سر الكشف عن هوية سعودي متورط في هجمات 11 سبتمبر بـ”الخطأ”
لا نعتقد اطلاقا بأن الولايات المتحدة الأمريكية ستتوقف عن مضايقة السعودية في المرحلة المقبلة، حتى لو كان الأمر عن طريق “الخطأ”، كما حصل قبل يومين عندما كشف مكتب التحقيقات الفيدرالي الأمريكي “اف بي آي” عن طريق “الخطأ”هوية مسؤول غامض في السفارة السعودية في واشنطن يشتبه في أنه ساعد اثنين من منفذي هجمات 11 سبتمبر/أيلول 2001.
ان كان الأمر عن طريق “الخطأ” فعلا أو لم يكن، فإن واشنطن ستستغل هذا الحدث حتى النخاع، وستضغط على السعودية عبر أهالي ضحايا 11 سبتمبر للحصول على المزيد من الأموال، ونعتقد جازمين بأن “أموال السعودية” هي الأمر الوحيد الذي يربط الولايات المتحدة الأمريكية بالسعودية هذه الأيام، خاصة وأن معادلة الحماية الأمنية مقابل امدادات النفط، لم تعد تجدي نفعا بالنسبة لواشنطن في القرن الجديد، على اعتبار ان النفط الصخري أصبح متوفرا بغزارة في الولايات المتحدة الأمريكية، وبالتالي أصبحت الادارة الأمريكية تبحث عن أهداف جديدة في المملكة لم تعلن عنها حتى الآن ولكنها تمهد لها وعلينا توقع الأسوء في هذا المضمار.
ما يعزز نظرية أن “الخطأ” في الكشف عن هوية مساعد أحمد الجراح، وهو مسؤول سابق في وزارة الخارجية السعودية تم تكليفه بالسفارة السعودية في واشنطن العاصمة بين عامي 1999 و2000، كان مقصودا أمرين:
الأول: ان الادارة الأمريكية تبحث عن اي وسيلة لمعاقبة السعودية بعد اشعالها لحرب اسعار النفط، الامر الذي سبب تدمير عدة شركات أمريكية عاملة في مجال النفط الصخري، وافقد الأمريكيين آلاف الوظائف، وهذا ما اغضب الادارة الأمريكية، خاصة وانها لا تقبل من دولة هي تحميها ان تدير قواعد اللعبة هي وتتحكم بالسوق الامريكي وتكلفه اثمانا باهظة، ومن هنا كان اتصال الرئيس الامريكي دونالد ترامب مع ولي العهد السعودي محمد بن سلمان ضروريا لاعادة التوازن في العلاقة واخبار ابن سلمان من سيد اللعبة في العلاقة بين البلدين.
ترامب وجه انذارا شديد اللهجة في الاتصال الهاتفي الذي جرى في الثاني من نيسان لولي العهد السعودي، لدرجة انه أمر من كان بجواره بمغادرة القاعة، وفي المكالمة قال ترمب لولي العهد السعودي محمد بن سلمان إنه ما لم تبدأ منظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك) في خفض الإنتاج، فإنه سيكون عاجزاً عن منع المشرعين الأمريكيين من تمرير تشريع لسحب القوات الأمريكية من المملكة، وفقاً لأربعة مصادر مطلعة على الأمر لرويترز.
وعقب ذلك نقلت صحيفة “وول ستريت جورنال” عن مسؤولين أمريكيين لم تذكر أسماءهم، أن الولايات المتحدة ستسحب من السعودية 4 بطاريات “باتريوت”، بالإضافة إلى عشرات العسكريين الذين أرسِلوا إلى هناك عقب الهجمات الصاروخية على المنشآت النفطية في العام الماضي.
وأضاف المسؤولون أن الولايات المتحدة سحبت سربين من الطائرات المقاتلة، وستدرس أيضا تقليص وجود القوات البحرية الأمريكية في الخليج.
وجاءت تصريحات الرئيس الأمريكي في هذا السياق أيضاً ونقلتها صحيفة ”وول ستريت جورنال” الخميس 7 مايو/أيار، والتي أكد فيها أنه على السعودية أن تدفع المال إن كانت تريد التنعم بحماية قوات المارينز والوقاية من أي أخطار قد تتهددها.
وأشار إلى أن “عهد الحماية المجانية انتهى وأن على الدول التي تحظى بهذه الخدمة أن تحترم بلاده على الأقل٫ لأن هنالك بعض البلدان استغلت بلاده دون مقابل وهذا ما لن يتكرر مستقبلاً”.
وعليه يمكن قراءة التسريب الأخير لمكتب التحقيقات الفيدرالي بأنه في إطار تذكير السعودية بقواعد اللعبة، خاصة وأن محاولة الربط بين الإدارة السعودية وأحداث11 سبتمبر/أيلول ليست وليدة اللحظة.
الأمر الثاني، من الصعب جدا ان يخطأ مكتب التحقيقات الفيدرالي هذا الخطأ، خاصة وان مثل هذه المعلومات تتم مراجعتها عشرات المرات، وكان تبرير الكشف عن الاسم على الشكل التالي، في الوثيقة ، التي تم تقديمها في نيسان ولكن أزيل عنها الختم الأسبوع الماضي، نسي المحامون حجب اسم “مساعد أحمد الجراح”، الذي عمل في السفارة السعودية في واشنطن العاصمة عامي 1999 و2000.
ولنفترض جدلا ان هذا الامر صحيح، لماذا كشفت هيومن رايتس ووتش الأمريكية عن احتجاز السعودية للأمير فيصل بن عبدالله –نجل الملك الراحل عبدالله وابن عم ولي العهد– وإخفاء مكانه عن أسرته، على الرغم من أن الاعتقالات التي يقوم بها ولي العهد ضد أبناء عمومته وأمراء آل سعود لم تتوقف بسبب الصراع المكتوم على العرش، إلا أن التقرير الأخير للمنظمة كان توقيته لافتاً، في ظل التوتر بين الإدارتين.
الضغوط المقبلة على المملكة
ميزانية المملكة السعودية تواجه عجزا غير مسبوق في تاريخ المملكة، وقبل يومين اعلنت عن خطة تقشف مؤلمة رفعت فيها الضريبة المضافة على المواد الاساسية 3 اضعاف، ومع هذا سيكون على المملكة دفع اموالا طائلة لأسر ضحايا 11 سبتمبر بعد الابتزاز الامريكي الاخير، وعليكم تصور ماذا سيحصل لاقتصاد المملكة، لكن المؤكد أن النتائج الكارثية لن تكون مادية فقط، فصدور حكم قضائي يُحمّل السعودية كدولة مسؤولية تلك الهجمات الإرهابية يعني ضربة قاصمة للعلاقات السعودية-الأمريكية، لا ترامب ولا غيره يمكنه أن يحتوي آثارها، حيث ستصبح الرياض بصورة رسمية دولة راعية للإرهاب، وفي هذه الحالة ستصبح السعودية محاصرة من جميع الاتجاهات، وستضعف كثيرا في الشرق الاوسط، وقد تصبح خارج اي معادلة سياسية جديدة في المنطقة بعد تورطها بعشرات الملفات الساخنة التي خرجت خاسرة منها جميعا.
المصدر/ الوقت