هل ستؤجل الإنتخابات الرئاسية في أمريكا بعد أن باتت كابوسا لترامب
لم يكن لتفشي فيروس كورونا في العالم، وخاصة في الولايات المتحدة الأمريكية، تبعات اقتصادية فحسب، بل كان له تبعات على المستوى السياسي. وعلى سبيل المثال، في الولايات المتحدة، التي تشير الإحصائيات أن إنتشار هذا الوباء العالمي في البلاد هو الأعلى قياسا بالدول الأخرى، حذر جو بايدن مؤخرًا من تأجيل ترامب للانتخابات الرئاسية تحت ذريعة تفشي كورونا. وفي هذا السياق، حذر المرشح الرئاسي الديمقراطي جو بايدن من أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب سيحاول تأجيل انتخابات شهر نوفمبر.
وشدد الديمقراطيون خلال الأيام الماضية على أهمية الإستعداد لإجراء انتخابات عن بعد أو إجراء الانتخابات الرئاسية هذا العام وفقًا لنظام التباعد الاجتماعي إذا لزم الأمر. ومع ذلك، رفض الجمهوريون حتى الآن هذا الاقتراح، وشددوا على ضرورة عدم تدخل الحكومة الفيدرالية في قرارات الولايات.
تحذيرات من محاولات ترامب تأجيل الانتخابات
قد يكون أخطر تحذير بشأن تأجيل الانتخابات الرئاسية الأمريكية، جاء من قبل منافس ترامب في الانتخابات القادمة،.الديمقراطي جو بايدن. وأشار جو بايدن في وقت سابق، أن الانتخابات الرئاسية الأمريكية لم يتم تأجيلها خلال الحرب الأهلية والحرب العالمية الثانية، وشدد على أن دونالد ترامب ليس لديه حاليًا الصلاحية القانونية لتغيير موعد الإنتخابات. وبدأ منافس دونالد ترامب في الانتخابات الرئاسية المقبلة، جو بايدن، البالغ من العمر 77 عامًا، حملته الإنتخابية عبر الإنترنت بعد تفشي كورنا، وصرح أنه من الممكن استخدام هذه الطريقة في إجراء الانتخابات الرئاسية الأمريكية المقبلة.
وبالإضافة الى جو بايدن، أعربت رئيسة مجلس النواب الأمريكي أيضًا عن قلقها بشأن مساعي دونالد ترامب المحتملة لتأجيل موعد الإنتخابات الرئاسية المقرر إجراؤها في نوفمبر 2020. وقالت نانسي بيلوسي: “على الديمقراطيون الإطمئنان من أن الرئيس دونالد ترامب لن يؤجل موعد الانتخابات المقررة في نوفمبر”. وفي مقابلة مع قناة “ام اس ان بي سي” تحدثت بيلوسي حول امكانية تأجيل موعد الإنتخابات بسبب عودة تفشي فيروس كورونا قائلة “أعلم أن هناك خطر من عودة تفشي فيروس كورونا في نوفمبر القادم وهو أمر يقلق الناس، ولكن يتعين علينا إجراء الانتخابات وسنقوم بذلك”.
وقالت بيلوسي منتقدة ترامب “لقد فعل “ترامب” الكثير لإضعاف الولايات المتحدة، لكن يجب ألا نسمح له بإضعاف الديمقراطية في البلاد”. وأعربت رئيسة مجلس النواب الأمريكي عن أملها في أن يعارض بعض الجمهوريين أيضًا خطوة ترامب المحتملة لتأجيل الانتخابات.
ظروف ترامب الحرجة
يجب الأخذ بعين الإعتبار أن التأثير السلبي واسع النطاق لتفشي فيروس كورونا في الولايات المتحدة، يجعل إعادة انتخاب ترامب في انتخابات 2020 أمرًا غير محتملًا.
