التحديث الاخير بتاريخ|الإثنين, نوفمبر 18, 2024

مشروع واشنطن الجديد ضد الحشد الشعبي وإحكام قبضتهم على السلطة في العراق 

إن دعم وتعزيز الخلايا النائمة التابعة لتنظيم داعش الإرهابية في أنحاء مختلفة من العراق هو سيناريو بديل لواشنطن، يرافقه مباركة الأنظمة الرجعية في المنطقة، والأمريكيون كانوا يُعدّون العدة لهذا المشروع منذ عدة أشهر.
في النصف الأول من العام الماضي، اتبع عادل عبد المهدي، رئيس الوزراء العراقي، سياسات محلية وخارجية مختلفة لم يكن الأمريكيون يتوقعونها، وبالتالي أثارت غضبهم للغاية. ومن جملة هذه السياسات والإجراءات، زيارة الصين وإبرام عدة اتفاقيات مهمة معها، زيارات مكثفة مع روسيا، فتح معبر القائم والبوكمال الحدودي (إنشاء طريق بري بين البحر الأبيض المتوسط وطهران)، إصدار مرسوم يوحّد قوات الحشد الشعبي والقوات المسلحة وكشف دور الصهاينة في مهاجمة المقرات العسكرية التابعة لقوات الحشد الشعبي، وهي إجراءات لم تُعجب الإدارة الأمريكية بتاتا.
كما فرض الأمريكيون الكثير من الضغوط على الحكومة العراقية لتقليل التعاون الاقتصادي مع إيران إلى الحد الأدنى، والمشاركة في تنفيذ العقوبات الإقتصادية حتى تصبح طهران معزولة دوليا أكثر فأكثر، لكن عادل عبد المهدي لم يستسلم لهذه الضغوط، الأمر الذي جعل واشنطن أكثر تصميما على الانتقام من الحكومة العراقية.
كان الانقلاب العسكري أول مشروع أمريكي للإطاحة بالحكومة العراقية، والذي كانوا على وشك تنفيذه بالتعاون مع اللواء عبد الوهاب الساعدي، لكن عادل عبد المهدي بمساعدة حلفائه، تمكن من كشف خيوط المؤامرة وإحباطها وأقال الساعدي من منصبه في قيادة قوات مكافحة الإرهاب وأحاله الى أمرة وزارة الدفاع.
أما السيناريو الثاني للبيت الأبيض، كان إثارة أعمال الشغب والفوضى في وسط وجنوب العراق لعدة أشهر للإطاحة بحكومة عبد المهدي، مستغلا الظروف الاقتصادية والاحتجاجات السلمية، وعلى الرغم من اضطرار رئيس الوزراء لتقديم إستقالته، فإن الأمريكيين لم يحققوا بذلك جميع أهدافهم، التي من ضمنها حل الحشد الشعبي وبث الفرقة بينهم لإثارة صراع شيعي شيعي، والذي فشلوا فيه حتى الان.
ومن الغايات الأخرى للإدارة الأمريكية لإحكام قبضتها على السلطة في العراق، ترشيح محافظ النجف الأشرف السابق، عدنان الزرفي، من قبل رئيس الجمهورية العراقي برهم صالح وبالتعاون مع بعض القوى السياسية، لتشكيل الحكومة المقبلة دون الرجوع الى قرار الكتلة الأكبر في البرلمان العراقي.
إن ترشيح عدنان الزرفي، الحامل للجنسية الأمريكية، لتشكيل الحكومة المقبلة، صاحَبَه دعم وضغوط أمريكية لتمرير حكومته، وفي المقابل أثار ترشيحه معارضة واسعة النطاق من قبل الأحزاب الشيعية، حيث عدّوا تكليفه بتشكيل الحكومة انتهاك واضح للدستور، وواجه رئيس الجمهورية ايضا انتقادات واسعة من قبل الأحزاب السياسية والرأي العام.
كما كان أحد الأهداف الرئيسية للبيت الأبيض من إعادة عدنان الزرفي إلى السلطة، إعادة العراق إلى المحور الأمريكي، لمنع تنفيذ قرار البرلمان العراقي بإخراج القوات الأجنبية من العراق، الذي أقره البرلمان بعد استشهاد ابو مهدي المهندس على يد القوات الأمريكية، لكن إتفاق الأحزاب الشيعية لترشيح مُكلف جديد لمنصب رئاسة الوزراء، قلل من فرص عدنان الزرفي في الوصول إلى السلطة إلى الصفر.
وعلى الرغم من استياء الأمريكيين إلى حد كبير بعد رفض تمرير حكومة عدنان الزرفي، إلا أنهم ما زالوا يتبعون سيناريو ملئ فراغ السلطة في العراق بمشاريع خطيرة، حيث ستساعدهم هذه الاستراتيجية على عدم فقدان نفوذهم في البلاد وكذلك تأخير طرد قواتهم.
إن دعم وتعزيز الخلايا النائمة التابعة لتنظيم داعش الإرهابية في أنحاء مختلفة من العراق هو سيناريو بديل لواشنطن، يرافقه مباركة الأنظمة الرجعية في المنطقة، والأمريكيون كانوا يُعدّون العدة لهذا المشروع منذ عدة أشهر.
ومع تزايد الهجمات الإرهابية من قبل خلايا داعش السرية منذ شهرين، كانت هناك مؤشرات تدل على أن الأمريكيين كانوا يهدفون إلى إعادة القوة المفقودة لهذه العصابة وزعزعة استقرار العراق وممارسة المزيد من الضغط على قوات الحشد الشعبي، وتزامنا مع هذه الأحداث، أعلن قادة فصائل الحشد الشعبي عن تزايد التحركات الأمريكية في مناطق حدودية مشتركة وحذروا من دخول إرهابيين من الأراضي السورية وإعادة نشرهم في العراق.
