدة في منطقة غرب آسيا وخلال السنوات الاخيرة عقد حلف شمال الاطلسي “الناتو” العديد من الاجتماعات المختلفة مع هذه المملكة الصغيرة وذلك من أجل تعزيز التعاون العسكري بينهما، بسبب قرب الأردن من مراكز الأزمات في المنطقة التي تم تحديدها في قائمة التهديدات والتحديات التي يواجهها هذا الحلف الشمال اطلسي، أشياء مثل الحرب في سوريا، وعدم الاستقرار في العراق، وتنامي خطر بعض الجماعات السلفية المتطرفة والمنظمات الإرهابية مثل “القاعدة” و”داعش” في منطقة غرب آسيا، وتواصل عمليات العنف والاضطرابات بين إسرائيل والفلسطينيين. كما أن الاردن لديها حدود مع مصر وسوريا والعراق والمملكة العربية السعودية والكيان الصهيوني والأراضي الفلسطينية وهذا الامر يجعلها جزءًا من الأزمة الجيوسياسية في منطقة الشرق الأوسط وبعبارة أخرى يمكن القول بأن المملكة الهاشمية تقع في قلب الصراعات الحالية التي تحدث في المنطقة.
وحول هذا السياق، كشفت بعض المصادر الاخبارية بأن هناك اتصالات خاصة خلف الستارة تجري بين الحكومة الاردنية وقيادة حلف الناتو وبعض الدول الاوروبية لدراسة برامج تعاون وثيقة اكثر مع الاردن مستقبلا ويبدو ان عدة دول اوروبية من بينها فرنسا والمانيا مهتمة جدا باقامة قواعد عسكرية داخل الاراضي الاردنية وتشمل دائرة الاهتمام اتصالات لإقامة غرف عمليات مشتركة وبرامج تدريب اضافة الى اقامة منشآت تسمح بوجود قوات تتبع حلف الناتو مستقبلا في الاردن .
التعاون بين الناتو والأردن
ازدادت الشراكات الاستراتيجية بين الناتو والأردن خلال العقود الماضية بشكل كبير، خاصة منذ التسعينيات وهذا يعكس ميل السياسة الخارجية للأردن إلى تقوية علاقاتها مع القوى الغربية والمؤسسات الدولية للنظام الليبرالي الجديد. وحول هذا السياق، كشفت العديد من التقارير أن حلف شمال الأطلسي “الناتو” أطلق في عام 2018، مشروعا جديدا لمساعدة الأردن على تعزيز قدراته على إدارة الأزمات، وقال الناتو في بيان نشره على موقعه الإلكتروني، إن “المشروع سيساعد المركز الوطني الأردني للأمن وإدارة الأزمات على تحقيق قدرة تشغيلية كاملة، كما سيعزز قدرة الأردن على الصمود الوطني واستمرارية الحكم وإدارة الأزمات.” وخلال مراسم توقيع المشروع، شدد كل من نائب رئيس المركز اللواء “عدنان العبادي” ونائب الأمين العام المساعد لحلف الناتو “جون مانزا”، على أهمية تعاون الناتو مع الأردن في جهوده الرامية إلى إضفاء الطابع المؤسساتي على قدراته الوطنية لإدارة الأزمات. وأضاف البيان أن “إطلاق هذا المشروع يشكل حجر الأساس لحزمة بناء القدرات الدفاعية بين الناتو والأردن وللشراكة الاستراتيجية بينهما”.
وفي سياق متصل أعلن حلف شمال الاطلسي “الناتو” في عام 2015، إن للأردن دوراً رائداً في الاستقرار الإقليمي ومحاربة الإرهاب والتطرف وجاءت هذه التصريحات خلال “اجتماعات العقبة”، التي عقدت لأكثر من مرة والتي أطلقها الملك “عبد الله الثاني”، لإدامة التنسيق وتعزيز التعاون بين مختلف الأطراف الإقليمية والدولية لمحاربة الإرهاب وفي عام 2017 وبحضور الأمين العام لمنظمة حلف شمال الأطلسي “الناتو”، “ينس ستولتنبرغ” جرى استعراض علاقات التعاون المشترك مع الأردن في المجالات العسكرية والتدريبية، إضافة إلى عدد من القضايا في منطقة الشرق الأوسط. وتناولت تلك الاجتماعات عملية السلام، حيث أكد ملك الأردن “ضرورة تكثيف الجهود لإنهاء الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، على أساس حل الدولتين، وبما يفضي إلى إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية”.
