التحديث الاخير بتاريخ|الإثنين, نوفمبر 18, 2024

اليونان نحو إعادة العلاقات مع دمشق؛ الأسباب والأهداف 

أعلنت وزارة الخارجية اليونانية في 5 مايو 202، أنها سترسل مبعوثةً خاصةً إلى سوريا لاستعادة العلاقات مع هذا البلد. وذكر البيان الصادر عن وزارة الخارجية اليونانية أن “أثينا عينت “تاسيا أتاناسيو” کمبعوثة خاصة لوزارة الخارجية إلی سوريا، وستكون مهمتها مناقشة الشؤون الدولية والعمل الإنساني وتنسيق الجهود لإعادة بناء سوريا”.

وكانت أتاناسيو سفيرة أثينا في دمشق من 2009 إلى 2012، قبل تعليق نشاط البعثة الدبلوماسية اليونانية في سوريا.

حالياً هذه القضية مهمة للغاية من بعدين؛ الأول هو أن اليونان، باعتبارها واحدة من جيران تركيا والتي لديها خلافات تاريخية مع أنقرة، اتخذت هذا القرار في هذه المرحلة الحساسة الحالية للتطورات الميدانية في سوريا، والآخر هو أن اليونان هي واحدة من دول الاتحاد الأوروبي، وقرارها المستقل يتطلب بالتأكيد دراسةً وتحليلاً دقيقين. وبناءً على ذلك، يمكن اعتبار قرار يونان بإرسال مبعوثة خاصة إلى دمشق بأنه في غاية الأهمية.

الإنتقام من تركيا بسبب أزمة اللاجئين

إشارة اليونان الإيجابية للحكومة السورية لإعادة فتح السفارة في دمشق، يمكن تقييمها على أنها نوع من الانتقام من تركيا في مسألة إرسال لاجئين سوريين إلى حدود هذا البلد، أكثر من أي شيء آخر.

في الأشهر الأخيرة، وبعد تصاعد التوترات في إدلب، اتبع أردوغان سياسة الباب المفتوح للضغط على الحكومات الأوروبية لدعم مشروع أنقرة لإيواء عشرات الآلاف من اللاجئين السوريين في شمال سوريا، وقام بترحيل عدد کبير منهم إلى الحدود اليونانية. وتحول هذا الأمر إلی نوع من الأزمة للشرطة وحكومة أثينا، وواجهت الحكومة اليونانية موجةً من الضغوط لنوع التعامل مع النازحين.

في الوقت الحاضر، يمكن تقييم النوايا الحسنة للحكومة اليونانية تجاه دمشق على المستوى السياسي، على أنها إعلان رمزي عن العداء لسياسات أنقرة في سوريا. كذلك، يبدو أن الهدف المهم الآخر لأثينا هو منع أزمة اللاجئين وطالبي اللجوء، والتي جلبت المتاعب لأثينا بسبب تحرك تركيا نحو فتح حدودها في الأشهر الأخيرة.

لذلك، يبدو أن أثينا تنوي مواصلة الضغط على تركيا، من خلال التعاون مع السعودية والدول العربية المنافسة لترکيا في سوريا.

في الواقع، يمكن أن يعزز هذا الإجراء موقع دمشق في المعادلات السياسية بشكل كبير بعد انتصارها في المعادلات العسكرية، خاصةً مع سماع أخبار عودة سوريا إلى الجامعة العربية في قمة الجزائر، وقد يكون اتصال بن زايد بالأسد علامةً علی کون ذلك وشيك الوقوع.

الصدع في الوحدة والتحالف الاستراتيجي للاتحاد الأوروبي

يمكن النظر إلى الخطوة الإيجابية التي اتخذتها اليونان لتخفيف حدة التوترات مع الحكومة الشرعية السورية، على أنها علامة علی الصدع المتزايد بين الدول الأوروبية.

