لبنان في قلب مؤامرة جديدة ضد محور المقاومة
مع تراجع الذعر العام من تفشي فيروس کورونا في معظم أنحاء العالم، ظهر مثل هذا الحدث في لبنان کفرصة للمتظاهرين المحتجين علی الوضع الاقتصادي غير المواتي، للعودة إلى الشوارع وبدء جولة جديدة من الاحتجاجات المناهضة للحكومة.
وفي هذا السياق، تظاهر آلاف اللبنانيين في شوارع العاصمة اللبنانية بيروت يوم السبت المنصرم، غير أن الاحتجاجات تحولت إلى أعمال عنف، بسبب بعض الشعارات المثيرة للتفرقة الدينية والاشتباكات بين أنصار ومعارضي هذه الشعارات ومن ثم تدخل قوات الأمن، ونتيجةً لذلك، أصيب 48 متظاهراً بحسب ما أعلنه الصليب الأحمر اللبناني.
إستمرار الظروف الاقتصادية الصعبة
من الواضح أن لبنان يمر حاليًا بأسوأ أزمة مالية منذ الاستقلال. حتى خلال الحرب الأهلية (1975-1975)، لم يشهد الناس مثل هذه الأزمة المالية، حيث يعاني لبنان من ارتفاع معدلات البطالة والركود الاقتصادي، ولديه أحد أعلى نسب الدين الخارجي في العالم.
وعلى الرغم من عدم وجود بيانات موثوقة حول معدل البطالة في لبنان، ولکن في مرحلة معينة من عام 2018، قال الرئيس اللبناني نفسه إن معدل البطالة يبلغ حوالي 46 بالمائة. وبالطبع، عزا ارتفاع معدل البطالة إلى وجود اللاجئين السوريين، بالإضافة إلى الوضع الاقتصادي المتردي.
من ناحية أخرى، وفقًا لصندوق النقد الدولي، بين عامي 1993 و2018 ارتفع الدين العام للبنان من 4.4 مليار دولار إلى 85 مليار دولار، ومن المتوقع أن تنمو نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي بحوالي 185 في المائة بحلول عام 2024. وفي الوقت الحاضر، تزيد مدفوعات الفوائد 9٪ من الناتج المحلي الإجمالي.
لقد فقدت العملة اللبنانية(الليرة) أكثر من نصف قيمتها مقابل الدولار، فارتفعت الأسعار نتيجةً لذلك. وارتفع معدل التضخم السنوي في لبنان إلى 36.11 بالمئة في فبراير 2020، وهو أعلى مستوى منذ ديسمبر 2008.
کذلك، ارتفعت أسعار المواد الغذائية بشكل أسرع(19.76٪ مقابل 14.45٪ في يناير)، السجائر والتبغ (36.60٪ مقابل 33.39٪)، والملابس(30/92٪). طبعاً، التضخم في قطاعات الإسكان والمرافق والنقل آخذ في الانخفاض. وفي هذه الظروف، فاقم فيروس كورونا الوضع الاقتصادي المتردي في هذا البلد.
يتمتع لبنان بالاقتصاد الخدماتي، وأهم أجزاءه البنوك والسياحة. ومع إغلاق معظم المطارات في الدول الخليجية التي تشكل الجزء الأكبر من السياح الأجانب، انخفض عدد الركاب من وإلى لبنان إلى النصف(53٪ سنويًا بالضبط)، أي 1.2 مليون مسافر بحلول أبريل 2020.
کما كان للحرب الأهلية السورية التي بدأت في عام 2011، تأثير سلبي لا يمكن إنكاره على انخفاض الأمن، مما أدى إلى تراجع الاستثمار الأجنبي المباشر وانخفاض كبير في السياحة في لبنان.
تحالف الخصوم الداخليين والخارجيين ضد حسان دياب
بعد أن استقالت الحكومة اللبنانية السابقة برئاسة “سعد الحريري” هربًا من المسؤولية أمام مطالب المحتجين، وكذلك للضغط على تحالف 8 آذار المقرب من المقاومة في البرلمان والاستيلاء على السلطة، تمكن “حسان دياب” أخيراً من تشكيل حكومة جديدة في يناير بدعم من حزب الله وحلفائه.
