آفاق تشكيل التحالف بين الأكراد السوريين؛ الأرضيات والعقبات
أفادت قناة “الميادين” الإخبارية أول أمس أن القوات الأمريكية في “الحسكة” و”كوباني” تعمل على تعزيز جبهة المصالحة الكردية-الكردية، لتقوية جبهة المعارضة السورية في شمال وشرق البلاد.
بالنظر إلى تعقيد النسيج السياسي والهويائي للأكراد السوريين، فإن تدخل القوى عبر الإقليمية يقوم على المصالح العابرة، ولا يمكنه تلبية المطالب الرئيسية لمختلف الجماعات الكردية في سوريا.
تاريخ تحالفات الأكراد السوريين
يشكل الأكراد السوريون حوالي 10 بالمائة من سكان البلاد. وتعود الجذور التاريخية للتحدي الكردي في سوريا إلى الحقبة الاستعمارية، عندما تم التنازل عن منطقة على الحدود التركية السورية العراقية في نهاية المطاف للأكراد، بموجب اتفاقية 1929 بين تركيا وفرنسا. وفي وقت لاحق، تم تقسيم هذه المنطقة إلى ثلاث محافظات، هي الحسكة (الجزيرة) والرقة وحلب.
ومع اكتشاف النفط في المناطق التي يسكنها الأكراد في سوريا، أصبحت قضايا الهوية الكردية متشابكةً مع قضية النفط، ومع تدخل البلدان عبر الإقليمية استمر تفكك وتعدد الأحزاب الكردية في سوريا حتى يومنا هذا. وينشط حتى الآن 37 حزبًا كرديًا في سوريا.
مع بداية الحرب الأهلية السورية، اعتقدت بعض الأحزاب الكردية بخلق جبهة موحدة ضد دمشق. وفي تموز 2015، وافقت الأحزاب الكردية على الاتحاد تحت عنوان جديد، هو “المجلس الأعلى الكردي السوري”.
تألف المجلس الأعلى الكردي السوري من فصيلين كرديين سوريين رئيسيين، هما “المجلس الوطني الكردي السوري” بقيادة “فيصل يوسف” و”مجلس غربي كردستان”.
کما تألف مجلس غربي كردستان من أحزاب كانت هي نفسها جزءًا من حزبين رئيسيين، هما “حزب الاتحاد الديمقراطي” و”حركة المجتمع الديمقراطي”. وهذان الحزبان قريبان من حزب العمال الكردستاني، علی الرغم من أن حزب العمال الكردستاني ينفي التدخل في شؤون الأكراد السوريين.
وكان من بين قادة هذين الحزبين صالح مسلم وآسية عبد الله وأنور مسلم وفرهاد طلو وطلال محمد. وفي فترة تشكيل المجلس الأعلى الكردي، كان قادة الحركة الأخيرة أشخاصاً مثل آلدار خليل وعابد خليل وعيسى حسو وهدية علي.
بالنظر إلى الغموض حول مستقبل قوة الرئيس السوري بشار الأسد أو المعارضة السورية، اعتقد قادة الاتحاد الديمقراطي أنه يجب رسم خط ثالث لا يکون قريبًا لا من الأسد ولا من المعارضة السورية. وقد أدى هذا إلى تشكيل تيارٍ تطلق عليه الأحزاب المؤيدة لحزب الاتحاد الديموقراطي وحزب العمال الكردستاني اسم “ثورة غرب كردستان” أو “روج آفا”. وقد دعم هذا التيار النظام الاجتماعي السياسي للإدارة الذاتية الديمقراطية للمنطقة التي يطلقون عليها “غرب كردستان”.
وبعد بضع سنوات، في مارس 2016، أعلن الأكراد السوريون بقيادة حزب الاتحاد الديمقراطي، عن “الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا” الذي اتحدت فيه ثلاث كانتونات كردية مهمة. من جهة أخرى، سعوا إلى انتقال سياسي بمشاركة جميع الأطراف السورية.
ولكن لم يتم الترحيب بالاتحاد السوري الشمالي بشكل جيد. وحصلت هنالك ردود فعل وانتقادات حادة تجاهه، والعديد من الحكومات الغربية التي قبلت بها في السر، قالت إنها لا تدعم الاتحاد السوري الشمالي بسبب رد الفعل السلبي للمجموعات داخل سوريا وبعض دول المنطقة.
وقد أظهرت التجربة أن تحالفات الأحزاب الكردية السورية قصيرة ومؤقتة. تماماً كما انهار نظام الحكم الذاتي الديمقراطي في غرب سوريا بعد فترة، أو خسر المجلس الأعلى الكردي السوري جاذبيته بعد فترة. حتى أن مصير الاتفاقات السابقة مثل “دهوك” بين بارزاني وأنصار أوجلان في 2014، في حالة من الغموض.
بعد إعلان الانسحاب الأمريكي من شمال سوريا وغزو تركيا لهذه المناطق، أصابت أزمة أكثر خطورةً الأحزاب الكردية السورية. وهكذا، في أواخر ديسمبر وافق الأكراد السوريون على تحول سياسي نحو الأسد، ونتيجةً لذلك سيطر الجيش السوري على بعض المناطق التي کان الأكراد يسيطرون عليها، مثل مدينة “تل تمر”.