وتأتي خطوة الحكومة اليونانية بإرسال مبعوثة إلى دمشق، وسط دعوات من الاتحاد الأوروبي لمواصلة الضغط على حكومة بشار الأسد وعدم عودة اللاجئين. ذلك أن سياسة الاتحاد الأوروبي لا تزال تعتمد على استمرار الإجراءات العدائية تجاه بشار الأسد والحكومة الشرعية في سوريا.

لكن في مثل هذه الظروف، تتحرك أثينا في موقف مستقل، وعلى عكس الاستراتيجية الكلية للدول الأوروبية، نحو تخفيف التصعيد وإقامة علاقات دبلوماسية رسمية مع الحكومة السورية.

وهذا يعني أن اليونان، من جهة، غير راضية عن سياسات الاتحاد الأوروبي تجاه نفسها، وخاصةً فيما يتعلق باللاجئين الذين يتم إرسالهم إلى حدودها، وكذلك السياسات الاقتصادية للاتحاد الأوروبي لتقديم المساعدة المالية لأثينا.

ومن ناحية أخرى، وعلى عكس الماضي، لم يعد الاتحاد الأوروبي هو نفسه في اعتماد المواقف والاستراتيجيات الواحدة، کما نلاحظ هذا الانقسام بشکل واضح فيما يتصل بالعلاقات مع الصين، على سبيل المثال.

التوتر مع أنقرة حول موارد الغاز في البحر المتوسط

العامل المهم الآخر في قرار اليونان بتمهيد الطريق لإعادة فتح السفارة في دمشق، يمكن اعتباره بأنه يأتي في سياق نزاعها مع تركيا حول استخراج موارد الغاز في البحر الأبيض المتوسط.

بناءً على التقديرات حول حقول غاز شرق البحر الأبيض المتوسط، يحتوي حقل “أفروديت” للغاز على ساحل قبرص على حوالي 8 آلاف مليار متر مكعب من الغاز، وحقلا “تمر” و”لوياثان” على ساحل الکيان الإسرائيلي علی 11 و 22 ألف مليار متر مكعب على التوالي، وحقل “ظهر” على الساحل المصري علی نحو 30 ألف مليار متر مكعب من الغاز.

لكن هيئة المسح الجيولوجي الأمريكي تقدر أن حجم الغاز الطبيعي تحت الماء في شرق البحر الأبيض المتوسط، أعلى بكثير من الأرقام الحالية. وتقدر الهيئة أن هناك ما مجموعه حوالي 350 ألف مليار متر مكعب من الغاز القابل للاستخراج في هذه المنطقة.

حالياً تزعم تركيا وأردوغان أن أنقرة هي الوحيدة التي يمكنها استخراج معظم موارد الغاز في منطقة البحر الأبيض المتوسط، بناءً على استنادهم إلی اتفاق مع الحكومة الليبية.

وبحسب أردوغان، وفقًا للاتفاق مع ليبيا، يمكن لتركيا الحفر في مياه ليبيا للتنقيب عن حقول النفط والغاز، وهذا لا يتعارض مع القانون الدولي. لكن هذا الموقف قوبل باحتجاجات من دول أخرى.

حجة الحكومة التركية هي أن الجهات الدولية الأخرى لا يمكنها إجراء عمليات الحفر والاستكشاف في هذه المنطقة. وعلى وجه التحديد، لا يُسمح للجزء اليوناني من قبرص ومصر والکيان الإسرائيلي واليونان ببناء خط نقل الغاز في هذه المنطقة، دون الحصول على إذن من تركيا.

الحكومة اليونانية تنتقد بشدة نهج الحكومة التركية، وهي ليست مستعدة بأي حال من الأحوال لقبول موقفها بشأن استخراج موارد غاز البحر الأبيض المتوسط.

لذلك، يبدو أن السلطات السياسية في أثينا تحاول الآن الضغط على أنقرة، من خلال الاقتراب من منافسي تركيا الإقليميين، مثل زيارة السعودية في وقت سابق من هذا العام، وكذلك استئناف العلاقات مع دمشق.
المصدر / الوقت

طباعة الخبر طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق ارسال الخبر الى صديق

اضافة تعليق