إنعدام الأمن في سيناء؛ أسباب الوجود والاستمرارية
أعلن المتحدث باسم الجيش المصري “تامر الرفاعي” أن جندياً مصرياً قتل وأصيب تسعة آخرون في انفجار قنبلة على جانب الطريق، قرب دورية للجيش المصري في منطقة بئر العبد شمالي سيناء مساء الخميس.
وأضاف الرفاعي أن القوات المسلحة تؤکد علی مواصلة الحرب ضد العناصر الإرهابية، من أجل الحفاظ على أمن الوطن واستقراره.
وفي هذا الصدد، أعلن تنظيم داعش الإرهابي مسؤوليته عن الهجوم الذي استهدف الجيش المصري، في شمال سيناء مساء الخميس.
وفي حين أن الجيش المصري قام مرارًا وتكرارًا بالعديد من العمليات العسكرية واسعة النطاق ضد هذا التنظيم في سيناء، لکن عناصر داعش لا تزال موجودةً في شبه جزيرة سيناء، وأحيانًا تنفذ عمليات إرهابية ضد القوات المصرية.
المعركة بين إرهابيي سيناء والجيش المصري منذ 2011
شهدت مصر هجمات مسلحة في شمال سيناء والمناطق المحيطة بها منذ بداية عام 2011، والتي زادت بشكل كبير منذ إسقاط “حسني مبارك”، وبشكل أكثر تحديداً بعد الإطاحة بالرئيس السابق “محمد مرسي” في عام 2013.
وبعد تنصيب الرئيس المصري “عبد الفتاح السيسي”، أعلنت الحكومة المصرية حالة الطوارئ في منطقة سيناء، وشنت عدة عمليات واسعة النطاق ضد الجماعات الإرهابية المتمركزة في هذه المنطقة.
وخلال زيارة له لنيويورك العام الماضي لحضور الدورة السنوية للجمعية العامة للأمم المتحدة، قال الرئيس المصري لوسائل الإعلام الأمريكية، إن مصر تنسق مع الکيان الصهيوني لتنفيذ عمليات عسكرية ضد الجماعات الإرهابية العاملة في سيناء.
آخر عملية واسعة النطاق قام بها الجيش المصري ضد الإرهابيين المتمركزين في صحراء سيناء، جرت في عام 2018، والتي شاركت خلالها قوات الرد السريع المصرية المعروفة باسم “الصاعقة” والقوات الجوية بشکل نشط، وقتلت عددًا كبيرًا من العناصر التكفيرية. وبالطبع، يعمل الجيش المصري وقوات الأمن باستمرار علی تحديد العناصر المسلحة في سيناء، ويقومون بعمليات عسكرية ضدهم.
وعلى الرغم من أن العمليات المكثفة التي قامت بها قوات الأمن المصرية ضد الجماعات الإرهابية في سيناء منذ عام 2014، أدت إلى تحسن كبير في الوضع الأمني في المنطقة، إلا أننا ما زلنا نرى وجود عناصر إرهابية في هذه المنطقة وتنفيذ عمليات إرهابية ضد الجيش المصري.
من هم الإرهابيون في سيناء؟
على الرغم من أن قوات الأمن المصرية قد حددت مجموعات إرهابية مختلفة في سيناء، منذ بداية الهجمات الإرهابية على مواقع الجيش المصري من هذه المنطقة، ولکن أهم جماعة إرهابية في المنطقة هي جماعة “أنصار بيت المقدس”، التي تشكلت من العديد من الجماعات الإرهابية.
في عام 2014، تعهدت هذه الجماعة الإرهابية بالولاء لما يسمى بالخلافة الإسلامية(داعش)، وأعلنت الخلافة في منطقة سيناء، وحتى عينت أميرًا.
تعتقد الأجهزة الأمنية المصرية أن الذين جندتهم جماعة أنصار بيت المقدس، ليسوا مواطنين من دولة واحدة فقط، ولكنهم سافروا إلى سيناء من طرق مختلفة لمحاربة الجيش المصري.
