التحديث الاخير بتاريخ|السبت, نوفمبر 16, 2024

معركة الصواريخ فوق الصوتية في ماراثون سباق التسلح العالمي 

قال الرئيس الروسي “فلاديمير بوتين” لبعض وسائل الاعلام بعدما تفاخر الرئيس الامريكي “دونالد ترامب” يوم الجمعة الماضي بشأن صنع بلاده صواريخ أسرع بـ 17 مرة من أسرع الصواريخ الحالية والتي أطلق عليها “سوبر سونيك” (بمعنى متقدمة جدًا). وبشكل غير مباشر، رد “بوتين” على غطرسة “ترامب” بالقول إن بلاده كانت قادرة على تصميم أسلحة أكثر تقدمًا من أي دولة أخرى في العالم، وذلك بفضل المراكز العلمية والهندسية. من الواضح أن “بوتين” يرد على حرب الدعاية التي يشنها البيت الأبيض، وعلى تصريحات “ترامب” التي أطلقها في المكتب البيضاوي بالبيت الأبيض وقال: “نحن ننتج بشكل لا يصدق الكثير من المعدات العسكرية ونصنع الأسلحة التي لم يراها أحد من قبل”.

وتذكرنا حرب الدعاية هذه بالعالم الثنائي القطب والحرب الباردة التي وقعت في النصف الثاني من القرن العشرين بين الاتحاد السوفيتي والولايات المتحدة، وعلى الرغم من أن المراقبين والخبراء قد أبلغوا في السنوات الأخيرة عن بداية حرب باردة جديدة ذات ميزات جديدة في العالم، إلا أن الجولة الجديدة من سباق التسلح بين الولايات المتحدة وروسيا، كان لها تأثير على القوى الشرقية والغربية في أجزاء مختلفة من العالم. وبناءً على ذلك، يمكن أن يُعزى غطرسة المسؤولين في البلدين في الحصول على أسلحة فريدة، إلى الاتجاه الجديد للحرب الباردة المصغرة والتي بالطبع، يمكن أن تستمر حتى في سياق الأزمة العالمية لعدة سنوات قادمة.

استثمارات القوى العظمى العالمية في صناعة صواريخ “سوبر سونيك” الأسرع من الصوت

ذكرت العديد من المصادر الاخبارية، أن الكونغرس الامريكي أقر قبل عدة أسابيع شريحة تمويل ثانية من عملية متسارعة لإنتاج ونشر نظامين من أنظمة الصواريخ فوق صوتية “سوبر سونيك” التي تتجاوز سرعتها أكثر من 15 مرة ضعف سرعة الصوت، وهو نوع من الصواريخ يقول خبراء الاستراتيجية العسكرية، إنها تشكل ثورة جديدة من الأسلحة التي ستغير حتما من قواعد لعبة الحرب ومن شكل الصراعات المستقبلية، ليس فقط لأن هذه الصواريخ غير المسبوقة تصيب أهدافها بدقة متناهية، ولكن أيضا وهذا هو الأهم، لأنه لا توجد دفاعات ضدها حتى الآن في أي دولة حول العالم، كما أنها سوف تُخل بنظرية الردع التي شكلت صمام أمان خلال الحرب الباردة، مما يمثل تهديدا غير مسبوق للاستقرار العالمي. وفيما جعلت الولايات المتحدة تطوير وتجربة هذه الصواريخ أولوية ملحة لها كي تكون جاهزة للعمل بحلول أكتوبر 2022 ، تُسرع كل من روسيا والصين تجاربهما لتحقيق الأسبقية في إنتاج ونشر هذه الصواريخ، حيث أعلنت روسيا قبل عام واحد نجاحها في تجربة صاروخ من هذه النوعية أطلقت عليه وسائل الاعلام وقتها اسم صاروخ “يوم القيامة”، وقالت “إنها بدأت تشغيل منظومة هذه الصواريخ”، لكن خبراء في “البنتاغون”، اعتبروا ذلك عملا دعائيا وشككوا في أن تكون روسيا قد استكملت تجاربها، أو نشرت بالفعل مجموعة من هذه الصواريخ، كما أعلنت الصين أيضا نجاحها في اختبار صاروخ فرط صوتي قادر على حمل قنابل نووية، وخلال يونيو الحالي أكدت وزارة الدفاع الصينية اختبار إطلاق صاروخ باليستي من غواصة نووية قادر على استهداف أي مكان في الولايات المتحدة، الأمر الذي يزيد من مخاطر التسلح.

