أصحاب البشرة السوداء؛ اشتعال شرارة الانتفاضة في مستودع مليء بالبارود العنصري الأمريكي
تتواصل الاحتجاجات المناهضة للعنصرية في ولاية “مينيسوتا” الأمريكية ليومها الثالث على التوالي، حيث زاد عدد المتظاهرين خلال الساعات القليلة الماضية بشكل كبير، مما قد يؤدي إلى إنحدار الاوضاع في هذه الولاية الامريكية نحو حدوث أزمة حقيقة للحكومة الامريكية التي تخاف من انتشار هذه الاحتجاجات في الولايات الامريكية الاخرى. وحول هذا السياق، كشفت العديد من المصادر الاخبارية بأن المتظاهرين الذين خرجوا للتعبير عن سخطهم من الشرطة الامريكية التي قامت قبل عدة أيام بقتل المواطن الأسود “جورج فلويد”، قاموا بالاشتباك مع شرطة مكافحة الشغب التي استخدمت العنف والغاز المسيل للدموع وقاموا أيضا بالهجوم على مقر للشرطة واشعال النار فيه واحراقه. وطالب المتظاهرين بتحقيق العدالة من قتلة الرجل الذى يدعى “جورج فلويد” حيث وثق فيديو اعتداء شرطة أمريكي في مدينة “مينيابولس” بولاية “مينيسوتا” الامريكية، وضع ركبتيه على عنق رجل أسمر البشرة عند تواجده أسفل سيارة، حيث توفي بعد ذلك، وتم تحديد هويته.
وعلى صعيد متصل، ذكرت صحيفة “الديلي ميل” البريطانية، أن أربعة ضباط بقسم شرطة مينيابوليس طردوا بسبب وفاة “جورج فلويد”، الذي تم تصويره بينما يضغط أحد الضباط على رقبته قبل لحظات من وفاته. وأوضحت تلك الصحيفة، أن رئيس شرطة “مينيابوليس”، الرائد “ميداريا أرادوندو”، أعلن يوم الثلاثاء الماضي أن أربعة ضباط ضالعين في الحادث تم إيقافهم عن العمل، قائلاً:”هم الآن موظفون سابقون”. وظهر في مقطع الفيديو الذى التقطه أحد المارة يوم الاثنين الماضي، أظهر أن “فلويد” يكافح للتنفس على الأرض بينما ركع شرطي أبيض على رقبته لعدة دقائق، ويأتي ذلك في الوقت الذي أعلن فيه مكتب التحقيقات الفيدرالي في الولاية عن فتح تحقيق في وفاة هذا الرجل الاسود.
ومن جهته أعلن الرئيس الامريكي “دونالد ترامب”، يوم أمس الجمعة أنه تحدث إلى عائلة “فلويد” وقال في البيت الأبيض “أتفهم الألم”، مضيفاً “عائلة جورج لها الحق في العدالة”. واعتبر الرئيس الأمريكي السابق “باراك أوباما” من جهته يوم أمس الجمعة، أن وفاة فلويد يجب ألا تُعتبر “أمرًا عاديا” في الولايات المتحدة. وفي نيويورك، تجمّع نحو ألف متظاهر للتنديد بما حصل لـ”فلويد” على أيدي الشرطة، بينما تم إغلاق طريق سريع في “دنفر”. وفي “لويزفيل” بولاية كنتاكي، دارت اشتباكات في الوقت الذي كان عدد من السكان يطالبون بالعدالة لـ”بريونا تايلور” وهي امرأة سوداء قتلتها الشرطة داخل شقتها في آذار/مارس الماضي.
وقد تجاوزت مشاعر التعاطف حدود الولايات المتحدة، إذ شهدت وسائل التواصل الاجتماعي في العديد من البلدان دعوات إلى إحقاق العدالة في قضية فلويد. وتصدرت هذه الاحتجاجات أيضا عناوين عدة صحف عالمية وعربية، بينها “الأهرام” المصرية التي تقول: “بعد ليلة شغب.. أمريكا تنشر 500 جندي من الحرس الوطني في مينيابوليس”، و”الدستور” الأردنية التي استخدمت عنوان: “مظاهرات تجتاح عدة مدن أمريكية احتجاجا على حادثة مينيابوليس”. ويرى الكاتب الصحفي “عبد الباري عطوان” في “رأي اليوم” اللندنية أن “أمريكا على أبواب ثورة ضد العنصرية المتصاعدة”. ويقول: “هذه الجريمة البشعة التي وثّقها أحد المارة بكاميرا هاتفه المحمول أعادت فتح ملف الاضطهاد الذي يتعرض له المواطنون السود على أيدي الشرطة، وبعض مؤسسات الدولة، رغم مرور عام أو أكثر على إلغاء قوانين التمييز العنصري”. ووجه الاتهام لإدارة الرئيس “دونالد ترامب”، مشيراً إلى أن وصوله إلى البيت الأبيض جاء عبر أصوات العنصريين البيض، وبسبب تبنيه لأجنداتهم، وتهجمه على الرئيس باراك أوباما ومطالبته بالعودة إلى كينيا، مسقط رأس والده، والتشكيك في شهادة ميلاده، وحملاته ضد المهاجرين والمسلمين منهم خاصة، كلها أسباب أدت إلى تفاقم ممارسات التمييز العنصري في دولة تدعي أنها زعيمة المساواة والحرية في العالم.
