لماذا تحوّلت تركيا إلی تهديد للأمن القومي للکيان الإسرائيلي؟
وفقًا للتقييم السنوي لشعبة الاستخبارات العسكرية للکيان الإسرائيلي “أمان”، فقد أدرجت تركيا في تقييم الجيش الصهيوني لعام 2020 من بين التهديدات التي لا ينبغي التغاضي عنها. وذكرت صحيفة “إسرائيل تايمز” أن هذه هي المرة الأولى التي تعتبر فيها تركيا تهديدًا للکيان الإسرائيلي.
كان لدى تركيا اتجاه ثابت إلى حد ما في التعامل مع الکيان الإسرائيلي في مختلف حكوماتها، ولكن لماذا اعتبر الصهاينة فجأةً تركيا جزءًا من تهديداتهم في عام 2020، هو سؤال قد يكشف عن جزء من الطبيعة الخفية للصهاينة.
تصرفات تركيا في المنطقة خلال العقد الماضي
لقد عملت تركيا بثبات تجاه الکيان الإسرائيلي في العقد الماضي. وفي المجال الاقتصادي، استمرت علاقات الشركات التركية مع الکيان وكانت ثابتةً، ونظراً للتطورات في المنطقة، فعلى الرغم من أنها قد شهدت بعض التقلبات في بعض المراحل الحساسة، ولکنها اتخذت مساراً ثابتاً نسبياً.
وفي الساحة السياسية، شكلت قضية سفينة “مافي مرمرة” التي أدت إلی مقتل العديد من المواطنين الأتراك، تحديًا للعلاقات التركية الإسرائيلية، وعلى الرغم من الجهود التي بذلتها المنظمات غير الحكومية التركية لمواصلة إرسال المزيد من السفن إلى غزة، ولكن لم تشكل هذه العملية تهديداً للصهاينة.
ولكن في المقابل، فإن نوع الأداء التركي في الأزمة السورية، على الرغم من أنه کان قائماً على تفكير محدد وليس في وئام مع الصهاينة، ولکن لم يتعارض هذا الأداء مع مصالح الکيان الصهيوني، ولم يسبب قلقًا للصهاينة.
نقاط لافتة في تقييم مخابرات جيش الکيان الإسرائيلي
يبرز تقييم عام 2020 للجهاز الأمني للجيش الصهيوني عددًا من النقاط المهمة حول تركيا، بعضها غطاء لإخفاء أطماع الکيان الإسرائيلي، والبعض الآخر هو السبب الرئيس لاعتبار تركيا تهديداً من قبل الصهاينة.
انتهاك السيادة السورية
وصف الصهاينة هجوم الجيش التركي علی الأراضي السورية بأنه نقطة سلبية في سبيل العنف من جانب الحكومة التركية، معتبرين هذه النقطة السلبية بأنها أحد الأسباب في اعتبار تركيا تهديداً.
الحقيقة هي أن الصهاينة لم يزعجهم أبدًا وجود تركيا على الأراضي السورية، لأن الصهاينة يعتبرون سوريا تهديدًا أمنيًا رئيساً لهم، لذا فإن انتهاك تركيا للسيادة السورية سيجلب المتاعب للسوريين وسيؤدي إلى إضعاف الجيش السوري، ولهذا السبب فإن ما يطرحه الصهاينة واضح تماماً وهو ذريعة للحفاظ على الشکليات، وليس حقيقياً بأي حال من الأحوال.
التعاون مع الإخوان المسلمين
يشير تقييم “أمان” إلى التعاون التركي ودعم هذا البلد للإخوان المسلمين، كأحد الأسباب لاعتبار تركيا تهديداً للصهاينة. وفي حين أن کون حزب العدالة والتنمية جزء من جماعة الإخوان المسلمين هو أمر يقرّ به قادة الحزب ورجب طيب أردوغان نفسه، ولكن الجدير بالذكر أن الأتراك وعلى مدى السنوات القليلة الماضية قد أزالوا ذلك الجزء من انتسابهم إلی الإخوان المسلمين والذي يشکل تهديداً للصهاينة.
فمن ناحية، إن جماعة الإخوان المسلمين التركية على خلاف مع جماعة الإخوان المسلمين في مصر، وعلى الرغم من التشابه الاسمي بينهما، فهما ليستا متشابهتين من حيث الأهداف والنهج، خاصةً أنه عندما ذهب أردوغان إلى مصر خلال فترة محمد مرسي وحاول أن يصوغ نموذج الإخوان الترکي لإخوان مصر، أصبح هذا الخلاف أكثر جديةً، وحالياً إن النسخة التركية لجماعة الإخوان المسلمين هي شيء منفصل عن جماعة الإخوان المسلمين العالمية.
من ناحية أخرى، خلال السنوات الثماني الماضية، وخاصةً منذ بداية الأزمة السورية، ومع التهديدات الصهيونية ضد حماس، قام الأتراك، بناءً على المطالب الصهيونية، بطرد أعضاء حماس من تركيا، وجاء خروج وبعبارة أفضل طرد “صالح العاروري” من تركيا مع فريق من أعضاء حماس في هذا السياق.
وعلى الرغم من أن تركيا ليس لديها التعاون الاستراتيجي السابق مع الصهاينة، إلا أنها لم تتخط خطوطهم الحمراء في المسائل الأمنية التي يعتبرها الصهاينة حساسةً.
خط أنابيب الغاز في شرق المتوسط والحفر التركي
النقطة الأكثر أهميةً التي أقدمت عليها تركيا وأقلقت الصهاينة، هي الحفريات التي قامت بها تركيا في البحر المتوسط على مدار العامين الماضيين، وخاصةً في القسم التركي لقبرص.
