التحديث الاخير بتاريخ|الأحد, نوفمبر 17, 2024

واشنطن والحكومة اللبنانيّة: شروط أم إصلاحات؟ 

مع انفراج الأزمة الحكومية في لبنان وظهور العديد من المؤشرات التي تؤكد اقتراب ولادة الحكومة العتيدة، استبقت واشنطن الإعلان المحتمل للحكومة بإعلان سلسلة مواقف حملت عناوين “منمّقة”.

إن الإعلان الأمريكي عن هذه الشروط يؤكد وقوف واشنطن خلف عمليات التعطيل التي تطال لبنان، وبالتالي هي أحد أبرز المسؤولين عن تفاقم الاوضاع الاقتصاديّة، لذلك يحاولون قبل إعلان مرتقب لحكومة في بيروت أن يحذّروا رئيس الحكومة المقبل من أن واشنطن ستتعامل معه ومع حكومته على أساس لائحة الشروط هذه.

وبين الشروط الأمريكية التي استبقت الإعلان عن الحكومة، والانفراجات السياسية في المشهد الحكومي، لا بدّ من الإشارة إلى التالي:

أولاُ: تتحمّل واشنطن جزء كبير من الأزمة الاقتصادية التي تعصف بلبنان اليوم، فهي كانت شريكاً أساسياً لأغلب الأطراف المسؤولة عن الفسادة المستشري منذ تسعينيات القرن الماضي. لم تكتفِ واشنطن بالسكوت عن هؤلاء وتجيير مراكزهم لصالح أهداف الإدارة الأمريكية، بل عمدت إلى التهديد في حال إزاحتهم من مناصبهم وفي مقدّمتهم حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، ومحمد البعاصيري النائب الثاني لحاكم مصرف لبنان. هناك اعترافات لهؤلاء بالتعاون مع واشنطن وتزويدها بمعلومات الأمر الذي يعدّ جرماً يعاقب عليه القانون اللبناني، كانت واشنطن تهدد بفرض عقوبات في حال حصل ذلك. إن رياض سلامة هو أحد أعمدة الفساد والانهيار في لبنان، وأمريكا هي التي دعمته وأصرّت على بقاءه في هذا المنصب منذ تسعينيات القرن الماضي.

ثانياً: كانت استقالة الحريري بقرار أمريكي، وقد أراد الأخير الانقلاب على التسوية الداخلية التزاماً بقرار واشنطن، رغم أن الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله كان قد حذّر من تبعات هذا الأمر وأن الحكومة قد تطول لأشهر والوضع اللبناني لا يتحمّل. اليوم، ورغم أن استقالة الحريري كانت برغبة أمريكية، وجهت الأخيرة صفعة جديدة لأحد حلفائها في لبنان مشيرةً إلى أنها على صداقة مع رئيس حكومة تصريف الأعمال سعد الحريري لكن ما تريده من الحكومة اللبنانية العتيدة يذهب أكثر من شخص محدد وهي تريد “إصلاحات”.

ثالثاً: لا شكّ أن لبنان يحتاج إلى إصلاحات، ويدرك الجميع أن حزب الله كان أوّل من رفع الصوت عالياً ضدّ الفساد قبل الانتخابات النيابية السابقة، ولكن ما هي الاصلاحات التي تريدها واشنطن؟ هل تهدف هذه الاصلاحات لإراحة الشعب اللبناني أم أنها تهدف لفرض عقوبات على الجهات التي لا تلتزم بالقرارت الصادرة عن الخارجية الأمريكية تجاه لبنان؟ رغم كافّة الأموال التي تضخّها واشنطن في وسائل الإعلام لتشويه صورة حزب الله وتحميله مسؤولية الأوضاع الاقتصاديّة الصعبة، لكن مثل هذه المواقف تؤكد للبنانين أن واشنطن هي التي تقف وراء تردّي الأوضاع الاقتصادية، فضلاً عن دعمها للساسة الفاسدين.

رابعاً: جاء في تصريحات المسؤول في وزارة الخارجية إن “حكومة قادرة على إجراء إصلاحات ملموسة وحدها قادرة على استعادة ثقة المستثمرين وإعادة فتح الباب أمام المساعدات الدولية للبنان”، فإذا كان المقصود من هذه الاصلاحات هي الاصلاحات الاقتصادية، فواشنطن آخر من يحقّ له توجيه النصائج للبنان في هذا السياق، فهي المسؤول الأبرز عما وصل إليه لبنان.

خامساً: ما يشير إلى أن الاصلاحات التي تريدها واشنطن هي ذات طابع سياسي ما صدر عن المسؤول في الخارجيّة الأمريكي بـ”أنها تريد حكومة تلبّي مطالب اللبنانيين ومطالب المجتمع الدولي”، فمن هم اللبنانيون الذين تتحدّث عنهم واشنطن؟ وما هي المطالب التي يريدها المجتمع الدولي؟ لطالما نادت واشنطن بضرورة احترام نتائج الانتخابات النيابية اللبنانية،بعد أن وصل للخارجية الأمريكية تقارير مضللة عن أن حزب الله سيخسر في الانتخابات الأخيرة. ولكن بعد أن أفرزت صناديق الاقتراع ما في جعبتها، حاولت واشنطن تدارك الأمر، لتسلك منحى آخر متناسيةً “السمفونية” المرتبطة بضرورة احترام خيار الشعب اللبناني. بعدها، تلجأ إلى استخدام الشارع لتشويه الصورة، ففي ايران على سبيل المثال ينظرون إلى العشرات في الشارع الذين تظاهروا، غافلين عن الملايين الذين نزلوا إلى الشارع في تشييع الفريق قاسم سليماني. وهذا ما حصل أيضاً في العراق، وبالتالي في حال شهدت الساحة اللبنانية تظاهرة داعمة لحزب الله ضمّت الملايين، لن تعيرها واشنطن أي إهتمام، وهؤلاء في نظرها ليسول بلبنانيين، في حين إذا ما تظاهر بضع عشرات ضد الحزب ستعتبرهم واشنطن “الشعب اللبناني”.

سادساً: هناك من بات يستخدم شماعة “حزب الله” لتبرير فساده والحصول على تعاطف مع واشنطن التي بدورها تعمد لاستخدام هذه الأصوات لتشويه صورة الحزب. على سبيل المثال لا الحصر، يغمز حاكم مصرف لبنان دائماً إلى أن التصويب عليه يرتبط بالتزامه بالعقوبات الأمريكية على حزب الله رغم أن كافّة الوثائق تؤكد تورّطه في ملفات الفساد.سلامه دعم البنك الذي يمتلكه الحريري بـ400 مليون دولار، فضلاً عن القروض التي قدّمها للبنونك بالمليارات دون أيّ فائد، ورغم ثبوت ذلك، يحاول الإيحاء بأن محاولات استهدافه هي سياسية وليست مرتبطة بفساده.

إذاً، إن الحملة التي بدأتها اليوم واشنطن بسلسلة من الشروط، سيستكملها حلفاء واشنطن في لبنان عبر اتهام الحكومة بأنها حكومة حزب الله، حتى لو لم يكن فيها ولا أي وزير للحزب. الخيار الموزاي لهذا الامر هو تحريك الشارع، الذي ستستخدمه واشنطن أيضاً لفرض المزيد من الشروط.
المصدر / الوقت

طباعة الخبر طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق ارسال الخبر الى صديق

اضافة تعليق