التحديث الاخير بتاريخ|الإثنين, نوفمبر 18, 2024

فضيحة الغرب في اختطاف مهندس إيراني 

يمكن للقصة المأساوية لإطلاق سراح جلال روح الله نجاد ، وهو مواطن إيراني مسجون في فرنسا وعودته إلى إيران ، أن تفسر بعض الحقائق غير المعلنة وراء الكواليس لانتهاكات حقوق الإنسان في ما يسمى مهد الديمقراطية العالمية. قصة التضحية بمواطن إيراني في اللعبة السياسية لقصر الإليزيه لإرضاء الحكومة الأمريكية وإظهار تضامنها مع واشنطن في سياسة الضغط الأقصى على طهران.

في 2 فبراير ، وصل روح الله نجاد إلى مدينة نيس بفرنسا على متن رحلة جوية قادمة من موسكو والتي أقلعت طائرتها من طهران ، وتم اعتقاله لتسليمه للحكومة الامريكية إثر صدور مذكرة اعتقال سابقة في حقه من قبل السلطات القضائية الأمريكية.

في العام الماضي ، اتهم القضاء الأمريكي جلال روح الله نجاد بالعمل على صناعة منظومات أمواج صناعية صغيرة وأنظمة مضادة للطائرات بدون طيار ، لكن لأن ذلك الاتهام لم يكن كافياً لاصدار مذكرة اعتقال في حقه وتبرير اعتقاله ومن دون أي دليل ضده اتهموه بانه يحاول الالتفاف على العقوبات وإمكانية الاستفادة من معرفته بالتطبيقات العسكرية.

جاءت هذه الاتهامات ، في حين أن المنظمة المدنية غير الحكومية لتطوير الطائرات من دون طيار بالإضافة الى الشركات المعرفية التي تعمل في مجال الطيران والطائرات من دون طيار قد أصدرت بياناً تدحض فيه هذه الاتهامات الكاذبة وتدين عملية الاعتقال ووفقاً لبيان المنظمة، فإن النظام الذي يُتهم المهندس الإيراني باستيراده هو نظام “مدني” ولا يخضع للعقوبات.

ولكن على الرغم من البيان والأدلة التي تشير الى ان أنشطة هذه المنظمة هي مدنية محضة ، أمضى روح الله نجاد أكثر من عام في السجون الفرنسية ، ونتيجة للضغوط الأمريكية على الحكومة الفرنسية ، سعى القضاء الأمريكي لاسترداده واحضاره إلى داخل الأراضي الأمريكية. وتزامناً مع عملية نقل السجين جاء دور منظمة المخابرات التابعة لحرس الثورة الإسلامية بالإضافة الى التحركات الدبلوماسية في وزارة الخارجية ، منحت باريس في نهاية المطاف الإفراج المشروط عن المهندس الإيراني مقابل الإفراج عن مواطنها الفرنسي المسجون في ايران رولان غابرييل مارشال ، والذي أدين بالعمل ضد الأمن القومي في المحكمة وحُكم عليه بالسجن لمدة خمس سنوات ، وأصدرت الموافقة على الافراج عن روح الله وعودته إلى إيران.

من الواضح أنه إذا تم تسليم روح الله نجاد إلى أمريكا ، فسيواجه عقوبة سجن طويلة ، ولكن التغيير في القرار الفرنسي برفض طلب الحكومة الأمريكية نتيجة للمتابعة المعقدة من قبل مؤسسات الجمهورية الإسلامية الإيرانية وعلى الرغم من تأكيد استرجاع روح الله نجاد فقد كان إنجازًا مهمًا لطهران ، يتمثل في فقدان مصداقية وفشل كبير لحكومة الولايات المتحدة مقابل الأنظمة الأمنية والقضائية والدبلوماسية للجمهورية الإسلامية.

وترجع هزيمة أمريكا في هذا السيناريو ضد المهندس الإيراني إلى حقيقة أن البيت الأبيض شكل فرقة عمل متخصصة من صفوة مسؤولي وزارة الخارجية تحت إشراف بريان هوك منذ أغسطس 2018 ، حيث تتمحور مسؤولية هذه الفرقة في قيادة ومراجعة وتنسيق الممارسات المختلفة من أجل زيادة الضغط على إيران في وزارة الخارجية الأمريكية ، ويعمل هذا الفريق مباشرة مع وزير الخارجية مايك بومبيو ، ما يدل على أهمية فرقة العمل هذه وتعقيدها التشغيلي.

جاء غضب البيت الأبيض على هذا الفشل والخيبة مبكراً عندما أصدر المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية مورجان أورتيجاس على الفور بيانا يدين فيه هذه الخطوة الفرنسية.

وقال البيان إن أمريكا تأسف بشدة لقرار فرنسا الانفرادي بإطلاق سراح المواطن الإيراني جلال روح الله نجاد من السجن. حيث كانت أمريكا قد دعت في السابق إلى تسليم روح الله اليها ، ولا تزال هناك العديد من التهم الموجّهة إليه لتصدير قطع غير مشروعة تستخدم في المجالات العسكرية ، وهو عمل يتعارض مع العقوبات الأمريكية.

حقيقة أن إدارة ترامب تستهدف المدنيين والمواطنين الإيرانيين تطبيقاً لسياسة الضغط الأقصى على إيران هي حقيقة لا تدركها طهران فحسب ، بل تدركها العديد من البلدان حول العالم ، كما كان الحال في الأسابيع الأخيرة مع الأزمة العالمية المتمثلة في تفشي وباء كورونا أصبحت العقوبات عقبة خطيرة أمام الحكومة الإيرانية لمواجهة الفيروس ، سواء من حيث تزويد الناس بالمستلزمات الصحية اللازمة لمواجهة الفيروس أو الوصول إلى الأصول المقومة بالدولار لمواجهة الضرر الاقتصادي الناجم عن تفشي كورونا.

في الواقع ، كان أحد أبرز آثار صعود اليمين في الغرب ، خاصة بعد وصول دونالد ترامب إلى السلطة في أمريكا ، هو العرض المفرط لشعارات الدفاع عن حقوق الإنسان والتناقض الصريح بين شعارات الحكومات الغربية والالتزام الحقيقي بتطبيق حقوق الإنسان ، حيث انهم لا يمتنعون عن انتهاك حقوق الإنسان أينما تطلبت مصالحهم ذلك، وفي الواقع، أثبتت الممارسات الغربية لحقوق الإنسان أن وجود معايير مزدوجة جعلت صكوك حقوق الإنسان في سياستها الخارجية مفيدة في الضغط على المنافسين وإضفاء الشرعية على تدخلها في تلك البلدان ، خاصة في المناطق المهمة من الناحية الجيوسياسية في العالم.
المصدر/ الوقت

طباعة الخبر طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق ارسال الخبر الى صديق

اضافة تعليق