التحديث الاخير بتاريخ|الإثنين, نوفمبر 18, 2024

نزاع بكين – واشنطن؛ بعيد وقريب في آن واحد 

تزايدت التوترات بين الولايات المتحدة والصين بشكل حاد في الأسابيع الأخيرة، باعتبارهما قوتين عظيمين في العالم. وأخذت هذه التوترات تتصاعد لدرجة أن حتى وسائل الإعلام الصينية ومسؤولي المخابرات تكهنوا بإمكانية نشوب حرب بين البلدين إذا استمرت الخلافات بهذا الشكل. ومع ذلك، فمن الضروري الآن دراسة محاور التوتر الجديدة بين البلدين.

استمرار الحرب الكلامية حول منشأ كورونا
على مدى الأشهر القليلة الماضية، تعرضت الصين لانتقادات واسعة من قبل وسائل الإعلام الغربية والدوائر السياسية بسبب ما أسموه “التقليل من شأن فيروس كورونا وإخفاء معلومات متعلقة بانتشار الفيروس”. لكن قمة الاتهامات، هي التي تم توجيهها من قبل الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الى الصين، حيث استخدم مفردة “فيروس صيني” بشكل واضح بدلاً من مفردة فيروس كورونا.
بل وذهب ترامب أبعد من هذا المستوى، حيث اتهم منظمة الصحة العالمية بالتعاون والتساهل مع الصين، ونتيجة لذلك قرر في نهاية المطاف قطع التبرعات الأمريكية عن المنظمة. وردا على هذه الادعاءات، نرى أن بكين أكدت أنها دائما ما تشارك المعلومات المتعلقة بهذا الوباء مع منظمة الصحة العالمية وبلدان أخرى، ولكن الحكومة الأمريكية وجزء كبير من وسائل الإعلام الرئيسية في الولايات المتحدة، لا يزالون يعتبرون ان مصدر الفيروس هو الصين وتتهمهم كذلك بإخفاء المعلومات حول خطورة الوباء وأنها لم تُبلغ الدول الأخرى في الوقت المناسب كي يتمكنوا من أخذ الإجراءات اللازمة لمواجهة انتشار الفيروس.
وخلال الأسابيع الأخيرة، كانت هناك موجة من التحشيد الإعلامي، باشراف مباشر من مايك بومبيو وزير الخارجية الأمريكي، قائمة على اتهامات تفيد أن فيروس كورونا اُنتج في مختبرات مدينة ووهان الصينية وكان انتشاره في أرجاء العالم خطة عمدية، وجراء ذلك، تصاعدت الحرب الإعلامية والمشادات الكلامية بين مسؤولي البلدين الى درجة ان حذرت وزارة المخابرات الصينية من احتمال نشوب حرب بين واشنطن وبكين.
واثناء الأسابيع الماضية، زعم وزير الخارجية بومبيو مرارًا وتكرارًا بأن هناك عددًا من الأسباب تشير إلى ان نشأة فيروس كورونا جاء من داخل مختبر في مدينة ووهان، وأن حكومة بكين لم تسمح لخبراء منظمة الصحة العالمية بدخول مختبر مدينة ووهان.
ومع ذلك، ردت المخابرات الفيدرالية الألمانية يوم الجمعة على مزاعم الأمريكيين، وقالت ان هذه الاتهامات هي محاولة لحرف الانتباه عن فشل الإدارة الأمريكية بقيادة دونالد ترامب في مواجهة انتشار الفيروس في البلاد. ويسعى ترامب الذي قوبل أداؤه تجاه السيطرة على فيروس كورونا، بغضب عارم من المجتمع الأمريكي، التهرب من الضغوط من خلال خداع الرأي العام العالمي وإظهار ان السبب الجذري للمشكلة يعود الى مختبرات الصين.

عدم التزام الولايات المتحدة بقرار مجلس الأمن
هناك نقطة خلافية أخرى بين الولايات المتحدة والصين، والتي أدت إلى تفاقم التوترات بين الجانبين أكثر فأكثر، وهي موقف واشنطن المتباين وعدم التزامها بشأن إصدار قرار حول فيروس كورونا في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة. وكان من المقرر أن توافق واشنطن في البداية على اصدار مشروع قرار بشأن إدارة ومواجهة كورونا، لكنها قامت فيما بعد بالتراجع عن موقفها الداعم بشكل غريب.
ويتهم المسؤولون الصينيون الآن واشنطن بعرقلة إصدار قرارات مجلس الأمن بشأن الفيروس وعرقلة مكافحة الوباء العالمي. وفي الواقع، في 10 مايو 2020 ، أعلن دبلوماسي صيني أن كلا من الصين والولايات المتحدة ستدعمان مشروع قرار مجلس الأمن الدولي يوم الخميس لمكافحة فيروس كوفيد 19 المستجد، ولكن بلاده تفاجئت من تغيير موقف واشنطن المفاجئ يوم الجمعة وهي تأسف لذلك. وبينما نفى دبلوماسي أمريكي تصريحات الدبلوماسي الصيني، أكد أن الولايات المتحدة لم توافق على الإطلاق على نص مشروع القرار.
وتتصاعد التوترات بين البلدين في الوقت الذي يعمل 15 عضوا في مجلس الأمن الدولي منذ أكثر من ستة أسابيع لإيجاد نص يدعم في نهاية المطاف دعوة الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيريس في 23 مارس لوقف إطلاق النار بين الدول المتخاصمة والصراعات العالمية كي يتمكن العالم من تركيز جهوده على مكافحة الوباء.

