خلفيات حظر “حزب الله” في ألمانيا
في نهاية الأسبوع الماضي أقدمت ألمانيا على فعل صادم ومفاجئ، حيث قامت بحظر “حزب الله” اللبناني على أراضيها وصنفته على انه منظمة ارهابية، وداهمت الشرطة الألمانية الاتحادية مراكز تابعة للحزب بحسب قولها واعتقلت أشخاصا كانوا يتواجدون فيها وصادرت أجهزتهم المحمولة وحواسيبهم، ولم تصدر عن الجهات الرسمية الألمانية أي معلومات رسمية بهذا الخصوص، وكل ادعاءاتها تمحورت حول ان “حزب الله يدعو إلى الإبادة العنيفة لدولة إسرائيل ويُشكّك بحقها في البقاء” بحسب وزير الداخلية هورست زيهوفر.
كان الأحرى بألمانيا أن تحظر الأنشطة الاسرائيلية على اراضيها، لان “اسرائيل” هي من يهدد دول المنطقة وهي من تمارس الارهاب على الجميع، وتقتل آلاف الفلسطينيين على مرأى العالم أجمع دون ان ينبس أحد ببنت شفة، وفي الأمس شن الطيران الاسرائيلي هجوما على مدينة القنيطرة السورية دون ان ينطق الغرب والعالم بأي كلمة وكأن اعتداء اسرائيل على سيادة الدول حق مشروع لها، ولكن اذا قام “حزب الله” بالدفاع عن ارض بلاده وردع العدو الصهيوني من العبث بخيرات بلاده فهذا أمر مرفوض، ناهيك عن ان الحزب شكل حصنا منيعا لمنع دخول “الدواعش” الى لبنان ومع ذلك تصفه المانيا بـ”الارهاب”.
في السابق رفضت دول اوروبا وعلى رأسها ألمانيا حظر انشطة الحزب السياسية، لكن يبدو هذه المرة أن الضغوط الاسرائيلية والامريكية تمكنت من اجبار برلين على حظر “حزب الله”، حيث تبين ان الموساد الاسرائيلي هو وراء هذا القرار، اذ كشفت قناة إسرائيلية السبت أن جهاز الموساد نقل لبرلين معلومات استخبارية حساسة -عن نشاطات حزب الله اللبناني في ألمانيا- دفعت الأخيرة إلى حظر أنشطته واعتباره تنظيما إرهابيا.
وقالت القناة 12 الخاصة إن المعلومات التي نقلتها إسرائيل للسلطات القانونية وأجهزة الاستخبارات الألمانية تضمنت تفاصيل عن شخصيات محورية في حزب الله تعمل على الأراضي الألمانية.
وأوضحت القناة العبرية على موقعها الرسمي أن اعتراف وصف ألمانيا للحزب بأنه “منظمة” إرهابية جاء بعد تلقي معلومات مهمة ودقيقة، وبأن برونو كاهل، رئيس جهاز الاستخبارات الألماني “BND” شخصية مقربة من جهاز الموساد الإسرائيلي.
خلفيات القرار
أولاً: فشلت “اسرائيل” في جميع ضغوطها الدولية التي مارستها على “حزب الله” عن طريق الولايات المتحدة الأمريكية، حيث اقدمت الاخيرة على وضع الحزب على “اللائحة السوداء” وفرضت عقوبات اقتصادية على شخصيات ارتبطت اسمائها بالحزب وحجزت على اموالها، طبعا كل هذا جاء بعد الانتصار الكبير الذي حققه “حزب الله” في حرب تموز 2006، اذ تبين ان العدو الصهيوني عاجز عن اختراق لبنان بعد هذه الحرب، لذلك توجه نحو محاصرة الحزب في جميع ارجاء العالم لاسيما في اوروبا وامريكا، بحكم العلاقة الاسرائيلية الوطيدة مع هذه الدول.
ثانياً: المانيا أقدمت على هذا الحظر بينما يعيش لبنان اسوء ازمة اقتصادية تمر عليه منذ الحرب الاهلية “1975_1990″، ويرافق ذلك غضب شعبي أدى في بعض الأحيان الى عمليات تخريب للأماكن العامة والمحال التجارية للمواطنين.
وسط هذه الفوضى عمدت المانيا للضغط على “حزب الله” على اعتبار انه الداعم الرئيسي لحكومة حسان دياب، هذه الحكومة التي تسعى لحل هذه الازمة بجميع السبل الممكنة، بما فيها الحصول على دعم مالي خارجي، ولكن حظر “حزب الله” من قبل المانيا سيعقد المسألة أكثر وأكثر.
ومن هنا فإن القرار الالماني سيدعم نظرية البعض داخل لبنان بأن “حزب الله” هو المسؤول عن الأزمة الاقتصادية، لأن تواجد “حزب الله” في الحكومة لا يساهم في بناء علاقات خارجية قوية مع الدول الغنية بحسب ما يزعم هؤلاء، وبالتالي فإن الضغط سيكون اكبر على الحزب خلال هذه المدة وسيحملونه مسؤولية الوضع الحالي في لبنان.
طبعا “حزب الله” مدرك تماما لحيثيات الأمور، حتى ان الصحافة المقربة من الحزب قالت بأن أعداء الحزب وخاصة الولايات المتحدة الأمريكية تعمل على “انهيار الاقتصاد اللبناني” لمواجهة حزب الله.
ثالثاً: يبدو أن المانيا فقدت قرارها المستقل، خاصة وانها كانت في السابق تتبع سياسة “مسك العصا من الوسط” وتحاول خلق توازن في العلاقة مع “حزب اللة”، لكنها قضت على هذه العلاقة مؤخرا بالمطلق، وهذا الأمر سيصعب المهمة على المانيا في المستقبل وقد تفقد مكانتها فيما يخص “الوساطة” بين “حزب الله” و”اسرائيل” في عمليات تبادل الاسرى وغيرها، وسيؤثر القرار على علاقتها مع لبنان بشكل عام.
رابعاً: حظر “حزب الله” سيفعل دور الجماعات السلفية أكثر وأكثر في الداخل الالماني، خاصة وان الحزب كان يشكل الحالة الوسطية ويدافع عن الاسلام الصحيح، ولكن الحظر الجديد سيعقد المسألة اكثر وستكون المانيا المتضرر الاكبر من زيادة نشاط السلفيين، وقد حذرت أجهزة الأمن، في وقتٍ مبكر من عام 2014، من أن الإرهاب الناشئ من السلفيين، سواء كان منظمًا أو فرديًا، أصبح أكبر تهديد في ألمانيا. وفقًا للمكتب الفيدرالي لحماية الدستور، جهاز الاستخبارات الداخلية في ألمانيا، كان هناك ما يقرب من 26 ألف سلفي في ألمانيا اعتبارًا من أبريل 2018.
وبحسب معطيات الهيئة الألمانية لحماية الدستور (الاستخبارات الداخلية) شهدت أعداد السلفيين في ألمانيا ارتفاعا جديدا. وذكرت الهيئة أن عدد السلفيين ارتفع ليصبح 10 آلاف وثمانمائة بينما كان عددهم لا يتجاوز تسعة آلاف وسبعمائة في ديسمبر/ كانون الأول من العام الماضي، وكان عددهم في سبتمبر/ أيلول هذا العام 10 آلاف وثلاثمئة.
المصدر/ الوقت