هل الرياض جادة بشأن خفض التوتر مع طهران
وسط تصاعد التوترات بين الولايات المتحدة الامريكية والرياض الى ذروتها بشأن أزمة النفط الحالية ، تشير التقارير إلى أن ولي العهد السعودي محمد بن سلمان ، في أول مكالمة هاتفية له مع رئيس الوزراء العراقي الجديد مصطفى الكاظمي، دعا بغداد للتوسط في العلاقات بين طهران والرياض، وقد حظيت هذه القضية التي أوردتها صحيفة “ميدل ايست اي” على نطاق واسع، بقدر كبير من الاهتمام، حيث لعب خلال العام الماضي على الأقل كلاً من عمران خان رئيس وزراء الباكستان وعادل عبد المهدي رئيس الوزراء العراقي السابق، دور الوساطة بين طهران والرياض ، على الرغم من أنها لم تسفر عن نتائج ملموسة حتى الآن ، الا ان نطاق النزاعات بين الجانبين قد ازداد خلال هذه الفترة والسؤال الآن ، إلى أي مدى يمكن أن تؤخذ علامات استعداد الرياض للحوار وحل الخلافات مع طهران على محمل الجد ؟ وبطبيعة الحال ، من أجل فهم هذا الموضوع ، يجب أولاً تحليل ضرورة الاتجاه نحو مثل هذا التغيير في أعين القادة السعوديين.
عجز الرياض وبن سلمان في مجال السياسة الخارجية
مما لا شك فيه أن أهم سبب لطلب محمد بن سلمان بفتح الباب المفاوضات مع إيران من خلال الوساطة ، يمكن ملاحظته من خلال المأزق الذي يواجه الرياض في السياسة الخارجية ، وفي هذا السياق ، يمكن ذكر أربعة محاور مهمة.
في البداية ، أظهر محمد بن سلمان ، بعد اعتماد الانسحاب الأمريكي من الاتفاق النووي وفرض عقوبات صارمة وأحادية الجانب على إيران ، تعاونًا تامًا مع ترامب ، وفي الواقع ، اعتقد السعوديون أن إيران لا يمكن أن تتحمل العقوبات وسياسة الضغط الأقصى ، ولكن بعد مرور أكثر من عامين على استئناف العقوبات ، أصبح من الواضح الآن لبن سلمان وغيره من المسؤولين السياسيين والأمنيين أن إيران لم تصمد أمام العقوبات الأمريكية فحسب ، بل ان نهج زيادة الضغط على طهران قد عرّض أمن حلفاء الولايات المتحدة في مجلس التعاون لخطر حقيقي ، والمثال البارز على هذا الامر يمكن رؤيته في التوترات التي وقعت في مياه الخليج الفارسي ومضيق هرمز خلال الأشهر القليلة الماضية ، حيث ان معظم الصادرات النفطية لدول الخليج الفارسي تمر من هذا المضيق الاستراتيجي وهي تحت رقابة ايران التي هددت مراراً وتكراراً ان أمن صادرات النفط سيكون للجميع أو لا أحد ، وكمثال آخر على الضعف الأمني في الرياض يمكن رؤيته في مسألة هجمات أنصار الله بطائرات بدون طيار وبالصواريخ على منشآت أرامكو النفطية في سبتمبر 2019 ، والتي على الرغم من توقعات الرياض العالية ، لم تأخذ واشنطن هذه التوقعات الأمنية على محمل الجد من أجل الرد على التهديدات.
وفي المستوى الثاني ، من الجدير بالذكر أنه بعد فشل السياسة الأمريكية للضغط الأقصى ضد إيران ، فإن اتجاه المعادلات والعلاقات بين واشنطن والرياض يتغير أيضًا ، وعلى عكس الماضي ، عندما كان ترامب يستمر في دعم المملكة العربية السعودية على الرغم من معارضة الكونغرس الامريكي، الا اننا نرى الآن أنه خفض بطريقة ما دعمه لمحمد بن سلمان ، وفي الأسابيع الأخيرة ، أثار ارتفاع انتاج السعودية للنفط بهدف التنافس مع روسيا في سوق الطاقة العالمية غضب ترامب الشديد ، نظرًا لأن أسعار النفط في الولايات المتحدة قد وصل إلى مستوى قياسي منخفض غير مسبوق ، والان فإن شركات الطاقة الكبرى في الولايات المتحدة الامريكية غير راضية عن أداء المملكة العربية السعودية وترامب ، حتى عدد من كبار أعضاء مجلس الشيوخ الأمريكي تحدثوا عن الحاجة إلى مواجهة إسراف محمد بن سلمان ، ولهذا السبب وضع ترامب سياسة الحد من الوجود العسكري الأمريكي وإزالة نظام باتريوت من المملكة العربية السعودية على جدول الأعمال ، وقد دفع هذا محمد بن سلمان إلى رؤية نفسه بانه لم يعد مدعوماً من رئيس للبيت الأبيض ، وتصور انه من المرجح أن تتوتر علاقات الرياض مع واشنطن بشكل كبير في المستقبل.
