شيعة السعودية وسياسة المعايير المزدوجة للأسرة السعودية في مواجهة كورونا
مع تفشي جائحة فيروس کورونا، وبينما تدعم البروتوكولات الصحية الدولية تنفيذ تدابير المكافحة المختلفة في معظم البلدان حول العالم، مع ذلك قد أثار هذا الأمر مخاوف بين منظمات حقوق الإنسان، فيما يتعلق بوضع الأقليات في بعض البلدان التي لها سجل من القمع.
والشيعة السعوديون هم من بين هذه الأقليات المقموعة، حيث تشير تقارير مختلفة إلى أن الحكومة السعودية تستغل ظروف كورونا لمواصلة التمييز وحتى زيادة الضغط على الشيعة.
الوضع الصحي غير المواتي في القطيف
أعلنت وزارة الصحة السعودية أن عدد المصابين بفيروس کورونا في المملكة تجاوز 15 ألف شخص، وارتفع عدد القتلى إلى 127.
بعد رؤية الحالة الأولى للإصابة بفيروس كورونا في السعودية في 2 مارس، أصدر العاهل السعودي في 23 مارس مرسوماً يحظر التجوال لمدة 21 يوماً لمكافحة انتشار المرض. ومحافظة القطيف التي شهدت حالة الإصابة الأولى، تم عزلها بالكامل من قبل قوات الأمن وبناءً على طلب المسؤولين السياسيين.
ولکن فقد تم تنفيذ الحجر الصحي علی هذه المنطقة الشيعية في السعودية، دون الرعاية الصحية اللازمة المستندة إلى المعايير الدولية، وهو الأمر الذي أثار انتقادات من سكان المنطقة وبعض المنظمات الدولية، مثل “مراقبة حقوق الإنسان” و”منظمة العفو الدولية”.
وفي هذا الصدد، أفاد موقع “العهد” اللبناني نقلاً عن معلومات مسربة، أن الحصار الذي تم تنفيذه بحجة “عزل” المحافظة، أدى إلى أن عشرات المصابين بأمراض مزمنة في القطيف، وبسبب قلة المستشفيات التخصصية، يُحرمون من علاج أمراض القولون والفشل الكلوي والسرطان وغيره، ما أجبرهم على مغادرة القطيف، وهذا الوضع يعرضهم لخطر أكبر.
وفي السياق نفسه، قال الناشط السعودي المعارض “فواد إبراهيم” إن صحة عشرات المرضى في القطيف قد تدهورت، بسبب عدم وجود مستشفيات مناسبة لعلاج أمراض القلب والكلى والسرطان وما شاکل، ولا توجد مثل هذه المستشفيات في “الخَبر” و”الدمام”.
بدورها تطرقت “وكالة الأنباء الفرنسية” في تقرير لها إلی الوضع الصحي في القطيف، وتحدثت عن النقص والحاجة إلى الأقنعة والقفازات ذات الاستخدام الواحد وغيرها من أدوات النظافة.
لطالما اعتبر الشيعة السعوديون أنفسهم مواطنين من الدرجة الثانية في السعودية، وتفتقر مناطقهم السكنية إلی أبسط المرافق الصحية والخدمية والرعاية الاجتماعية، بحيث لا تزال العديد من الأزقة والشوارع فيها ترابية في القرن الحادي والعشرين.
ونجد هذا التخلف والحرمان الاقتصادي في هذه المنطقة، وخاصةً فيما يتعلق بالبنية التحتية الصحية، بينما تمتلك المناطق الشرقية من السعودية بما في ذلك القطيف، المصادر الرئيسية للنفط والموارد الطبيعية الأخرى المدرة للدخل للحكومة.
الأخبار والتقارير القليلة التي تسربت إلى وسائل الإعلام حول الحالة الصحية للشيعة في القطيف، تأتي في الوقت الذي تمارس فيه الحكومة السعودية رقابةً إعلاميةً شديدةً لإخفاء الحقائق عن وسائل الإعلام الدولية والمراقبين الدوليين.
الأحكام العرفية تحت غطاء الحجر الصحي
على الرغم من الانتشار الواسع لفيروس کورونا، فإن محافظة القطيف هي المحافظة الوحيدة التي يطبق عليها الحجر الصحي. من ناحية أخرى أيضاً، لقد مر ما يقرب من شهرين منذ تنفيذ الحجر الصحي، وقوات الأمن السعودية قد شددت الطوق الأمني في أنحاء المحافظة.