لقد بدأت السلطات التركية أعمال التنقيب هذه بالتعاون مع بعض الشركات عبر الوطنية. ومع تحذيرات الکيان الإسرائيلي من هذه الحفريات، خرجت جميع الشركات الأجنبية من أعمال الحفر، وبقيت شركة فرنسية واحدة فقط.
تعتبر هذه الحفريات، التي ستجلب لتركيا دخلاً كبيراً، خطاًَ أحمر للصهاينة، ما قد يؤدي إلى نزاع خطير على المدى الطويل، وهي مسألة تسببت حتى الآن في حدوث خلافات بين الصهاينة وفرنسا.
وسبب ذلك هو أن الکيان الإسرائيلي يخطط منذ فترة طويلة بشأن خزانات الغاز في شرق المتوسط. بدءاً من خطوط أنابيب الغاز بالقرب من ميناء حيفا، مروراً بخزانات لبنان التي يطمع فيها الصهاينة، وصولاً إلی الخزانات القريبة من شاطئ غزة، والتي كانت جزءاً من الخطط الصهيونية لسنوات.
کما لديهم خطط لخزانات الغاز حول قبرص أيضاً، وقد بدأوا علاقات جدية وهادفة مع اليونان وقبرص على مدار السنوات الماضية، ويبدو أن أحد أهداف هذه العلاقات التي تصفها دوائر صنع القرار في الکيان الإسرائيلي بالمهمة، هو نفس خزانات الغاز هذه وأحياناً النفط أيضاً.
والآن، دخلت تركيا مجالاً يخصص لها الصهاينة خطةً جادةً واقتصاديةً، وهو أمر لا يتساهل فيه الصهاينة، ما يحوِّل تركيا إلى تحدٍ خطير لهم، على الرغم من العلاقات الاستراتيجية بعيدة المدى.
التعاون مع ليبيا في البحر المتوسط
واحدة من المجالات التي دخلت فيها تركيا هي ليبيا. تتعاون تركيا مع الحكومة الانتقالية الليبية منذ النصف الثاني من عام 2019 وعدة أشهر من عام 2020، بدءًا من التعاون في قمع معارضي هذه الحكومة إلی التعاون النفطي. ويتعارض هذا التعاون مع مصالح وأهداف الکيان الإسرائيلي في ليبيا.
إن وجود تركيا وتعاونها مع الحكومة الانتقالية الليبية في شؤون النفط، هو خط أحمر للکيان الصهيوني، لأن تعاون تركيا مع الحكومة الانتقالية في ليبيا سيولد عائدات نفطية جيدة لها. من ناحية أخرى، فإن هذا يجعل الحكومة الانتقالية في ليبيا غير محتاجة إلى الصهاينة، وأخيراً ستجعل تركيا منافساً جادّاً للصهاينة عبر دخل كبير خارج حدودها، ولاعباً في البحر المتوسط.
وكل ما سبق جعل تركيا عقبةً أمام المصالح الصهيونية، لذلك من الطبيعي أن تصبح تركيا تحدياً للکيان الإسرائيلي.
حضور إقليمي خطير لتركيا
على الرغم من كل القضايا التي سبقت الإشارة إليها، كان لتركيا وجود عسكري كبير في منطقة غرب آسيا على مدار السنوات الأربع الماضية منذ نهاية خلافة داعش في العراق وسوريا. کما أن إرسال تركيا لقوات إلی قطر والسودان وليبيا، يعني وجود تركيا في الخليج الفارسي والبحر الأحمر والبحر الأبيض المتوسط. وهو الأمر الذي يجعل تركيا لاعباً إقليمياً جدياً.
إن وجود لاعب جديد في المنطقة، والذي له أيضًا قوات عسكرية في نقاط مختلفة، يشكل خطراً على الصهاينة، لأن وجود هذه القوات سوف يضيق الخناق علی الصهاينة من ناحية، ومن ناحية أخرى يعرض مصالح الصهاينة للخطر في الأوقات الحرجة، لذا فإن تركيا تشكل تحديًا يفكر فيه الصهاينة.
بشكل عام، لدی تركيا علاقة جدية واستراتيجية مع الصهاينة، ولكن مع وجود قوي في منطقة غرب آسيا على مدار السنوات الخمس الماضية، تصبح ترکيا لاعباً جديداً وهو ليس بالأمر الجيد بالنسبة للصهاينة، خاصةً وأن أردوغان وحزب العدالة والتنمية أظهرا أنفسهما بشکل لا يمكن التنبؤ به من خلال تحولاتهما غير المتوقعة، ويشير الصهاينة إلى ذلك بالقول إن ترکيا لاعب غير متوازن.
وتجلى هذا الدور غير المتوازن خلال الأزمة السورية، حيث أصبحت تركيا فجأةً عضواً جادًا في اجتماعات مؤيدي سوريا، بعد أن کانت حليفةً للولايات المتحدة في التحالف ضد داعش.
من ناحية أخرى، أثارت الأنشطة الاقتصادية لتركيا في البحر الأبيض المتوسط، وخاصةً في مجال استخراج الغاز والنفط، قلقًا بالغًا لدی الصهاينة. وهذا يدل على أن الصهاينة يقيمون علاقات استراتيجية فقط مع أولئك الذين لا يتحدونهم، ولا ينخرطون في النشاط الاقتصادي ضدهم ولا يصبحون لاعبين فاعلين في مجالهم. وفي المستقبل القريب، يبدو أن هذا التحدي سيجبر الصهاينة على اتخاذ إجراءات لا تتوقعها تركيا أبدًا.
المصدر / الوقت