بمحاولات تشويه إعلامية.. ثورة مُضادة يقودها إعلام آل سعود-آل زايد
مُنافسة مُحتدمة تلك التي تدور بين المحور السعودي – الإماراتي والمحور التركي – القطري، كما وباتت تنتشر في كافة بقاع الأرض، وكثيرًا ما يقع شعوب البلدان التي يقع بها التنافس فريسة للحملات الإعلامية المُضللة التي يشنها أحد الطرفين، وآخر ساحات تلك المنافسة كانت تونس التي تُعتبر البلد العربي الوحيد الناجي من الربيع العربي، وهو الأمر الذي أزعج سلطات الإمارات والسعودية، وبالطبع حليفهما السيسي الذي يأتمر بأوامرهما، لتبدأ الماكينات الإعلامية للدول المذكور بشنِّ حملة تشويه غير مسبوقة ضد تونس والفئة الحاكمة هناك، في محاولة من الإمارات تقويض حالة الديموقراطية هناك كي لا تُصبح هذه التجربة أُنموذجاً يحتذى لبقيّة وتُطالب بما حصل عليه التونسيين، ولا سيما شعوب الدول الخليجية، وإبقاء تلك الدول مُتخوفة من التجربة الليبيّة.
كثيراً حاولت الإمارات والسعودية تحقيق نتائج ولو محدودة في جهودهم لتقويض الانتقال الديمقراطي الناجح نسبياً لتونس، غير أنّ جهودهم بائت بالفشل، وهدفت تلك الجهود للفوز بالدولة الواقعة في الشمال الإفريقي؛ واليوم تحول الإمارات والسعودية تقديم الحصول على فرصة جديدة للفوز بتونس وإبعادها عن محور أنقرة ت الدوحة، الأمر الذي سُيساعد أبو ظبي والرياض في حربهم الجيوسياسية التي يخوضها حليفهم أمير الحرب خليفة حفتر في ليبيا، ضد حكومة الوفاق الوطني المدعومة من تركيا وقطر، وبالطبع كلُّ ذلك يجري على الحدود مع تونس.
غير أنّ فشل الإمارات والسعودية ومن خلفهم مصر في جر التونسيين إلى محورهم؛ دفع الدول الثلاث لشنِّ حربٍ إعلامية شعواء، كان آخرها تقرير نشرته قناة “الغد” الإماراتية، وخلّف غضبا واسعا في أوساط التونسيين، وذلك فبركته أحداثاً وأخباراً تدعي وجود احتجاجات شعبية في تونس ضد تفشي البطالة وغياب سلع غذائية أساسية، وهو الأمر الذي أثار موجة غضبٍ واسعة بين أوساط التونسيين الذين لم يسمعوا بتلك الاحتجاجات سوى في وسائل الإعلام الإماراتية والسعودية والمصرية، حيث ادعى التقرير وجود مظاهرات في 7 محافظات تونسية، احتجاجا على تفشي البطالة، وغياب مشاريع البنى التحتية، ونفاد سلع غذائية أساسية من المتاجر، وعدم توزيع السلع بشكل عادل على الفئات الضعيفة خلال فترة الحجر الصحي المفروضة ضمن تدابير مواجهة كورونا.
محاولات مُستمرة
الكثير من الشكوك دارت حول الدور الإماراتي وأنها مارست حملات إعلامية بغية تشويه حركة النهضة، كما وشجعت الاحتجاجات المناهضة لحركة النهضة في العام 2013، وعقب انتخابات 2014 والتي أسفرت عن تحالف نداء تونس والنهضة، حيث أرادت الإمارات إقناع الرئيس الراحل الباجي قائد السبسي بالاستيلاء على السلطة من حزب النهضة بأسلوب السيسي –انقلاب- غير أنّ كافة محاولاتها لاقت الفشل، لتبدأ في العام 2018 حملة إعلامية أخرى ضد التونسيين وعلى رأسهم حركة النهضة بهدف إبعاد هذه النهضة عن العمل السياسي في تونس وإلصاق صفة الإرهاب بها.
الانتكاسات المُتعددة التي طالت المشروع الإماراتي في كافة السيناريوهات التي حاولت حياكتها، إلا أن تصميمها على تحقيق أهدافها دفعها إلى فضح نفسها، خصوصًا بعد سعيها لشويه سمعة الزعيم الفكري لحركة النهضة راشد الغنوشي، وذلك من خلال موقع إنترنت موجوع في لندن (ميدل إيست أونلاين) حيث قال هذا الموقع الذي يُديره أحد المُقربين من بن زايد وهو هيثم الزبيدي: “الغنوشي بأنّه يدّعي إيمانه بالديمقراطية في حين أنه يقود حزبا يمثل واجهة لمنظمة إرهابية، ويتسامح مع الإرهاب ويشجعه ويدعمه بنشاط في تونس وفي الخارج؛ وأنه سمح لحزبه باستلام أموال من دولة قطر، مما سهل لقطر ممارسة تأثير سلبي على السياسة التونسية”، فما كان من الغنوشي إلّا أن أقام دعوى تشهير ضد هذا الموقع، لتحكم محكمة بريطانية لصالح الغنوشي، وهو الأمر الذي يضرب السمعة الإماراتية في الصميم.
وفي النهاية؛ فإنّ المخاوف من أن أي انتقال إيجابي من ديكتاتورية تونس ما قبل الثورة إلى دولة مدنية ديموقراطية يمكن أن يلهم الثوريين الإقليميين الآخرين للدفع نحو المطالبة بالإصلاحات، الأمر الذي يُنذر بتحديات أكبر داخل مملكة آل سعود والنظام الاستبدادي في الإمارات، وكلا النظامين، ينظران أيضًا إلى الإسلام السياسي على أنه تهديد للوضع الإقليمي المطلوب، وبالتالي كانت محاولة استهداف تونس ومن خلفها حركة النهضة وذلك نظرًا لطبيعته الإسلامية الناعمة، غير أنّ واقع الحال والتاريخ يقول إنّ أيّ محاولات تشويه إعلامية لن تستطيع إسقاط ديموقراطية مُنتخبة، مهما بلغت قوّة تلك الحملات.
المصدر/ الوقت