وعلى المستوى الثالث، أصبح فشل السياسة الخارجية السعودية في الأزمة اليمنية عاملاً في تحويل وتغير مواقف محمد بن سلمان ، حيث ان تآكل الحرب وعدم القدرة على إنهاء الأزمة في مجال المعادلات الميدانية إلى إقناع المملكة العربية السعودية رسميًا بأنها ستضطر عاجلاً أم آجلاً إلى اتباع سياسة خفض التصعيد واللجوء الى حل دبلوماسي للأزمة مع صنعاء ، وفي هذا الصدد ، يدرك بن سلمان جيدًا أن مسار أي اتفاق بشأن اليمن سيمر عبر طهران ، وعلى المدى الطويل ، يجب أن يكون هناك تعايش سياسي بين هذين البلدين المجاورين ، وفي المستقبل ليس هناك ما يضمن بقاء دعم الولايات المتحدة الامريكية للرياض وكونها حامي السعودية في غرب آسيا.
وعلى المستوى الرابع ، كان أحد أهم آمال بن سلمان في استراتيجية متابعة السياسة المعادية لإيران هو التعاون والاتحاد مع الإمارات العربية المتحدة ، ففي الواقع ، لم يكن ولي عهد المملكة العربية السعودية وحده في سياسة المواجهة مع طهران ، واعتبر دائمًا الإمارات رافعًا رئيسيًا في تعزيز سياساته ، لكننا نرى الآن ان هذا التحالف يفشل وينهار تمامًا تقريبًا ، وان حكام أبو ظبي يرغبون كثيراً في خفض التوترات مع طهران ويحاولون تطبيع علاقاتهم مع طهران.
أبواب المفاوضات المفتوحة
في الوقت الحاضر ، السؤال هو ما إذا كانت إرادة السعودية لنزع فتيل التوتر مؤكدة وكيف سترد طهران على هذا المطلب ، وفيما يتعلق بهذا السؤال ، ما يبدو أكيدًا هو أن إيران أظهرت مرارًا وتكرارًا حسن نواياها بشأن تخفيف التصعيد والحوار المباشر منذ بداية قطع العلاقات الدبلوماسية بين البلدين في عام 2016. حيث أكد رئيس الجمهورية ووزارة الخارجية ومسؤولون إيرانيون آخرون على أن طهران والرياض بحاجة إلى حوار ودي وداخلي إقليمي ، دون إشراك جهات غير إقليمية ، وكانت مبادرة هرمز للسلام ، الذي طرحها محمد جواد ظريف وزير الخارجية الإيراني خلال العام الماضي ، مثالاً بارزاً على هذا الاتجاه ، لذلك يمكن التأكيد في بداية الامر على أن إيران لا تعتبر المملكة العربية السعودية عدواً ، بل تعدها واحدة من الدول الإسلامية وثقلًا مهمًا في تطورات المنطقة ، وتعتقد بأنه يجب تطبيع العلاقات بين البلدين في أقرب وقت ممكن.
ولكن في المقابل ، لم يظهر محمد بن سلمان والحكام السعوديون الآخرون حتى الآن أي إرادة جادة لنزع فتيل التوترات مع طهران ، وكان هذا هو السبب الرئيسي لفشل جهود الوساطة من قبل عمران خان وعبد المهدي ، وبالتأكيد ، يمكن فتح قفل العلاقات بين طهران والرياض من خلال الأزمة اليمنية، حيث أدانت طهران مراراً قتل الأبرياء اليمنيين والاعتداء عليها وحصارها ، وقالت إنها مستعدة لمساعدة السعودية على إنهاء الحرب بالتشديد على تشكيل محادثات يمنية – يمنية خارج نطاق التدخل الأجنبي، كما يمكن لمبادرة هرمز للسلام أن تحل جزءًا مهمًا من مخاوف الرياض الأمنية بشأن التطورات الأخيرة في شبه الجزيرة ، هذا إذا كانت نظرة الرياض للتطورات في المنطقة ، وخاصة اليمن ، واقعية. وفي مثل هذه الظروف فقط يمكن للمرء أن يأمل في تخفيف حدة التوتر بين البلدين.
المصدر/ الوقت