ووفقًا لاستطلاع أجرته بلومبرغ، فأن إعادة انتخاب ترامب في إنتخابات نوفمبر في الولايات المتحدة تعتمد على مجموعة من الناخبين الأمريكيين الذين لا يدعمون مرشحًا معينًا في الحملة الانتخابية وأن أصواتهم تتغير وفقًا لتغير الظروف. وتظهر استطلاعات أخرى أن تفشي وباء كورونا وعواقبه الاقتصادية لم تؤد إلى زيادة في شعبية دونالد ترامب. في حين يُظهر التاريخ، أن شعبية الرؤساء الأمريكيين غالبا ما كانت تزداد خلال الأزمات الخطيرة.
ووفقًا لاستطلاعات الرأي، لا تزال شعبية دونالد ترامب تعتمد على الانتماء الحزبي للمواطنين، حيث أن أولئك الذين يميلون سياسياً إلى الحزب الديمقراطي، غير راضين عن أداء الرئيس الخامس والأربعين للولايات المتحدة، أما الموالين للحزب الجمهوري، يرون أن أدائه مُرضٍ نسبياً وليس كليًا، الأمر الذي دق ناقوس الخطر لترامب.
ومن ناحية أخرى، من الصعب تجاهل أهمية الأنباء التي تتحدث عن البطالة في الولايات المتحدة خلال الأسابيع القليلة الماضية. وأظهر تقرير حديث لوزارة الخزانة الأمريكية أن 6.6 مليون أمريكي عاطل عن العمل وأنهم تقدموا بطلب للحصول على إعانات البطالة، ومن المرجح أن الوظائف في البلاد قد تضائلت في الأسابيع القليلة الماضية بنفس المستوى الذي شهدته البلاد في الأعوام 2007-2009 أيام الكساد الإقتصادي الكبير، ويبدو ان الوضع سيزداد سوءًا.
طريقة ترامب المستحيلة لتأجيل الانتخابات
من غير المرجح أن يتم تأجيل أو إلغاء انتخابات عن موعدها المقرر في نوفمبر في الولايات المتحدة، حيث يتطلب تأجيل أو إلغاء الانتخابات موافقة الكونغرس بموجب القانون الاتحادي، ولا يمكن للرئيس نفسه التدخل في ذلك
وفي الواقع، إن الانتخابات الأمريكية ليست مثل الانتخابات التمهيدية في ولاية ما، إذ من الممكن تأجيل الانتخابات التمهيدية (كما فعلت العديد من الولايات في مواجهة وباء كورونا). في حين سيتم إجراء الانتخابات التمهيدية من قبل الولايات، مما يعني أن مسؤولي الولايات يتخذون قرارات بشأن تغيير وتخطيط توقيت الانتخابات التمهيدية حسب الظروف. في حين أن تأجيل الانتخابات التمهيدية ليس بالمهمة السهلة، وقد تكون مهمة شاقة، ولكن بشكل عام، فإن الحكومات المحلية للولايات هم من يتخذون القرار النهائي، ولا ينطبق هذا الأمر على الانتخابات العامة التي تحكمها اللوائح الفيدرالية.
وبسبب فصل السلطات في حكومة الولايات المتحدة، لا يمكن للرئيس ببساطة إلغاء أو تجاهل القانون الفيدرالي الذي أقره الكونغرس، ولا يمكن لجهة ان تقرر باستثناء للكونغرس.
في الكونغرس الحالي، يتمتع الديمقراطيون بأغلبية في مجلس النواب في حين يمتلك الجمهوريون أغلبية في مجلس الشيوخ. والسؤال هو هل ستؤيد نانسي بيلوسي، رئيسة البرلمان عن الحزب الديمقراطي، تأجيل الانتخابات نتيجة لجهود ترامب؟ الجواب لا، لكن لنفترض أن توافق بيلوسي على المقترح وتُأجل الانتخابات إلى الثلاثاء الأول من مارس 2021.
