أجراس الحرب الباردة الجديدة تدق بين الولايات المتحدة والصين
أدى تدهور العلاقات بين الولايات المتحدة والصين في الأشهر الأخيرة إلى وصول العلاقات الثنائية بين هذه القوى العالمية الكبرى إلى أدنى مستوى لها منذ عقود. وخلال الأسبوع الماضي، هددت إدارة “ترامب” بإلغاء المرحلة الأولى من صفقة تجارية مع الصين، بل وهددت بفرض ضوابط جديدة وأكثر صرامة على تصدير المنتجات الأمريكية المرتبطة بالتقنيات التكنولوجية التي اشترتها الشركات الصينية. وتعمل واشنطن أيضا على إثارة نظريات المؤامرة حول تورط الحكومة الصينية في إنشاء فيروس “كورونا” ونشره عالميًا.
ومن ناحية أخرى، كشفت بعض المصادر الاخبارية، أن وسائل الاعلام التابعة للحكومة الصينية كانت أثناء محادثات التجارة الأمريكية الصينية العام الماضي، حريصة على تجنب توجيه الانتقاد المباشر لـ”ترامب”، ولكن خلال الاسابيع القليلة الماضية لم يعد ضبط النفس هذا خفياً، بل دأبت وسائل الإعلام الصينية خلال الفترة الماضية بشن هجمات اعلامية ضد “ترامب”. و تم تسريب أخبار من قبل وكالة أنباء “شينخوا” الصينية الرسمية، قبل عدة أيام، أشارت إلى وباء “كورونا” صنع في الولايات المتحدة ووصفت تلك الوكالة الرئيس “ترامب” بأنه “وباء”. وفي صعيد متصل، صرح مسؤول سابق في إدارة “ترامب” لوسائل الإعلام بأن تقرير وكالة الانباء الصينية “شينخوا”، اعتبره مسؤولو البيت الأبيض “تهديدًا مباشرًا”، وأنهم يقومون باخضاع وسائل الإعلام الصينية لرقابة دقيقة.
الوضع المتوتر في بحر الجنوب
في حين أن الولايات المتحدة والصين مشغولتان بالسيطرة على أوضاع تفشي فيروس “كورونا”، إلا أن الصراع الطويل بين هاتين القوتين في منطقة المحيط الهادئ، أقترب من نهايته في الأيام الأخيرة، حيث تسعى الولايات المتحدة إلى إعادة النظر في استراتيجيتها في محاولة سد الفجوة مع الصين. وتخطط وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاجون) لتجهيز قوات المارينز بنماذج صاروخية من نوع “توم هوك”، الذي يتم شحنه حاليًا إلى منطقة آسيا والمحيط الهادئ على السفن الأمريكية، كما يسرع أيضا “البنتاجون” من عملية إرسال أول صاروخ مضاد للسفن بعيد المدى منذ عقود إلى بحر الجنوب. في الواقع، مع رفع القيود المفروضة على معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية (NPF)، تخطط إدارة “ترامب” لنشر صواريخ كروز بعيدة المدى في منطقة آسيا والمحيط الهادئ.
وعلى صعيد متصل، كشفت بعض التقارير الاخبارية، عن حدوث تحول كبير في التكتيكات العسكرية الامريكية، حيث تم إرسال وحدات صغيرة ومتنقلة من سلاح مشاة البحرية الأمريكية، مسلحة بصواريخ مضادة للسفن، إلى تلك المنطقة ليتدربوا على ضرب السفن الحربية الصينية. وعلى مر السنين الماضية، قام جيش التحرير الشعبي الصيني بتوسيع قدراته التشغيلية بشكل كبير من خلال بناء جزر اصطناعية في بحر الجنوب وبناء مجموعة متنوعة من المعدات البحرية، مثل حاملات الطائرات والسفن الحربية والغواصات. وتعتبر الولايات المتحدة بحر الجنوب مياه دولية وتؤكد على الحق القانوني لسفنها وغواصاتها في الإبحار في هذا البحر. وفي عام 2016، تم تداول أكثر من 5.2 تريليون دولار عبر بحر الصين الجنوبي، مما يشير إلى أهميته الاستراتيجية.
ويأمل المسؤولون العسكريون الأمريكيون أنه في حالة نشوب صراع محتمل، سيتم نشر الوحدات في نقاط رئيسية في غرب المحيط الهادئ الذي يعبر الأرخبيل الياباني ويطوق البحار الساحلية للصين عبر تايوان والفلبين وبورنيو. وفي هذا السياق، أخبر قائد البحرية الأمريكية، الجنرال “ديفيد بيرغر”، لجنة القوات المسلحة بمجلس الشيوخ في الـ5 مارس الماضي، أن وحدات صغيرة من المارينز يمكن أن تساعد البحرية الأمريكية في السيطرة على البحار، خاصة في غرب المحيط الهادئ. وقال، “إن صاروخ توما هوك هو أداة تسمح لنا بالقيام بذلك”. ومع ذلك، خلص العديد من المحللين والمستشارين الحكوميين في كلا البلدين إلى أن الولايات المتحدة والصين تعيشان في وقتنا الحالي بالفعل في حرب باردة جديدة.
