ما سر نجاح حزب الله ضد العدو، وكيف غيرت خطابات نصر الله المعادلات
منذ انهيار الإمبراطورية العثمانية في أوائل القرن العشرين واستمرار الاحتلال الأجنبي في المنطقة، بما في ذلك في لبنان، كانت قضية التحرير من أجل النصر مصيرًا تاريخيًا لهذه البلدان. وكل من قرأ تاريخ لبنان والمقاومة في هذا البلد يدرك أن هذا البلد هو قطب رئيسي في مجال الثورة والتحرر في الصراعات والتطورات في المنطقة.
بعد مرور ست سنوات على انتصارات المقاومة اللبنانية (من تحرير جنوب لبنان عام 2000 إلى هزيمة الصهاينة في حرب الـ 33 يومًا عام 2006)، كان لدى مثلث القيادة الصهيوني المحتل فرصة لإستكشاف نقاط ضعفه وإخفاقاته في الجيش والاستخبارات. لكن في هذه الأثناء دخلت المقاومة بعدًا آخر من المواجهة مع العدو، وكان انتصارها في حرب تموز 2006 مؤشراً على نجاح المقاومة في هذه المرحلة.
وبعد تحقيق النصر، أطل الأمين العام لحزب الله اللبناني، السيد حسن نصر الله، على شاشات التلفاز ليشرح في خطابه في بنت جبيل، مجموعة المبادئ والأسس، وكذلك رسائل هذا الانتصار التاريخي للمقاومة، وأهمها ما يلي:
– استمرار المقاومة لتحرير المناطق اللبنانية المحتلة الأخرى.
– المقاومة مستعدة دائما للرد على أي اعتداء من قبل المحتل الصهيوني ضد سيادة لبنان البرية والجوية والبحرية تحت أي ظرف وفي أي مكان وزمان.
– تستمر المقاومة في التقدم على أعلى مستويات التدريب البشري والعسكري من أجل الاستعداد بقوة في أي حالة طارئة للدفاع عن لبنان وسيادته ووطنه.
– المقاومة هي المشروع الرئيسي في إعادة بناء التماسك الوطني بين الأمة والحكومة والمؤسسات ولا تنفصل أبداً عن المجتمع اللبناني بل هي في صميمها.
– دعم الانتفاضة وقوى المقاومة الفلسطينية من أولويات المقاومة الإسلامية في لبنان.
ربما كانت إحدى ثمار انتصار المقاومة اللبنانية عام 2000 ضد العدو المحتل، ظهور “انتفاضة الأقصى” (الانتفاضة الثانية للفلسطينيين)، التي استمرت أكثر من خمس سنوات، وخلال هذه الفترة دخل الفلسطينيون في عمق المواجهة والصراع مع العدو الصهيوني الى أن فرضوا الهزيمة الكارثية لحرب غزة 2005 ضد المحتلين.
سمح ذلك لقوى المقاومة بتعزيز بنيتها العسكرية والإنسانية، والتي اعتبرت تهديدًا استراتيجيًا للعدو، وحتى الصهاينة أنفسهم اعترفوا بهذه الحقيقة، إلى الحد الذي اعترف به السفير الصهيوني في واشنطن في ذلك الوقت قائلا: السيد حسن نصرالله هو أبرز السياسيين في لبنان وأكثرهم شعبية، وأكثر القادة العرب ذكاء وخطورة.
ثم حاول العدو الصهيوني نزع سلاح حزب الله بدعم من الحكومة الأمريكية وإساءة استخدام حادثة 11 سبتمبر، بالإضافة إلى الاستشهاد الخاطئ بقرار مجلس الأمن 1559 لنزع سلاح الحزب. ولكن في عام 2002، أوضح السيد نصر الله رؤى المقاومة وأكد: “نحن لا نتحدث أبدا عن إنهاء عدوان العدو في مواجهة الأخطار، بل ان العدوان سيكون أكبر وأكبر من ذي قبل، ونحن نفكر في انتصارات وتبعات استراتيجية أكبر من انتصار مايو 2000 على وجود كيان الاحتلال، وكذلك المشروع الصهيوني بأكمله في المنطقة.