الجدير بالذكر أن صواريخ “هايبر سونيك” هي صواريخ فوق صوتية تبلغ خلال تحليقها سرعات غير مسبوقة تصل إلى عدة أضعاف سرعة الصوت وتتراوح من 5 – 12 ألف ميل في الساعة، ولأن سرعة الصوت 767 ميلاً في الساعة أي 1ماخ، (نسبة إلى عالم الفيزياء الأسترالي إيرنست ماخ)، فعندما تتجاوز سرعة صاروخ أو طائرة سرعة الصوت تُحدث “صدمة صوتية” يمكن سماعها كطلقة قوية، وعندما تصل سرعة الصاروخ 2 ماخ يكون قد بلغ ضعف سرعة الصوت، وحينما يصل 3 ماخ يكون قد بلغ ثلاثة أضعاف سرعة الصوت، أما إذا وصل إلى أكثر من 5 ماخ فإنها تُسمى فرط صوتية أو “هايبر سونيك” حيث لم تعد السرعة مجرد “فوق صوتية”. ولهذا أُطلق على الصواريخ التي تتجاوز 5 ماخ هذه التسمية، لكن النماذج الاختبارية الأخيرة للصواريخ الروسية والأمريكية والصينية تتراوح سرعتها بين 10 و20 ماخ، بل تتجاوز ذلك حسب ادعاء كل طرف خلال السنوات القليلة الماضية، وهي تُطلَق من منصات متعددة، حيث يمكن إطلاقها من البر عبر قاذفات صواريخ، أو من البحر عبر غواصات أو سفن، أو من الجو عبر قاذفات استراتيجية.

وبعد إطلاقها، تحلق هذه الصواريخ بسرعة هائلة على ارتفاع 100 ألف قدم عبر محرك نفاث متقدم، وحينما تبلغ أهدافها خلال دقائق معدودة تتراوح بين (5 – 20 دقيقة) – وفقا لبُعد الهدف عن مكان الإطلاق – تهبط الصواريخ مع قوة الجاذبية الأرضية لتصيب أهدافها بدقة متناهية وبسرعة لا تقل عن 1150 ميلا في الساعة ما يجعلها قوية جدا بما يكفي لاختراق أية كتل خرسانية أو صفائح فولاذية مدرعة بفضل متفجرات يتراوح وزنها بين 3 و4 أطنان من مادة “تي إن تي” فتُحدث تأثيراً كارثيا وحفرة هائلة حال استخدام الصواريخ التقليدية المزودة برؤوس متفجرة، إلا أن هذه الصواريخ يمكن أيضا أن تحمل قنابل نووية تُستخدم في سيناريوهات مختلفة.

الجدير بالذكر أن الحكومة الروسية أعربت مراراً وتكراراً عن استعدادها للتفاوض على تمديد اتفاقية الحد من انتشار الصواريخ فائقة السرعة، لكن الولايات المتحدة تقول إن أي معاهدة جديدة يجب أن تتضمن الصواريخ الصينية ولكن حكومة “بكين” صرحت بأنها لن تشارك في أي محادثات. وعلى صعيد متصل، قال مستشار الأمن القومي بالبيت الأبيض “روبرت أوبراين” في مارس من العام الماضي إن الصين تطور الآن ترسانتها النووية الخاصة بها. ولفت إلى أن “بكين” تريد مضاعفة مخزونها النووي بنهاية العقد الحالي. ولهذا فإن الولايات المتحدة تريد أن تظهر أنها ليست أقل تخلفًا من حيث القدرات الصاروخية من روسيا والصين فحسب، بل لديها أيضًا إمكانية الوصول إلى قدرات أعلى لتحديد الضربات الاستباقية. وبحسب “ترامب”، ستكون الصواريخ الأمريكية الجديدة أسرع عدة مرات من الصواريخ الجديدة الأسرع من الصوت لروسيا والصين.


ومع ذلك، لم تكن هذه البلدان نشطة في إنتاج صواريخ تفوق سرعة الصوت فحسب، بل واصلت أيضًا جهودها لمعالجة نقاط ضعف هذه الصواريخ من خلال تعزيز أنظمة الدفاع الخاصة بها. وفي ديسمبر من العام الماضي، أعلن “ألكسندر مويسيف”، قائد الأسطول الشمالي لروسيا، عن الاستحواذ على أفضل نظام دفاع جوي طويل المدى مجهزًا في القطب الشمالي لسنوات لتحمل قبة حديدية ضد طائرات العدو وصواريخ كروز والصواريخ البالستية. ولفت إلى أن الصين استلمت أيضا الشحنة الثانية من نظام “إس 400” الروسي في فبراير الماضي، بناءً على عقد تم توقيعه في عام 2019. ومن ناحية أخرى، في أغسطس من العام الماضي، قامت الولايات المتحدة، بالتعاون مع الكيان الصهيوني، باختبار نظام “بيكان 3” المضاد للصواريخ في ألاسكا. وفي الختام تجدر الاشارة هنا إلى أن هذه الإجراءات التي اتبعها قادة البيت الأبيض سوف تزيد من حدة التوترات والتنافس والتي من شأنها تكثيف سباق التسلح بين دول العالم.

طباعة الخبر طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق ارسال الخبر الى صديق

اضافة تعليق