حرب “ترامب” التجارية وبطاقاته الضعيفة
البيت الأبيض، مثل الجيش في قطاع التجارة، لديه أمل ضئيل في دفع “بكين” إلى الوراء. نعم، لا تزال الصين اقتصادًا موجهًا للتصدير، والمستهلكون الأمريكيون هم أكبر العملاء للسلع الصينية، ولكن كانت حصة الصين من الناتج المحلي الإجمالي تبلغ 37 في المائة في عام 2007، أي أقل بقليل بـ20 في المائة عن يومنا هذا. وبالتأكيد، مع دعم أكبر للطلب المحلي، ستكون الصين قادرة على تحمل ضغوط التعريفات الجمركية الامريكية وغيرها من التدابير التي تهدف إلى الضغط على المصدرين.
الجدير بالذكر أن الولايات المتحدة تخوض معركة تجارية مريرة مع الصين، ففي العام الماضي، تبادل أكبر اقتصادين في العالم فرض رسوم جمركية على بضائع بعضهما البعض تصل قيمتها إلى مليارات الدولارات. وظل الرئيس الأمريكي “دونالد ترامب”، يتهم الصين منذ فترة طويلة بممارسات تجارية غير عادلة وبسرقات في مجال حقوق الملكية الفكرية. وفي الصين، ثمة تصور بأن الولايات المتحدة تحاول كبح نهوضها. وتظل المفاوضات بين الجانبين جارية لكنها لا تزال متقلبة. وتزداد شقة الخلاف بينهما بشأن قضايا، من بينها كيفية التراجع عن التعريفات الجديدة والتوصل إلى اتفاق. ولقد أثر هذا النزاع على الاقتصاد العالمي وأضر بالأعمال التجارية في جميع أنحاء العالم.
وخلال السنوات القليلة الماضية تمكنت الصين من بناء ثاني أكبر امبراطورية اقتصادية في العالم بعد الولايات المتحدة وبدأت خلال الفترة الماضية بالتوسع شرقاً وغرباً للبحث عن أسواق جديدة لصناعاتها وهذه الامور أدت إلى نشوف توترات بينها وبين الولايات المتحدة التي خافت من أن تتمكن بكين من السيطرة على اقتصاد العالم. وحول هذا السياق، كشفت العديد من التقارير الاخبارية، بأن واشنطن فرضت الكثير من الضرائب الجمركية على البضائع التي تصدرها بكين إلى امريكا بعدما اجتاحت الصناعات الصينية الكثير من بلدان العالم ولا سيما الولايات المتحدة. ولفتت تلك التقارير أن بكين واجهة الامر بالمثل وقامت بفرض ضرائب على البضائع الامريكية وهذه القضية زادت من حدة التوترات بين هذين البلدين. وعقب تفشي فيروس “كورونا” في العالم، تمكنت الصين من المحافظة على مستوى اقتصادها الذي لم يتأثر كثيراً، بل أن الاقتصاد الامريكي هو الذي تأثر كثيراً بسبب تفشي فيروس “كورونا” في المدن والولايات الامريكية ولهذا فلقد كشرت واشنطن عن انيابها خلال الفترة الماضية ووجهة أصابع الاتهام لبكين واتهمتها بأنها هي التي قامت بإنتاج هذه الفيروس ونشره في العالم ولكن بكين رفضت كل تلك الاتهامات.
وعلى صعيد متصل، كشفت بعض المصادر الصينية أن بكين وقعت اتفاقية مع الكيان الصهيوني لبناء أكبر محطة تحلية لمياه البحر على الشواطئ الفلسطينية لخدمة المشاريع الإسرائيلية. ولكن هذه الاتفاقية يبدو أنها لم تروق لقادة البيت الابيض، حيث كشفت بعض المصادر السياسية أن إدارة الرئيس الأمريكي “دونالد ترامب” طلبت من “تل أبيب” إعادة النظر في مشاركة الصين بمناقصة لبناء أكبر محطة لتحلية المياه في العالم في كيان الاحتلال. ووفقًا تلك المصادر، فلقد سعى مسؤولو البيت الابيض، إلى الحصول على توضيحات من إسرائيل فيما يتعلق بمشاركة شركة تسيطر عليها الصين، في إنشاء أكبر محطة لتحلية المياه في العالم، والتي ستقام في قرية “بلماحيم” الساحلية وسط الدولة العبرية. وفي الختام يمكن القول، أن إدارة “ترامب” ستستخدم قريبًا أدوات مختلفة، مثل العقوبات والسياسات التجارية الجديدة، لمعاقبة الصين. ونتيجة لذلك، في الأشهر والسنوات القادمة، يبدو أن التوترات بين الولايات المتحدة والصين سوف تتعمق وتتصاعد وسوف تصل إلى أوضاع خطيرة.
المصدر / الوقت