خرق الهدنة شمال غرب سوريا وانعكاساته على اتفاق موسكو
كان من المتوقع جداً ألا يستمر “اتفاق موسكو” بين تركيا وروسيا لأكثر من شهرين بناء على المعطيات الموجودة على ارض الواقع، خاصة وأن هناك تعارض كبير بالمصالح بين موسكو وانقرة والأهم أن الرئيس التركي رجب طيب اردوغان عجز في المرات السابقة عن ضبط المسلحين بعد ان تعهد للروس بمنعهم عن اختراق اي هدنة، وبالتالي فإن خرقهم لهدنة موسكو الأخيرة في شمال وشمال غرب سوريا لم يكن صادما أو مفاجأً، ولكن عواقبه ستكون صادمة لمن خطط له ومن نفذه.
قبل يومين شنّت مجموعات مسلحة تُدين بولائها لتركيا هجوما عنيفا على قوات الجيش السوري المتمركزة في سهل الغاب شمال غرب مدينة حماة وسيطرة على قرية المنارة “الطنجرة”، بعد أن أوقعت خسائر في صفوف الجيش السوري أسفرت عن استشهاد أكثر من عشرين جنديا في صفوف القوات السورية، مقابل مقتل اعداد كبيرة من المسلحين.
الهجوم اعتبر خرقا للهدنة شنته مجموعة من الفصائل المسلحة، والتي تضم كلا من “تنظيم حراس الدين”، “جبهة أنصار الدين”، “جبهة أنصار الإسلام”، والحزب التركستاني الإسلامي المكون من مجموعات قاعدية شكلتها تركيا من الجنسيات التركمانية، كما كانت تضم فصيل “أنصار التوحيد” الذي أعلن تركه لها في 3 من أيار الحالي.
وأعلنت غرفة عمليات “وحرض المؤمنين”، التي تضم هذه الجماعات سيطرتها على قرية “الطنجرة”، في المقابل رد الجيش السوري على مصادر الهجوم وقتل اعداد كبيرة من المسلحين، ويمهد الجيش حاليا لاستعادة السيطرة على جميع المناطق التي خرجت عن سيطرته، وقد لايكتفي بذلك وبهذا تكون هذه الفصائل قد جنت على نفسها، خاصة وان الجميع يعلم ان الغلبة أصبحت للجيش السوري في جميع الساحات، وبالتالي فإن اي اقدام من طرف الجيش السوري في المستقبل القريب سيكون مبررا، في اطار مهمة الجيش الوطنية في حماية المدنيين من الارهاب.
المصادر السورية تحدثت عن الهجوم الأخير، وذكرت ان المسلحين استخدموا خلال الهجوم العربات المفخخة والانتحاريين وصواريخ التاو وصواريخ الغراد ما ينذر بانهيار الهدنة، ويقوم الجيش السوري بقصف مواقع تمركز الفصائل المسلحة في المنطقة وقصف بالمدفعية وراجمات الصواريخ قرى العنكاوي والقاهرة وقليدين شمال غرب حماة، كما استهدف قصف صاروخي بلدة كنصفرة واطراف قرية عين لاروز والموزرة في جبل الزاوية جنوب إدلب، وتقول المصادر أن الجيش السوري يحشد في المنطقة لتنفيذ هجوم معاكس على الفصائل المهاجمة.
هل تقف تركيا خلف هذا الهجوم وما الابعاد المترتبة على ذلك؟
أولاً: جميع الشكوك تحوم حول ان تركيا هي من يقف خلف هذا الهجوم، لانها صاحبة المصلحة الأكبر منه، وفي المقابل تحاول الا تكون في الواجهة خوفا من اي تبعات أو ردة فعل من قبل روسيا أو الجيش السوري، ولكن ضبط هذه المجموعات المسلحة، أليس مسؤولية تركيا وفقا للاتفاق الموقع بينها وبين روسيا في موسكو في الخامس من شهر آذار الماضي.
ثانياً: نعتقد أن تركيا استشعرت بعض الآمان خلال الفترة الماضية، بعد أن بدأت تسيير دوريات مشتركة مع الحانب الروسي على الطريق الدولي ام 4، الأمر الذي اعطاها المزيد من الثقة بالنفس وبأنها صاحبة تأثير كبير في المشهد السوري، والاهم بالنسبة لها هو توقف العمليات العسكري لأكثر من شهرين، الامر الذي مكنها من حشد قواتها من جديد واعادة التمركز في نقاطها السابقة، وما فعلته ليس الا محاولة لاستفزاز الجيش السوري، لدفعه نحو خرق الهدنة واستغلال هذا الامر في الميدان وفي الداخل التركي وفي المحافل الدولية.
ثالثاً: بدأت تظهر لدى الجانب التركي مخاوف بعد أن غرقت الولايات المتحدة الأمريكية في مشاكلها الداخلية على خلفية أزمة كورونا، الأمر الذي قد يدفع الرئيس الامريكي دونالد ترامب، لإعادة التفكير بسحب القوات الامريكية من شمال شرق سوريا كما حصل في اذار من العام 2018، وبالتالي تمهيد الطريق امام عقد اتفاق بين وحدات حماية الشعب الكردية ودمشق، خاصة وان هناك محاولات سابقة في هذا الاتجاه، وهذا آخر ما تريده تركيا، لأن عقد مثل هكذا اتفاق سيعني بالضرورة خسارتها لأي تأثير داخل سوريا، وبداية نهاية تواجدها هناك، لذلك تتعمد مجددا لاثارة البلبلة لجذب انظار المجتمع الدولي مجددا نحو سويا.
الأهم أن خروج الولايات المتحدة الامريكية من سوريا، يعني زيادة نفوذ روسيا من جهة، وتعاظم قوة وقدرة الجيش السوري من جهة اخرى، وبالتالي شلل تام لاي محاولة عسكرية تركية جديدة داخل سوريا.
رابعاً: ما يؤكد لنا ان لتركيا يد في الهجوم المسلح الاخير على الجيش السوري، أن الحزب التركستاني الإسلامي الذي شكلته تركيا كان من ابرز المهاجمين، وبالتالي لن يقوم هذا الحزب بمهاجمة الجيش السوري دون ضوء اخضر من تركيا، وما تريده انقرة إحداث نوع من الخرق الذي يحرج الدولة السورية ويجبرها على القيام بأعمال عسكرية، بما يسمح لأنقرة التذرع بأنه انتهاك للاتفاقات السابقة، المتعلقة بوقف العمليات العسكرية على جانبي الطريق الدولي حلب اللاذقية.
خامساً: الهجوم الاخير يمهد لتمزيق بنود الاتفاق الاخيرة وفتح النار مجددا على جميع الجبهات، كما حصل بعد اتفاق سوتشي 1 وسوتشي 2، والاهم ان القيادة السورية لن ترضى بمثل هذه الاتفاقات بعد الآن، فكيف يمكن ان تقبل بقرار يجعل احدى محافظاتها خارج سيطرتها، خاصة وان هدفها تحرير كامل تراب البلد حتى آخر ذرة.
المصدر / الوقت