لم تكن تصريحات زعيم المقاومة مجرد موقف سياسي بعيد النظر، ولكن المقاومة خلقت مجموعة من المعادلات الميدانية ، وأهمها:
– معادلة الردع البرية: ظهرت هذه المعادلة في الضربات المؤلمة التي وجهتها المقاومة ضد مواقع الكيان المحتل على طول جبهة الصراع في مزارع شبعا وكفرشوبا إلى الجولان المحتل، ومواجهتها الحاسمة مع عدوان الصهاينة على الأراضي اللبنانية المحررة فيما يسمى “الخط الأزرق”.
– صراعات خاصة ومتقدمة: ان الجانب البارز في هذه المعادلة كان ظاهرا في تصرفات عناصر المقاومة داخل قرية الغجر الواقعة على الحدود بين الأراضي الفلسطينية المحتلة ولبنان حيث دائما ما تنقل القنوات الفضائية صورا عن تواجد هذه القوات في قرية الغجر وعملياتهم العسكرية ضد مواقع العدو.
– معادلة الردع الجوي: هذه المعادلة هي رد حاسم على الانتهاكات العديدة للسيادة الجوية والبرية اللبنانية من قبل العدو الصهيوني، حيث حلقت أول طائرة استطلاع من طراز “مرصاد 1” في عام 2004 في سماء الجبهة الشمالية الفلسطينية ورجعت الى قاعدتها بنجاح تام. وبحسب الأمين العام لحزب الله، فإن الطائرة كانت قادرة على حمل 40 إلى 50 كيلوجرامًا من المتفجرات، مما شكل تهديدًا كبيرًا للعدو.
منذ حزيران 1982، أحرزت المقاومة الإسلامية اللبنانية، تقدماً كبيراً في تعزيز مهاراتهم العسكرية بالإضافة إلى عدم خسارة أي حرب ضد العدو. وقال السيد حسن نصر الله خلال احتفال تحرير جنوب لبنان في بنت جبيل جملة تاريخية هي أن “إسرائيل أوهن من بيت العنكبوت”.
ويقول الخبراء إن أخطر حرب نفسية شنها حزب الله، كان خلال هذا البيان الذي القاه السيد حسن حيث دمر معنويات الصهاينة الى درجة كبيرة. وكان الأثر النفسي لهذه الجملة التاريخية للسيد حسن نصر الله، واضحا على الصهاينة على المستويات السياسية والعسكرية والأمنية، وخاصة في مستعمراتهم، حيث أظهرت آثارها السلبية على معنويات الصهاينة.
لذا قرر الكيان الصهيوني المحتل شن حرب للانتقام من حزب الله في لبنان من أجل تحسين سمعته المتشوهه حسب وصف السيد نصر الله. وكان أحد أهداف كيان الاحتلال من حرب تموز / يوليو 2006 هو السيطرة على بنت جبيل ورفع علمها في المنطقة من خلال عملية تسمى “خيوط الفولاذ” ردا على مقولة “خيوط العنكبوت” المهينة، لكن العمليات فشلت بالكامل.
وبعد أن أدرك أنه لا يستطيع تحقيق إنتصار ساحق على حزب الله، قرر العدو الصهيوني، وفي ظل توسيع قدرات المقاومة الصاروخية، البدء بمشاريع استراتيجية مثل “الشرق الأوسط الجديد” و “إسرائيل الكبرى” في المنطقة، لكن كلاهما دمّرا من قبل المقاومة الإسلامية.
ولعل أبرز إنجازات حزب الله في جنوب لبنان هو انتصار المقاومة في ساحة معركة “الذكاء” التي كان يدعي بها العدو الصهيوني، وكذلك انتهاك مقولة “إسرائيل لا تقهر” إلى جانب اثبات حقيقة أن “إسرائيل أوهن من بيت العنكبوت”.
المصدر/ الوقت