جدال الصواريخ فوق الصوتية في ماراثون سباق التسلح العالمي
قال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في مقابلة مع القناة الأولى الروسية مباشرة عقب تفاخر ترامب يوم الجمعة بشأن صناعة صواريخ أسرع بـ 17 ضعف من أسرع الصواريخ الحالية ، والتي سماها بـ “سوبر دوبر” (أي بمعنى فائقة التقدم) ، ورد بشكل غير مباشر ، على غطرسة ترامب ، قائلاً: إن بلاده قادرة على تصميم أسلحة أكثر تقدمًا من أي دولة أخرى في العالم ، وذلك بفضل المراكز العلمية والهندسية الموجودة في روسيا.
من الواضح أن بوتين يرد على حرب الدعاية التي يشنها البيت الأبيض لأن ترامب قال في المكتب البيضوي في البيت الأبيض: “نحن ننتج بشكل لا يصدق الكثير من المعدات العسكرية ونقوم بصناعة الأسلحة التي لم يراها أحد من قبل”.
تعود بنا هذه الحرب الدعائية الى العالم ثنائي القطب والى زمن الحرب الباردة في النصف الثاني من القرن العشرين بين الاتحاد السوفيتي والولايات المتحدة الامريكية ، وعلى الرغم من أن المراقبين والخبراء قد أبلغوا في السنوات الأخيرة عن بداية حرب باردة جديدة ذات ميزات جديدة في العالم ، والتي تظهر علاماتها الرئيسية في تصاعد التنافسات الجيوسياسية بين القوى الشرقية والغربية في أجزاء مختلفة من العالم وبداية جولة جديدة من منافسات التسلح بين الولايات المتحدة الامريكية وروسيا وحتى الصين ، وبناءً على ذلك ، يمكن أن يُعزى غطرسة وتفاخر كلاً من مسؤولي البلدين في الحصول على أسلحة فريدة من نوعها إلى الاتجاه الجديد للحرب الباردة المصغرة والتي تظهر بالتأكيد إمكانية استمراره ، حتى في سياق وظروف الأزمة العالمية لتفشي فيروس كورونا ، الإمكانات المتزايدة لهذا الاتجاه في السنوات القادمة.
استثمار القوى العظمى في الصواريخ الأسرع من الصوت
كانت الولايات المتحدة الامريكية على مر السنين ومنذ انهيار الاتحاد السوفييتي ، تعتمد دائمًا على قدرتها العسكرية والاقتصادية لمحاولة اطغاء هيمنتها الدولية على القوى المنافسة الأخرى. ولكن في السنوات الأخيرة ، أدى انخراط الولايات المتحدة الامريكية في حروب مكلفة وعديمة الجدوى في الشرق الأوسط وبروز الأزمات الاقتصادية إلى تقريب الصين وروسيا من بعضهما البعض كقوتين رئيسيتين في الشرق ، إحداهما في المجال الاقتصادي والأخرى في المجال العسكري ، مما جعل واشنطن تدرك خطورة هذا التحالف الذي يرمي الى انهاء الأحادية الامريكية في النظام الدولي ، ومن أجل الحفاظ على تفوقها العسكري الاستراتيجي بالنظر الى الميزانية الضخمة التي تخصصها أمريكا نسبتاً بالصين وروسيا، سعت واشنطن إلى الانتقام من روسيا والصين في السنوات القادمة من خلال تحديث أسلحتها النووية.
ومع ذلك ، بدلاً من الاستثمار بكثافة في الأسلحة النووية الباليستية ، استثمرت روسيا والصين في السنوات الأخيرة في الصواريخ فوق الصوتية وصواريخ كروز بمدى أقل من 5000 كيلومتر ، حيث اختبرت روسيا صاروخ K-300P Bastion-P المضاد للسفن والأسرع من الصوت في أكتوبر الماضي ، وقبل عامين كانت قد كشفت عن صاروخ افانغارد الأسرع من الصوت ، والذي يقال إنه بامكانه العبور عبر خطوط الدفاع الأمريكية في أوروبا.
كما أعلن بوتين في يناير 2020 أنه على عكس الماضي والتنافس مع الولايات المتحدة الامريكية ، وصلت روسيا إلى مستوى عالٍ جدًا في تصميم أسلحة الحروب الجديدة لأول مرة في تاريخها.
وقال “لقد وصلنا إلى موقع فريد في التاريخ المعاصر ، والآن الأمريكيون هم الذين يريدون الوصول إلينا ، فلا توجد دولة لديها أسلحة تفوق سرعتها سرعة الصوت ، ناهيك عن امتلاك الأسلحة التي تفوق سرعتها سرعة الصوت والعابرة للقارات.