اتهام الصين بمحاولة اختراق البحوث العلمية المتعلقة بكورونا
من مسببات التوتر الأخرى بين الولايات المتحدة والصين هو توجيه اصابع الاتهام نحو بكين فيما يتعلق بمحاولة اختراق أحدث التطورات العلمية بشأن فيروس كورونا وخاصة البحث في لقاح كورونا. وفي الواقع، بينما تجري الأبحاث العالمية للعثور على لقاح لهذا الفيروس، حذرت وكالات الاستخبارات الأمريكية الرائدة من أن القراصنة الصينيين يسعون إلى اختراق البيانات الأمريكية حول الفيروس.
وقالت بريطانيا والولايات المتحدة سابقًا في تحذير مشترك أن قراصنة من عدة دول أجنبية يسعون التوصل إلى البيانات المتعلقة بفيروس كورونا، والتي تتضمن معلومات وأبحاث تتعلق باللقاح. ويدعي مسؤولون أمنيون أميركيون سابقون وحاليون، بما في ذلك وزارة الدفاع ووزارة الأمن الداخلي الأمريكية، أن بكين تسعى للاستيلاء على الحقوق الفكرية والمعلومات القيمة المتعلقة باللقاحات والعلاجات والاختبارات الطبية عن طريق وسائل غير قانونية. ويؤكد التحذير أيضًا وجود نشاط سيبراني كبير للصين من خلال استخدامها عناصر غير محلية.

توترات دبلوماسية غير مسبوقة بهدف منع الصحفيين الصينيين
من القضايا الأخرى بين الولايات المتحدة والصين، والتي زادت من حدة التوتر بين الجانبين، هي تحرك الولايات المتحدة لتقييد إصدار التأشيرات للصحفيين وبعض المواطنين الصينيين. وفي الواقع، إلى جانب تزايد التوترات الأمريكية مع الصين بشأن انتشار فيروس كورونا، تصاعدت الخلافات الدبلوماسية بين البلدين ايضا بسبب حظر واشنطن اصدار تأشيرات للصحفيين ووسائل الإعلام الصينية. وفي الأسبوع الماضي، سنت الحكومة الأمريكية قانونًا جديدًا يقيد إصدار التأشيرات للصحفيين الصينيين لمدة 90 يومًا، وهو ساري المفعول منذ يوم أمس.
ورد الصينيون بقوة على قرار الولايات المتحدة بشأن تقييد إصدار التأشيرات للصحفيين الصينيين وأكدوا ان على واشنطن الترقب لإجراءات صينية مماثلة. وفي حديث لها في مؤتمر صحفي يوم أمس، انتقدت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الصينية تشاو ليجيان واشنطن بقوة وحثت إدارة البيت الابيض على “تدارك هذا الخطأ فى أقرب وقت ممكن” ووصفت خطوة واشنطن بأنها “قمعٌ لوسائل الإعلام الصينية بشكل متزايد داخل الولايات المتحدة” وقالت “نحن نعارض بشدة هذه الخطوة وغير راضين عنها بشدة”.

ترامب في دائرة نقد وسائل الإعلام الصينية
في السنوات الأخيرة الماضية، اتبعت الحكومة الصينية سياسة التحلي بالصبر تجاه ترامب. وحاول الصينيون، من خلال معرفتهم بسلوك ترامب في مواجهة القضايا العالمية، تجنب المواجهة مع واشنطن لأنهم كانوا على دراية تامة بأن ترامب لا يؤمن بصنع القرار المنهجي والتوافقي، ويمكنه جر علاقات بكين وواشنطن الى نوع من العداء الشخصي، هذا من ناحية.
ومن ناحية أخرى، اتبع الصينيون أثناء الحرب التجارية التي شنها ترامب، استراتيجية عدم التعرض والانتقاد الإعلامي له ولسياساته، لدرجة أنه نسطيع أن نقول بكل جرأة أن وسائل الإعلام الرئيسية والرسمية في الصين منذ عام 2017 لم تنتقد الرئيس الأمريكي ترامب بشكل واضح ومباشر.
لكن التوترات بين الجانبين التي تصاعدت في الأشهر الأخيرة، دفعت بكين الى إعادة النظر في موقفها، ويبدو أن المسؤولين السياسيين قد تبنوا استراتيجية شن هجوم إعلامي على اداء ترامب. حيث بدأت وسائل الإعلام الصينية الآن تنتقد بتهور وشدة تصرفات وسياسات ترامب، وتحاول بكل طريقة ممكنة تمهيد مسببات هزيمته في الانتخابات الرئاسية في نوفمبر.
المصدر/ الوقت

طباعة الخبر طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق ارسال الخبر الى صديق

اضافة تعليق