هل تنجح خطة “عون” الاقتصادية، وماذا عن الحريري
تحت عنوان “اللقاء الوطني المالي” اجتمع الأفرقاء اللبنانيون على طاولة “بعبدا” بدعوة من الرئيس اللبناني ميشال عون، وذلك لطرح خطة اصلاحية اقتصادية_مالية غايتها اخراج لبنان من أزمته المالية وتجنب وصوله إلى خطر الانهيار الاقتصادي، الامر الذي سينعكس على السياسة والمجتمع وقد يدخل لبنان في فوضى كبيرة، قد نعرف بدايتها ولكن نهايتها ستكون مجهولة ومفتوحة على جميع الاحتمالات، لذلك جاءت دعوة الرئيس عون لتجنب هذه المخاطر وانقاذ لبنان قبل فوات الآوان.
حاولت بعض الأطراف عرقلة هذا الاجتماع وعلى رأسهم سعد الحريري، ولكن حلفاء الحريري كان لهم موقف آخر أكثر عقلانية، حيث رطب كل من جنبلاط وسمير جعجع الأجواء لكونهم يعلمون جيدا أن عدم الحضور سيكون له نتائج سلبية جدا ستنعكس عليهم وعلى احزابهم ومناصريهم لا محالة، وتشير الاوساط الى ان تذرع المستقبل بأن دعوة عون رئاسية وتلغي دور الحكومة ومجلس النواب وتصادر دورهم التشريعي، هو لذر الرماد في العيون ولتبرير المقاطعة لموضوع يعتبر انه وطني ويهم “المستقبل” المشارك في مجلس النواب بفعالية وبكتلة مقبولة من 19 نائباً وعلى هذه الكتلة مسؤولية وطنية في هذا الظرف الصعب.
الرد الصادر من بعبدا قبل ايام على اعلان المستقبل المقاطعة ظهراً، يؤكد الكباش الحاصل ورغبة المستقبل في تصفية الحسابات السياسية مع العهد ودياب. وظهر الحريري في المقاطعة وحيدا ومعزولاً في جبهة معارضة لن يسير اليها جنبلاط برجليه ويعزل نفسه. والذي وفق الاوساط ليس له مصلحة بعدم الحضور شخصياً، بينما يتعامل جعجع بواقعية مع الحكومة والعهد وببراغماتية سياسية. اذ ان السلبية لا تخدم في الشارع في ظل حراك يصوب على الجميع، وفي خضم ورشة نيابية واصلاحية يفترض ان يكون الجميع مشاركاً فيها.
أوّل الأسبوع حطّ وليد جنبلاط في القصر الجمهوري، بعد أيّام على شنّه هجومًا على العهد ورموزه. نجحت حينها مساعي اللواء عباس ابراهيم، وايحاء عين التينة بضرورة ترطيب الأجواء، في دفع جنبلاط نحو التنازل نوعًا ما، تراجع عن موقفه السلبي السوداوي من الحكومة وتوقّفت حملات نوّابه على العهد. وبعيدًا عن ما طلبه في القصر لجهة تعيين قائد الشرطة القضائية وأحد نوّاب حاكم مصرف لبنان، إلّا أن جنبلاط يعلم جيدّا أن زيارته لرئيس الجمهورية ليست سوى طعنًا بظهر حليفه سعد الحريري. ترطيب الأجواء استكمل مع اعلان جنبلاط اعتذاره عن حضور اللقاء الوطني المالي لأسباب صحّية لا سياسية. حفظ ماء وجهه مع حليفه ولم ينخرط في محاولة تطويق العهد مجدّدًا.
أمّا العامل الأهم فكان حضور سمير جعجع إلى قصر بعبدا. جعجع الذي لطالما سعى لإبعاد الحريري عن باسيل وعون مطلقًا النار بغزارة على التسوية الرئاسية، حطّ اليوم في بعبدا لمناقشة الخطّة الحكومية الإقتصادية علميًا ونقطة بنقطة، تاركًا حليفه السابق يشاهد تفنيده للنقاط على منبر القصر من على شاشة التلفزيون.
كسرَ جعجع بحضوره محاولات التطويق، وسحب البساط من تحت سليمان فرنجية وسعد الحريري ونجيب ميقاتي وربّما سامي الجميّل. عقلانيّة جعجع يصفها مصدر متابع أنّه على قدر المرحلة، يعي من خلالها الرجل تمامًا حساسية وخطورة ما تمر به البلاد، فأراد لعب دور المعارضة الإيجابية عن تلك المعطّلة، فألزم نفسه بالحضور لإنتفاء الحجّة المنطقيّة عن الغياب، وأرسى فكرة وقوف رئاسة الجمهورية على مسافة واحدة من رؤساء الكتل، لمحاولة انقاذ البلاد وتطبيق الخطة الحكومية بعيدًا عن الكيديّة والعرقلات غير المجدية. قد يكون جعجع الفارغ من أي وعود خارجية حقيقية حاليًا، ارتأى اعتماد تكتيك جديد غير تقليدي ولا يشبه فشل المراحل الماضية.
وسريعاً، اجتاحت تغريدات مناصري “تيار المستقبل” الذي يرأسه رئيس الحكومة السابق سعد الحريري، والذي كان أول من أعلن مقاطعة اللقاء، مواقع التواصل الاجتماعي مهاجمة جعجع، الذي تخلى برأيهم عن حلفائه، وتحديداً الحريري، في تكرار لمناسبات ماضية أشعلت معارك ثنائية كبيرة بين مناصري الحزبين.