تاريخ جرائم القتل التي قامت بها الشرطة الامريكية في حق أصحاب البشرة السوداء
تظهر بيانات نشرتها صحيفة “واشنطن بوست”، أنّ 1014 شخصاً أسودا، قتلوا على يد الشرطة في عام 2019. وتبيّن عدّة دراسات أن الأمريكيين السود، أكثر عرضة لأن يقعوا ضحايا للشرطة مقارنة بالأعراق الأخرى. وأعلنت منظمة ” رسم خرائط عنف الشرطة” غير الحكومية، في دراسة أجرتها، أن السود يقتلون على يد الشرطة، أكثر بثلاث مرات من البيض. وحفزت وحشية الشرطة ردود فعل مثل حراك “حياة السود مهمّة الذي انطلق عام 2013، وقد لقي دعماً علنياً من بعض المشاهير الامريكيين. وهنا نستعيد هنا أسماء بعض الضحايا الذين أشعلت وفاتهم احتجاجات شعبية ضد وحشية الشرطة.
ففي عام 2012 قتل تلميذ الثانوية الأسود “ترايفون مارتن” (17 عاماً)، برصاص جورج زيمرمان في سانفورد، فلوريدا. وكان الشاب في زيارة لأقاربه في حيّ سكني، حين واجهه “زيمرمان”، وهو متطوّع لحراسة الحي، من أصول لاتينية. وكانت تلك الواقعة مفصليةً في إشعال فتيل حراك “حياة السود مهمّة” الاجتماعي. وفي عام 2014 توفي “إريك غارنر” (44 عاماً) مختنقاً في نيويورك، بعد اعتقاله للاشتباه ببيعه السجائر غير الخاضعة للضريبة. وفي اللقطات المصوّرة التي أخذت للحادث، يكرّر “غارنر” الاستغاثة قائلاً “لا أستطيع أن أتنفس”، فيما واصل الشرطي الأبيض “دانيال بانتاليو” لفّ ذراعه حول عنقه.
وفي عام 2015، تلقى “والتر سكوت” (50 عاماً)، ثلاث طلقات في الظهر، أثناء فراره من الشرطي “مايكل سلاغر”، في مدينة نورث تشارلستون، بولاية كارولينا الجنوبية. و قد أوقف “سلاغر” سيارة “سكوت” لأن ضوء فرامل سيارته كان مكسوراً. وفي عام 2018، قتل “بوثام جان” (26 عاماً)، في شقته، على يد الشرطية، “آمبر غايغر”، خارج أوقات خدمتها الرسمية. وقالت الشرطية إنها دخلت إلى شقة المحاسب عن طريق الخطأ، معتقدة أنها شقتها، وأطلقت النار على “جان”، معتقدة أنه سارق.
وفي عام 2019، قتلت طالبة الطب “أتاتيانا جيفرسون” (28 عاماً) بالرصاص، داخل غرفة نومها الخاصة، في مدينة فورث وورث، بولاية دالاس، على يد الضابط “آرون دين” الذي أدين بالقتل، لكنه لم يحاكم بعد. وفي عام 2020، أصيبت طبيبة الطوارئ “برونا تايلور” (26 عاماً) بثماني طلقات، عند مداهمة عناصر الشرطة شقتها، في مدينة لويزفيل، بولاية كنتاكي، في 13 مارس/آذار الماضي. وتعتقد عائلة تايلور أن الشرطة لم تكن تبحث لا عنها ولا عن شريكها، بل عن مشتبه به لا صلة للضحية به، كان محتجزاً بالفعل وقت الحادثة، ولا يعيش أساساً في المجمع السكني ذاته.
الأمريكيون السود ضحايا كورونا؛ التمييز والغضب المزدوج
لا يزال وباء “كورونا” في ذروته، وفي المجتمعات الغربية خاصة، ولكن الفضائح العنصرية بدأت تتكشف، وتظهر وجهها البَشع، ففي أمريكا بلد الحريات، تؤكد التحقيقات والأبحاث أن الأمريكيين السود هم الأكثر معاناة، ونسبة الوفيّات بينهم هي الأعلى قاطبَة، وتبيّن أن المستشفيات تُعيدهم من أبوابها وتأمرهم بالعودة إلى بيوتهم للموت هناك، فلا أسرّة لهم. إن هذا الوباء كشف وأماط اللثام عن تلك العنصرية بشكل فاضح، وأثبتت البيانات الحكومية أن السود هم الأكثر إصابة ووفاة بفيروس “كورونا” بما لا يقارن بالبيض، بل بالمقارنة بالأقليات الأخرى، فقد تبين أن مدينة “ديترويت”، مثلا، التي يشكل السود 80% من سكانها هي أكثر المدن المتضررة من الفيروس، بين كل مدن ولاية “متشجان”، وعدد الوفيات بها يمثل 40% من الوفيات بالولايات المتحدة.
ويصدق الشيء نفسه على مدن أخرى ذات أغلبية سوداء مثل مدينتي شيكاغو بولاية “إلينوي”، و”نيو أوليانز” بولاية لويزيانا، ففي شيكاغو، مثلت الوفيات بين السود 100% من كل الوفيات بالمدينة، وفي ولاية لويزيانا، التي يمثل فيها السود 32% من السكان، فإنهم يمثلون 70% من الوفيات بفيروس كورونا، أما في نيويورك، بؤرة تفشى المرض، أعطيت الأولوية في توفير اختبار المرض للذين سافروا للخارج، الأمر الذى كان يعنى ضمنيا توفيره لمناطق البيض ذوى الدخول المرتفعة، القادرين على السفر للخارج، وحرمان المناطق ذات الغالبية السوداء من الخضوع لذلك الاختبار.
المصدر/ الوقت