إعادة توحيد الأكراد، الأرضيات والعقبات
أثارت خيانة ترامب للأكراد وغزو تركيا لشمال سوريا، انتقادات حادة لسياسة البيت الأبيض المضطربة في سوريا. من ناحية أخرى، استمر الأكراد السوريون، الذين كانوا يميلون نحو دمشق، في البحث عن مسار منفصل للوحدة الداخلية والتماسك، بدعم من بعض القوى عبر الإقليمية.
“مظلوم كوباني” قائد ما يسمى بقوات سوريا الديمقراطية(قسد)، بذل جهودًا جديدةً لفتح جبهة جديدة في شرق سوريا منذ أواخر الخريف. وإدراكًا منه لشخصية ترامب التجارية، سعى كوباني إلى الحصول على تمويل للجبهة السورية الجديدة من السعودية والإمارات، حتى يتمكن من جذب التمويل العربي والدعم السياسي الأمريكي، من خلال الوعد باتخاذ إجراءات ضد محور المقاومة في سوريا.
وفي هذا الصدد، التقى بقبائل عربية من دير الزور ومسؤولين من الإمارات والسعودية، وبعد ذلك وافق السعوديون على تمويل وتدريب الميليشيات العربية المسماة “الصناديد”، وکذلك قوات “النخبة” التابعة لتيار “الغد” بقيادة “أحمد عاصي الجربا” الرئيس السابق للائتلاف السوري المعارض في سوريا. وربما كانت هذه هي الخطوة الأولى للاستراتيجية الجديدة لقوات سوريا الديمقراطية لإعادة بناء التماسك الحزبي، بعد الغزو التركي لشمال سوريا.
وسبق أن قال مظلوم كوباني عن التعاون مع حكومة دمشق: “نحن لا نثق بوعودهم. بصراحة، من الصعب جداً معرفة من تثق به.”
تحاول الولايات المتحدة، بعد الاطمئنان من تمويل الأكراد والعشائر السورية من قبل التحالف العربي، أن تلعب دور الداعم للأكراد والعشائر في شمال وشرق سوريا والضامن للتماسك بينهم، دون أن تتحمل تكلفةً.
وفي الآونة الأخيرة، ركزت الوحدة العسكرية التابعة للجيش الأمريكي “روباك” على التوافق الكردي-الكردي، لتغيير المعادلات السياسية والعسكرية في شمال وشرق سوريا.
کما کانت السعودية قد أرسلت مستشارها “ثامر السبهان” إلى محافظة دير الزور السورية، قبل غزو تركيا لشرق الفرات. وخلال هذه الزيارة، التقى السبهان بمبعوث وزارة الخارجية الأمريكية الخاص بالشؤون السورية “جويل ريبورن” والمستشار الرئيسي لقوات التحالف الأمريکي “ويليام روباك”، وبعض زعماء العشائر في هذه المنطقة.
ولكن هنالك بعض القضايا المهمة التي تلقي بظلال من الشك الشديد على آفاق السياسة الجديدة لواشنطن:
1. هناك خلافات عميقة بين القطبين الرئيسيين للقوی الكردية في سوريا، أي أنصار أوجلان ومؤيدي بارزاني، والتي لا يمكن حلها بواسطة تحالفات تديرها الحكومات الغربية؛ وقد فشلت خطة “روج آفا” في السابق، لأن حزب الاتحاد الديمقراطي لم يبد أي اهتمام بقطع العلاقات مع حزب العمال الكردستاني.
2. بعد عملية “نبع السلام”، لم يعد الأكراد في غرب الفرات ومناطق مثل منبج وجرابلس والباب قادرين على المناورة. وفي شرق الفرات وإدلب أيضاً، تتغير المعادلات الجيوسياسية بفعل تقدم الجيش السوري. لذلك، في الوضع الحالي من المستحيل الاعتماد على أمريكا التي ليست مستعدةً لدفع أي تکاليف في سوريا. من ناحية أخرى، فإن السعودية والإمارات ليس لهما تأثير يُذكر في شمال وشرق سوريا.
3. لا تزال هناك خلافات بين المجلس الوطني الكردي في سوريا وحزب الاتحاد الديمقراطي السوري. وفي هذا الصدد، قال “عبد الله عثمان” المتحدث باسم المجلس الوطني الكردي في سوريا، إن “الأكراد السوريين، مثل فترة نظام الأسد، لا يزالون تحت الضغط والقمع والظلم”.
4. القبائل العربية في المناطق الكردية أو في المناطق المجاورة، غير راضية عن سلوك حزب الاتحاد الديمقراطي باعتباره جوهر الوحدة الكردية. وفي وقت سابق، انتقد رؤساء 150 من القبائل والعشائر في المناطق الخاضعة لسيطرة الاتحاد الديمقراطي السوري، بشدة سلوك الأکراد، وخاصةً في قتل المدنيين والاعتقالات العشوائية وتهميش دور العشائر.
5. وأخيرًا، ستثير السياسة الأمريكية المزدوجة رد فعل عنيفًا من تركيا والمزيد من التوترات في شمال سوريا. وعلى مدى العام الماضي، تسببت سياسة واشنطن المزدوجة في حدوث اشتباكات عنيفة بين الأكراد وتركيا.
المصدر/ الوقت