وفي فجر يوم الجمعة الماضي المصادف 1 أيار / مايو، نفذ إرهابيوا تنظيم داعش الإرهابي أحد أعنف الهجمات على مقاتلي الحشد الشعبي وقوات الأمن العراقية في منطقة مكيشيفة، التي تقع على بعد 40 كم من جنوب تكريت و 130 كم عن شمال بغداد. هذه المنطقة هي جزء من مدينة سامراء وهي نقطة الاتصال بين تكريت وسامراء.
وفي الوقت نفسه، شنت احدى الخلايا النائمة الأخرى التابعة للتنظيم المزودة بمعدات عسكرية حديثة، هجمات ارهابية من أربعة محاور على القوات العراقية في مناطق “تل الذهب، يثرب، مطيبيجة، إلخ” في ضواحي سامراء؛ قُتل على اثرها 11 مقاتلاً من قوات الحشد خلال هذه الاشتباكات بالاضافة الى 9 عناصر من القوات الأمنية التابعة لعمليات دجلة.
وفي نهاية المطاف، تمكن اللواءان 35 و 41 من لواء الحشد الشعبي، وقيادة عمليات دجلة، والشرطة الاتحادية، بدعم من مقاتلي سرايا السلام وطيران الجيش العراقي، من صد الهجمات الإرهابية في هذه المناطق واعتقال عدد منهم بعد ساعات من القتال العنيف.
وبحسب مصادر ميدانية، فإن السيناريو الأمريكي لدعم إرهابيي داعش وزيادة الهجمات ضد مقاتلي الحشد الشعبي وزعزعة الأمن والاستقرار، تستهدف جنوب وشرق محافظة صلاح الدين، وشمال شرق وشمال وشمال غرب وغرب محافظة ديالى، وجنوب وغرب محافظة كركوك والمناطق الغربية من محافظة الانبار.
وتفيد المعلومات ان التحركات الأمريكية الأخيرة، تمحورت في الشريط الحدودي المشترك بين محافظتي الأنبار ونينوى مع سوريا، وتضيف المعلومات ايضا ان الارهابيين دخلوا الى الأراضي العراقية من هذه المناطق تحت غطاء واشنطن حيث يهدفون لزعزعة الأمن في البلاد. وتشير التقارير، ان مجموعة من إرهابيي داعش، دخلوا من محافظة الحسكة شرق سوريا الى منطقة البعاج في محافطة نينوى شمال غرب العراق بمساعدة من الأمريكيين لتنفيذ عمليات ضد قوات الحشد الشعبي.
إن الأهداف الرئيسية للمحور الغربي العربي الصهيوني، وخاصة الأمريكيين، من إعادة الإرهابيين إلى الساحة وشن الهجمات الارهابية، لا تقتصر فقط على فرض المزيد من الضغوط على قوات الحشد الشعبي في ساحة المعركة، بل هنالك مساعي للتضييق على نواب فصائل المقاومة في البرلمان العراقي لفرض السيطرة على السلطة في العراق، بغية الغاء قرار طرد القوات الأجنبية من العراق.
ومن ناحية أخرى، يحاول الأمريكيون إجبار مقاتلي الحشد الشعبي على مغادرة المناطق الشمالية والغربية والوسطى من العراق، بما في ذلك محافظات صلاح الدين ونينوى والأنبار وكركوك، عن طريق دعمهم للخلايا النائمة لتنظيم داعش، لأن انسحاب قوات الحشد الشعبي من هذه المناطق المهمة والاستراتيجية، تُمكّن الخلايا النائمة لداعش من اجراء تحركات أكبر في هذه المناطق وتمكنهم ايضا من إعادة تأهيل عناصرهم دون أي ضغوط، وسوف يفتح ذلك الطريق أمام الأمريكيين في هذه المحاور، لأن قواعدهم العسكرية تتواجد في هذه الأماكن.
ومن جانب آخر، فإن الجماعات البعثية لا تزال متواجدة في بعض مناطق محافظات صلاح الدين ونينوى والأنبار وكركوك، وفي حال انسحاب قوات الحشد الشعبي من هذه المناطق، سيُسفح المجال أمام البعثيين لتنفيذ مؤامراتهم بدعم دولارات النظام السعودي والأسلحة الأمريكية، بل ويمكنهم أن يعرضوا أمن العاصمة بغداد للخطر. كما سيؤدي انسحاب قوات الحشد الشعبي إلى دفع بعض الجماعات المتشددة في إقليم كردستان للاستيلاء على المناطق النفطية في محافظة كركوك والحصول على مزيد من التنازلات من الحكومة المركزية.
تُظهر التطورات الميدانية أن هجمات الخلايا النائمة التابعة لعصابات داعش الإرهابية ستستمر بدعم واضح من الأمريكيين، بل إنه من الممكن زيادة عملياتهم العسكرية، لكن الهدف الرئيسي للإرهابيين ليس احتلال المناطق لأنهم لا يملكون القوة لحماية الأرض، بل أنهم في الوقت الحاضر، يتبعون استراتيجية ممارسة ضغوط على قوات الحشد الشعبي العراقي وزيادة القتلى في صفوفهم.
المصدر / الوقت

طباعة الخبر طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق ارسال الخبر الى صديق

اضافة تعليق