وفقًا للتعديل العشرون لدستور الولايات المتحدة بشأن فترة رئاسة الولايات المتحدة، تنتهي فترة عضوية الرئيس ونائب الرئيس في الساعة 12 ظهرًا في 20 يناير وتنتهي فترة عضوية أعضاء مجلس الشيوخ وأعضاء البرلمان في الـ12 ظهرًا في 3 يناير من ذلك العام.
المعنى الضمني لهذا التعديل هو أنه إذا تم تأجيل الانتخابات الرئاسية، فإن ترامب ومايك بنس سيفقدان منصبهما، وبالنظر إلى التسلسل الهرمي لخلافة للمناصب، فإن نانسي بيلوسي رئيسة مجلس النواب الأمريكي ستخلف ترامب وتكون رئيسة للبلاد لعام 2021 لبضعة أشهر، وإن لم تكن الرئاسة لبيلوسي، سيتولى رئيس مجلس الشيوخ المؤقت هذا المنصب.
وإذا كانت الأغلبية للجمهوريين، فإن سناتور ولاية أيوا، تشاك غراسلي، كان سيتولى المنصب. وإذا كان الديمقراطيون فد فرضوا سيطرتهم على مجلس الشيوخ، فإن السناتور باتريك ليهي كان سيحل محل الرئيس، لكن هذه السيناريوهات لن تحدث لأن ليس باستطاعة ترامب تأجيل الانتخابات. لذلك، وفقًا للدستور الفيدرالي الأمريكي، فإن إلغاء الانتخابات أو تأجيلها يتجاوز نطاق صلاحيات ترامب.
لماذا يحاول ترامب تأجيل الإنتخابات؟
بالنظر إلى عدم امتلاك الرئيس صلاحية في تأجيل الانتخابات الرئاسية، فإن السؤال هو، لماذا يوجد قلق بشأن محاولات ترامب هذه؟
يرجع هذا القلق، قبل كل شيء، إلى بعض تصريحات ترامب السابقة. فقد كان ترامب قد رحب سابقًا بتمديد فترة الرئاسة في بعض البلدان، مثل روسيا، ووصف العملية بأنها “نافعة” بل واقترح رفع القيود على قانون تولي الرئيس فترتين رئاسيتين متتاليتين التي ينص عليها الدستور الأمريكي. وأثارت تصريحات ترامب مخاوف بشأن سلوكه السياسي حتى موعد الانتخابات. كما إن موقف ترامب الضعيف في الولايات المتحدة نتيجة تفشي وباء كورونا بشكل فضيع في البلاد، جعلته يقف عاجزًا أمام تحقيق أي إنجاز للموطن الأمريكي عمليا.
ان جميع ادعاءات ترامب، كانت تعتمد على تحسين بيئة العمل والنمو الاقتصادي في الولايات المتحدة، ولكن من الناحية العملية لم تعد هذه الظروف الاقتصادية المواتية موجودة بسبب تفشي الفيروس. وفي مجال السياسة الخارجية، لم يحقق ترامب النجاح والأداء المنشود، وقد أثارت هذه الظروف مجتمعة مخاوف بشأن إمكانية تأجيل الانتخابات وعدم عقدها في خريف هذا العام، والتي قد تتزامن مع موسم تفشي كورونا مرة أخرى.
حتى أن بعض المحللين أشاروا إلى أن ترامب ربما يحاول جعل الوضع في الولايات المتحدة أكثر خطورة من خلال عدم مواجهة كورونا بجدية، بهدف جعل أجواء إجراء الانتخابات غير ملائمة ليتمكن بذلك من تأجيل الموعد الى وقت ملائم أكثر، لكن بالنظر إلى قيود الدستور الفيدرالي، فإن صلاحيات ترامب لا تسمح له باتخاذ أي إجراء تجاه الانتخابات الرئاسية الأمريكية المقبلة.
المصدر/ الوقت