كما اختبرت الصين أيضا صواريخ “دانغ فنغ 26” فوق الصوتية ، وفي أكتوبر 2020 ، أزاحة الصين الستار عن صاروخ “دانغ فنغ 41” النووي والباليستي ، والذي يتراوح مداه بين 14000 و 15000 كيلو متر ويسافر بسرعة حوالي 30،000 كيلومتر في الساعة ويمكنه الوصول الى الأراضي الامريكية في أقل من نصف ساعة ، وفي أبريل 2019 ، أعلنت بكين عن انتاج نوع جديد من الصواريخ فوق الصوتية والتي تسمى اختصاراً WGXX ، والتي يمكن تركيبها على المدمرات ويمكنها استهداف السفن وحاملات الطائرات الأمريكية.
وبالإضافة إلى ذلك ، ونظرًا لقدرة هذه الصواريخ على استهداف الأجسام التي تتهرب من الرادار ، فمن المرجح أن تستخدم الصين هذا النوع من الصواريخ لاستهداف طائرات F-35 ، والتي تخطط الولايات المتحدة الامريكية لاستخدامها لاعتراض الصواريخ الصينية والروسية قبل إطلاقها.
حيث هددت الولايات المتحدة ، التي تعتبر نفسها أكثر تخلفًا من منافسيها في هذا المجال ، بشكل ضمني بالرد من خلال ضربات نووية على الهجمات الصاروخية وهذا مع اعتلاء ترامب كرسي الرئاسة وإطلاق وثيقة المراجعة النووية لتعويض هذا النقص.
وفي هذا الصدد ، انسحبت واشنطن من معاهدة الصواريخ المتوسطة المدى وقدمت مشروعًا للدفاع الفضائي في وثيقة مراجعة الدفاع الصاروخي لعام 2019 ، وثمة هناك أيضًا شائعات عن انسحاب الولايات المتحدة الامريكية من معاهدة “ستارت نو” في عام 2021.
فمعاهدة تخفيض الأسلحة الاستراتيجية ، والمعروفة باسم معاهدة البداية الجديدة أو “ستارت نو” ، هي الاتفاقية الوحيدة المتبقية بين روسيا والولايات المتحدة الامريكية لخفض الأسلحة النووية ، والتي ستنتهي في فبراير 2021 ولكن يمكن تمديدها لمدة خمس سنوات أخرى.
ومع ذلك ، فإن الخلافات بين روسيا والصين بشأن الحظر المفروض على الصواريخ الباليستية متوسطة المدى ، قد أدى الى انسحابهما من المعاهدة المذكورة ، الشيء الذي يوجه الأنظار والشكوك نحو استمرارية معاهدة ستارت.
هذا وقد أعربت الحكومة الروسية مراراً وتكراراً عن استعدادها للتفاوض على تمديد معاهدة ستارت نو لكن الولايات المتحدة تقول إن أي معاهدة جديدة يجب أن تتضمن الصواريخ الصينية ، كما رفضت حكومة بكين بشدة أي مشاركة في المحادثات.
وقال مستشار الأمن القومي في البيت الأبيض “روبرت أوبراين” في مارس الماضي إن الصين تطور الآن ترسانتها النووية الخاصة بها ، فهم يريدون مضاعفة مخزونهم النووي خلال نهاية العقد”.
في حين ان الولايات المتحدة الامريكية تريد أن تظهر أنها ليست أقل تخلفًا من حيث القدرات الصاروخية من روسيا والصين فحسب ، بل ان لديها أيضًا إمكانية الوصول إلى قدرات أعلى من أجل توجيه ضربات استباقية ، وبحسب ترامب ، ستكون الصواريخ الأمريكية الجديدة أسرع عدة مرات من الصواريخ الجديدة الحالية الأسرع من الصوت لروسيا والصين ، الامر الذي لا يمكن تأكيده أو انكاره في الوقت الحالي.
ومع ذلك ، لم تكن هذه الدول نشطة في إنتاج صواريخ تفوق سرعتها سرعة الصوت فحسب ، بل واصلت أيضًا جهودها للحد من إمكانية تلقي ضربات صاروخية من خلال تعزيز أنظمة الدفاع لديها ، وفي ديسمبر من العام الماضي ، أعلن الادميرال ألكسندر مويسيف ، قائد الأسطول الشمالي في الجيش الروسي ، عن اقتناء أفضل نظام دفاع جوي طويل المدى في منطقة القطب الشمالي لسنوات ، حيث يشكل هذا النظام قبة حديدية ضد طائرات العدو وصواريخ كروز والصواريخ البالستية ، هذا وقد استلمت الصين أيضاً الشحنة الثانية من منظومة S400 الروسية في فبراير الماضي ، بناءً على عقد تم توقيعه في عام 2019.
ومن ناحية أخرى ، في أغسطس من هذا العام ، ستقوم الولايات المتحدة الامريكية ، بالتعاون مع الكيان الصهيوني ، باختبار منظومة بيكان (آرو) 3 المضادة للصواريخ في ألاسكا ، حيث ان الإجراءات التي تتبعها سياسات البيت الأبيض الاستفزازية والتنافسية تدفع القوى الكبرى الى التهافت نحو المنافسة على التسلح.
المصدر / الوقت