وهذه الإجراءات، بالنظر إلی وجود حركات احتجاجية متعددة في هذه المنطقة، واليد الطولی للحكومة السعودية في القمع المنظم والواسع النطاق للشيعة في القطيف، يمكن أن يطلق عليها فرض الحكم العسكري دون متاعب، بحجة الحجر الصحي.
في الحقيقة، كما أن نبأ اعتقال أمراء العائلة السعودية المشهورين، قد كشف قبل فترة النقاب عن رغبة ولي العهد في استغلال الوضع الحرج لانتشار كورونا من أجل قمع المعارضة، الآن أيضاً يمكن ملاحظة استمرار هذا النهج تجاه الشيعة، وبشدة أكبر بالطبع.
مع فرض القيود على الدخول والخروج من هذه المنطقة، تسعى الرياض أولاً إلى قطع العلاقات بين الشيعة والعالم الخارجي، وخاصةً السفر إلى دول شيعية أخرى مثل إيران والعراق، ومن ناحية أخرى من خلال تقييد التجمعات العامة خاصةً في الحسينيات والمساجد الشيعية، تسعى لتمهيد الطريق للحفاظ علی هذه القيود في المستقبل وخلال شهر رمضان المبارك أيضاً.
وهي التجمعات، التي يساور النظام السعودي قلق عميق بشأنها، وقد دمرت مراراً أماکن هذه التجمعات بالاستفادة من الفتاوى التكفيرية لعلماء الوهابية.
في السنوات الأخيرة، كان الشيعة في محافظة “الشرقية”، ولا سيما في مدن “القطيف” و”إحساء” و”الدمام”، وكذلك السكان الشيعة في “المدينة المنورة” و”العوامية”، هدفاً للأنشطة الإجرامية لمسؤولي آل سعود دائماً.
وفي هذا الصدد، في أبريل/نيسان الماضي، أُعدم 37 شخصاً في السعودية، 32 منهم کانوا من الشيعة، وحكم على 14 منهم بالإعدام لمشاركتهم في الاحتجاجات. وكتبت صحيفة “واشنطن بوست” مؤخراً عن عمليات الإعدام الجماعية التي نفذتها آل سعود، قائلةً بأن الحكومة ترفض إعادة الجثث إلى أسرهم.
وفي هذا السياق، قال الباحث في قسم الشرق الأوسط “آدم كوغل” في “هيومن رايتس ووتش”، إن “رفض الحكومة السعودية تسليم الجثث يرجع إلى الموقف الذي يتخذه علماء الدين الوهابيون، الذين يعتبرون الذهاب إلى قبور الموتى شرکاً”. وأضاف “وهذا يعکس عدم القبول بالجالية الشيعية في السعودية”.
على الرغم من أن الحكومة السعودية ترفض تقديم إحصاءات دقيقة حول عدد المواطنين الشيعة لکي تعتبرهم أقليةً، يقدر الباحثون والخبراء أن حوالي 15 إلى 20 في المائة من سكان هذا البلد هم من الشيعة، وهم مكبوتون بشدة تحت الحكم الوهابي.
وعلى الرغم من هذا العدد السكاني الكبير، ولکن يُمنع الشيعة بشكل منهجي من العمل في الوظائف العامة والحكومية، ولا يتم تعيين أي مواطن شيعي في وزارة أو بلدية أو قسم شرطة.
ومع أدنى احتجاج، لا يتم قمع سكان هذه المنطقة فحسب، بل يتم اعتقالهم أيضًا، ونتيجةً لذلك يُحتجز العديد من شباب هذه المنطقة في السجون السعودية، وهم موجودون في هذه السجون منذ سنوات دون محاكمة، ويعرفون بـ “السجناء المنسيون”.
مع أخذ هذا الأمر في الاعتبار، يبدو الخطر قائماً تمامًا بأن تعمد الحكومة السعودية لقمع وحتى قتل الشيعة، بذريعة جائحة کورونا، عبر إهمال الرعاية الصحية وإخفاء عدد الوفيات.
المصدر/ الوقت