من ناحية أخرى، ذكرت بعض التقارير أن الأردن أيضًا كان محور اهتمام الحكومة الأمريكية خلال السنوات الماضية، حيث أعلنت الولايات المتحدة في عام 1996 أن الاردن يُعد “حليفًا مهمًا لواشنطن من غير حلف شمال الأطلسي” ولهذا فلقد قدمت واشنطن للاردن الكثير من المساعدات المالية والعسكرية خلال السنوات الماضية وذلك لتعزيز اعتمادها العسكري والاقتصادي على الغرب وفي هذا السياق، لفتت تلك التقارير إلى أن الولايات المتحدة وقعت مع الجانب الاردن العديد من الاتفاقيات الامنية والعسكرية خلال السنوات الماضية وقدمت لها الكثير من المساعدات العسكرية والمالية وفي عام 2018 وقعت الولايات المتحدة اتفاقية مع الحكومة الاردنية تعهدت فيها للملك الاردني بأنها سوف تقدم مساعدات مالية للاردن خلال السنوات من عام 2018 إلى عام 2022 مساعدات مالية تصل إلى حوالي 6.3 مليار دولار.
أسباب أهمية الأردن لحلف الناتو وأمريكا
من المؤكد أن السبب الأكثر أهمية الذي جعل الغرب يوجه انظاره نحو الأردن، هو بسبب التحديات التي قد يواجهها “الناتو” مع تركيا في المستقبل القريب والدور الذي قد يلعبه الأردن في الحد من تحدي الغرب في منطقة غرب آسيا الإستراتيجية. يذكر أن النزاعات بين أنقرة وحلف الناتو تعمقت في أعقاب نشوب الأزمة في سوريا والانقلاب الفاشل في يوليو 2016 في تركيا. وعقب فرض الكونجرس الامريكي الكثير من العقوبات الاقتصادي على تركيا قبل نحو شهرين، هددت أنقرة بإغلاق قاعدة “انجرليك” وهي قاعدة جوية كبيرة تقع على مشارف مدينة “أضنة” والتي كانت مكانًا استراتيجيًا لقوات الناتو العسكرية منذ عقود وكانت أيضا أهم قاعدة للقوات الجوية التابعة لحلف الناتو في منطقة الشرق الأوسط. وفي وقتنا الحالي يتساءل الخبراء عما إذا كان الغرب سيفقد تركيا حقًا بعد ارتفاع مستويات الخلافات المتبادلة بينهما، لا أحد يعلم. لكن الغرب يتساءل عما إذا كان “أردوغان” يقترب من روسيا، وحتى من الصين؟ ماذا لو تحسنت علاقات تركيا مع إيران؟ ماذا لو كانت أنقرة قد سئمت في النهاية من الإذلال لعقود خلف سور الاتحاد الأوروبي؟ وماذا سوف يحدث إذا لم تعد أنقرة ترغب في اتباع سياسات واشنطن في غرب آسيا؟ من المحتمل أن هذه الأسئلة تشكل كابوسًا لبروكسل وواشنطن.
وبالنظر إلى كل ذلك، أصبح القادة السياسيون الأردنيون يدركون تمامًا الأهمية المركزية والأهمية الجغرافية للأردن التي جعلت الدول الغربية تبذل الكثير من الجهود للتقرب من هذا البلد وبناء علاقات قوية ومتينة معه. يذكر أن مع برودة العلاقات الدبلوماسية والاقتصادية والسياسية بين الاردن ودول مجلس التعاون، قام الملك الاردني بإرسال إشارات لبعض دول المنطقة بأنه يريد أن يعزز علاقات بلاده مع تركيا وحتى مع إيران وهذا الامر يرجع إلى الضغوط الأمريكية التي مارسها البيت الابيض على الحكومة الاردنية للمضي قدما في صفقة القرن المشؤومة، وتصاعد الاحتجاجات الشعبية الواسعة في يونيو 2018 في عدد من المدن والمحافظات الاردنية وعدم التزام دول مجلس التعاون بتقديم المساعدات المالية والاقتصادية للبلاد وهذه الخطوة التي أعلن عنها الملك الاردني أثارت على الفور مخاوف دول مجلس التعاون، حيث تعهدت المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة والكويت بتقديم مزيد من المساعدات المالية والاقتصادية للمملكة الهاشمية، لكن هذه الإجراءات كانت أيضًا مؤقتة، ولهذا فلقد وجد “الناتو” أنه من الضروري الدخول إلى الساحة وبذل الكثير من الجهود لحفاظ على الأردن بعيداً عن بعض الدول التي لديها الكثير من المشاكل مع الغرب.
المصدر / الوقت