حسان دياب الذي وعد بالتغيير، كشف النقاب عن خطته الجديدة للإصلاح الاقتصادي، والتي سيتم تنفيذها على مدى السنوات الخمس المقبلة، واضعاً علی جدول أعماله أهدافاً مثل خفض عجز الميزانية في لبنان إلى أقل من ستة بالمائة(5.6 بالمائة)، وتنظيم الديون المستقلة وخفض الدين العام إلى أقل من 100 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي، إعادة بناء القطاع المصرفي والمالي لخلق فرص العمل ومكافحة الفساد.
ومع ذلك، من أجل تنفيذ خططه، يواجه دياب مشكلة نقص الموارد المالية وعراقيل المعارضين المحليين والأجانب، الذين يسعون إلى الإطاحة بحكومته.
ومن أجل تأمين التمويل، يسعى دياب للحصول على مساعدة مالية بقيمة 10 مليارات دولار من صندوق النقد الدولي، بالإضافة إلى مساعدات مالية وعدت بها الدول المشارکة في مؤتمر باريس(سيدر)، الذي انعقد في أوائل عام 2020.
في الواقع، تعتمد حركة عجلة الاقتصاد اللبناني إلى حد كبير على المساعدات الخارجية، لتنفيذ الإصلاحات وتعزيز الاقتصاد. في هذه الأثناء، أصبح من الصعب على الحكومة اللبنانية الحصول على هذه المساعدات بسبب التدخل الأجنبي.
حكومة الولايات المتحدة إلى جانب السعودية والکيان الصهيوني، التي فشلت في هزيمة المقاومة اللبنانية على الأرض، من أجل خلق الفوضى في لبنان وإضعاف حزب الله، وجَّهت خططها نحو زعزعة الاستقرار وتقويض سلطة الحكومات المركزية في لبنان، عبر تفجير المشاكل الاقتصادية في هذا البلد.
بالإضافة إلى العقوبات الأمريكية على مختلف القطاعات الاقتصادية اللبنانية، يحاول البيت الأبيض من خلال التدخل في عمل صندوق النقد الدولي، منع دخول العملات الأجنبية لتعزيز الهيكل النقدي اللبناني. کما كانت هناك تقارير أيضاً عن حظر احتياطي لبنان من الذهب في نيويورك، مما كان له تأثير كبير على قيمة العملة الوطنية لهذا البلد.
من جهة أخرى، فإن ترديد الشعارات الطائفية المثيرة للتفرقة الدينية، بهدف إثارة الشغب والاضطرابات الطائفية في لبنان، الذي يتميز بتنوع ديني وعرقي واسع، يظهر أن المؤامرة الأجنبية لإثارة الاضطرابات في لبنان ستدخل مرحلةً جديدةً في الأيام والأسابيع المقبلة، بحيث أن العديد من المسؤولين اللبنانيين ومن خلال فهم هذه المؤامرة، يحذرون من مصدرها الأجنبي.
وفي هذا السياق، شدد رئيس مجلس النواب اللبناني “نبيه بري” على أن أي صوت يحرض على الفتنة بين أهل البلد وأتباع الديانة الواحدة، هو في الواقع صوت عبراني، حتى لو كان باللغة العربية، وأن كل من يوقظ الفتنة ملعون.
كما دعا الرئيس اللبناني “ميشال عون” إلى إنهاء المحاولات لإثارة الفتنة الدينية، ووصف التطاول على الرمز الديني لكل جماعة وطائفة بالهجوم على لبنان كله. کذلك، أدان حزب الله في بيان الشعارات المهينة التي يرددها بعض الأشخاص، مؤكداً أنه يعارض أي شيء يمكن أن يؤدي إلى الانقسام والتفرقة والتوترات الدينية والطائفية.
المصدر / الوقت