مصدر سياسي رفيع يرى بأنّ مشهد بعبدا يوم أمّس وجّه ضربةً قاضيةً لمساعي السفيرة الأميركية في تفجير البلاد بوجه العهد وحزب الله، وتاليا الحكومة. يعتبر أنّ سماح دوائر القصر الجمهوري لرئيس حزب القوات التصريح بأريحية من على منبر القصر وأمام الصحافيين كان المسمار الأخير في نعش محاولات إعادة توحيد فريق الرابع عشر من آذار.
يرجّح أن يكون لما حصل تبعات على العلاقة المتأزّمة أصلًا بين الحريري وجعجع، وكذلك على العلاقة بين جنبلاط والحريري.
موقف الحريري قد يكلفه الكثير في المستقبل، خاصة وانه قبل مدة لم يكتف بتجييش الشارع السني ونزول تيار “المستقبل” وانصاره وقطع الطرق في طرابلس، وامام منزل دياب في فردان، وعلى طريق الجية والناعمة والطريق الجديدة وقصقص، بل جمع حوله رؤساء الحكومات السابقين لتشكيل لوبي ضاغط ضد دياب لتطويقه ونزع الشرعية السنية عنه.
ومن الغائبين أيضاً عن دعوة الرئيس “عون”، رئيس “حزب الكتائب” النائب سامي الجميل، الذي كان سيحضر شخصياً اللقاء، لكنه أعلن في ساعات متأخرة من أمس الثلاثاء مقاطعته، وذلك بسبب خلاف داخلي حصل بين أعضاء الحزب، إذ انقسمت الآراء بين مؤيد للحضور ومعارض له، فكان قرار الجميل عدم حضور اللقاء الذي كان يفترض أن يحصل قبل إقرار الخطة الاقتصادية.
هذا وأعلن رئيس كتلة “الوسط المستقل” نجيب ميقاتي عدم حضور اللقاء لارتباطات مسبقة، والمشاركة من خلال النائب نقولا نحاس، في قرار عرّضه لهجوم من قبل مناصري “تيار المستقبل” الذين كانوا يحاولون تفريغ اللقاء من مضمونه. كذلك، غاب رئيس “الحزب التقدمي الاشتراكي” وليد جنبلاط عن اللقاء، وقد أبلغ ذلك إلى الرئيس عون خلال اجتماعهما، مكتفياً بإرسال ملاحظات خطية على الخطة الاقتصادية.
واستهل الرئيس عون كلمته التي نقلت مباشرة على الهواء، بالقول: “نعيش في ظل أزمة نزوح، وفيروس كورونا زاد من انسداد اقتصادنا، وانكماش اقتصادي، وتراجع الطلب والاستيراد كما التصنيع والتصدير، ونقص في العملات الأجنبية، وارتفاع لمعدلات البطالة والفقر كما ولأسعار السلع، وتهاوي سعر صرف عملتنا، وتراجع الإيرادات الضريبية وانحسار ضماناتنا الاجتماعية””.
ورأى أن الأزمات والانتكاسات تلاحقت منذ أكتوبر 2019، بعد أن توقفت المصارف عن تلبية طلبات مودعيها في يوليو/موز 2019، ودخلنا مرحلة شديدة التقلّبات، فأصبحت المعالجات أكثر إلحاحاً؛ ومن هنا أتت خطة التعافي المالي التي وضعتها الحكومة وفقاً لصلاحيتها المنصوص عنها في المادة 65 من الدستور.
وأضاف “الخطة إنقاذية، واكبها طلب المؤازرة من صندوق النقد الدولي، وهو الممر الإلزامي للتعافي إن أحسنّا التفاوض والتزمنا الإصلاح الذي ينشده شعبنا من دون أي إملاء أو وصاية، فنضع حداً لاستنفاد الاحتياطات الخارجية ونحمي أموال المودعين ونحاول احتواء عجز الموازنة ومعالجة تدني المستوى المعيشي.
وبالإضافة إلى الإصلاحات الهيكليّة، والتي سعت إلى قسم منها الحكومات المتعاقبة، تهدف خطة الحكومة إلى تصحيح الاختلالات البنيويّة في الاقتصاد والمال، وإلى تأمين شبكات الأمان الاجتماعيّة والمساعدة المباشرة لمن هم أكثر حاجة، وإلى استعادة الثقة بنظامنا الاقتصادي والمالي”.
وشدد على أن الخطة الإنقاذية تهدف إلى خفض الدين العام بشكل يقي لبنان المخاطر المستقبليّة، ووضع الماليّة العامة على مسار مستدام، وتحقيق الشفافيّة من خلال التدقيق المالي، وإلى كشف الخسائر المتراكمة في مصرف لبنان وتصحيحها، وإلى إعادة الاعتبار إلى التسليفات للقطاعات الإنتاجيّة، كما ترمي إلى تطبيق تدابير إصلاحيّة لتعزيز النموّ وزيادة الإنتاجيّة، بالإضافة إلى تصحيح ميزان المدفوعات وتحسين القدرة التنافسيّة للاقتصاد، بالتوازي مع إصلاح مالي يركّز على استئصال الفساد وتحسين الامتثال الضريبي وضبط الهدر وحسن إدارة القطاع العام. كذلك تسعى إلى تجنيب الفئات الأقلّ مناعة من شعبنا تداعيات الأزمة وإلى تعزيز شبكات الأمان الاجتماعي، من ضمان وصحة وتربية وغيرها من الحاجات الحيوية.
بالإضافة إلى الدعم المالي الخارجي المطلوب، فإنّ نجاح خطة الحكومة وارتضاء التضحيات التي تستلزم، والتي تبقى، على صعوبتها، أقلّ حدّة من تداعيات انهيار اقتصادي ومالي شامل، إنّما يتطلبان اتحاداً وطنيّاً ووعياً عميقاً لما يهدد وجودنا وكياننا وهويّة لبنان. يقول عون.
المصدر/ الوقت