العناصر المسلحة الليبية التي اکتسبت قوةً كبيرةً خارجةً عن سيطرة الحكومة المركزية بعد سقوط معمر القذافي في هذا البلد، هي إحدى الجماعات التي وصلت إلى سيناء للاشتباك مع الجيش المصري، وتعتقد الأجهزة الأمنية المصرية أن هذه العناصر المسلحة، إلى جانب إرهابيين آخرين متعددي الجنسيات، قد وصلوا إلى منطقة سيناء عبر أنفاق تحت الأرض في غزة، أو عبر الحدود الشرقية وحتى عبر خليج السويس.
في هذه الأثناء، أدلى الجيش المصري مراراً وتكراراً بتصريحات وحتى أعدّ أفلاماً وثائقيةً من هذه المنطقة، تظهر أن الإرهابيين في منطقة سيناء يوفرون جزءًا من نفقاتهم عن طريق زراعة وبيع جميع أنواع المخدرات، ويتم توفير جزء آخر من نفقاتهم من قبل أنصار تنظيم داعش الإرهابي.
إجراءات الحكومة المصرية لتأمين منطقة سيناء
بالنظر إلى أن منطقة سيناء منفصلة عن الجزء الرئيسي من جمهورية مصر العربية، والاتصال بين سيناء ومصر ممكن عبر قناة السويس، فقد أقامت الحكومة المصرية أنفاقاً تحت قناة السويس لتسهيل الاتصال بين شطري مصر.
وفي أحدث حالة، افتتح الرئيس المصري مؤخراً نفق “الشهيد أحمد حمدي 2” بمنطقة السويس، ومع احتساب هذا النفق، يوجد في مصر حاليًا 5 أنفاق منفصلة، تفصل الجزء الرئيسي من مصر من ثلاث مناطق، وتوصلها بمنطقة سيناء عبر المرور بقناة السويس.
وكانت الخطوة الثانية للحكومة المصرية في هذا المجال، هي بناء وتطوير مستوطنات جديدة للفقراء في منطقة سيناء، وخاصةً في شمال سيناء، حيث أن أحد أسباب جذب المواطنين المصريين إلى الجماعات الإرهابية في هذه المنطقة، هو الفقر المدقع وحتى العيش في البيوت الطينية والعشوائيات.
بالإضافة إلى ذلك، كان توفير موارد مياه الشرب في منطقة سيناء، ومشاريع الحكومة المصرية المولدة للعمالة في هذه المنطقة، من بين الإجراءات الأخرى التي اتخذتها الحكومة المصرية للقضاء على الأرضية التي توفر للجماعات الإرهابية في سيناء تجنيد العناصر الجديدة.
وفي المجال العسكري أيضاً، حاولت الحكومة المصرية السيطرة على أنشطة الجماعات الإرهابية في سيناء وكبحها، من خلال إنشاء قواعد عسكرية في صحراء سيناء وتوسيع العمليات العسكرية وبناء الجدار العازل على الحدود مع غزة.
کما أن افتتاح قاعدة “برنيس” العسكرية الكبيرة في العام الماضي على شواطئ البحر الأحمر، وعلى الرغم من أنه يسعى إلى تحقيق عدة أهداف، ومع ذلك نظرًا لانتشار القوات البرية والبحرية المصرية فيها، فإن لها وزنًا فعالًا جدًا في الدعم العسكري والاستخباري للعمليات المستقبلية للجيش المصري في منطقة سيناء.
وبالتالي، يبدو أن الحكومة المصرية حاولت إدارة أزمة انعدام الأمن في منطقة سيناء في بعدين، هما الأمني-العسكري والاجتماعي-الاقتصادي، وعلى الرغم من نجاحها الكبير منذ عام 2014، إلا أنها لم تتمكن بعد من تأمين المنطقة بالكامل.
وهذا الأمر قد يلعب لبعض الأسباب دوره في تنافس القوى الإقليمية في الملف الليبي أيضاً، وبالطبع فإن العناصر المسلحة الموجودة في سيناء هي إحدى أدوات الضغط لدی الحكومات التي تتعارض مع مصر في الملف الليبي.
ويُعتبر الدعم المالي والاستخباري للعناصر الإرهابية في سيناء، إلى جانب النسيج القبلي ومناخ منطقة سيناء التي تعد منطقةً مواتيةً للإختفاء والنشاط الإرهابي، من بين العوامل المؤثرة في استمرار وجود وأنشطة الجماعات الإرهابية في صحراء سيناء.
المصدر/ الوقت