أصوات العنصرية تتفشى داخل الجيش الأمريكي؛ الاحتجاجات تنسف الاستقرار في الولايات الأمريكية
انتشرت الاضطرابات والأزمات الناجمة عن الاحتجاجات المناهضة للعنصرية والاعتقالات التعسفية التي يتعرض لها المتظاهرين في مختلف الولايات الأمريكية وفي وقتنا الحالي تعيش الحكومة الأمريكية التي دعت في البداية إلى قمع المتظاهرين، في ظل العديد من المخاوف بشأن نتائج الانتخابات الرئاسية، التي من المقرر أن تجري في غضون ثلاثة أشهر. وفي ظل هذه الظروف، دعت عددا من الشخصيات البارزة في حزب “ترامب” لتصحيح أخطاء هذا الرئيس المتهور وذلك لكي يتمكن من كسب ثقة الشعب الأمريكي والفوز في الانتخابات القادمة. إن انتقاد الشخصيات الجمهورية البارزة لـ”ترامب” في الأيام الأخيرة وتبرأهم من القيام بعمليات قمع للاحتجاجات، سوف تؤدي تفاقم استقطاب المجتمع الأمريكي.
ومع ذلك، فإن الجروح القديمة للظلم الاقتصادي والشعور التاريخي بالتمييز العنصري من قبل الأقليات، وخاصة السود في النظام الرأسمالي الأمريكي، الذين حولوا شعارات المحتجين تدريجيًا نحو استهداف الهيكل السياسي بأكمله، قد خلق الكثير من المخاوف لدى الجمهوريين وحتى النخب السياسية بشأن استمرار وتصاعد الاحتجاجات وأصحب من الواضح الآن للغالبية العظمى من الأمريكيين أن الماء تأتي من مصدر موحل، وأنه يجب إيجاد حل حقيقي خارج هذا الحزب أو ذاك
الجدير بالذكر أن مخاوف الحزبين الجمهوري والديمقراطي، قد أجبرهم مؤخراً على اختيار الجنرال “تشارلز براون” من ذوي البشرة السوداء لرئاسة منصب أركان سلاح الجو الأمريكي. وحول هذا السياق، كشفت العديد من المصادر الاخبارية، أن مجلس الشيوخ الأمريكي صوّت يوم الثلاثاء الماضي بالإجماع، 98 صوتا مقابل صفر، على تثبيت الجنرال “تشارلز براون” في منصب رئيس أركان سلاح الجو، أحد أفرع القوات المسلحة الستة. وبذلك يصبح “براون” أول ضابط من أصول أفريقية يتولى هذا المنصب الحساس وثاني عضو أسود البشرة يشارك في عضوية هيئة أركان الجيوش المشتركة في تاريخ الولايات المتحدة الأمريكية. ويأتي هذا التعيين في خضم الاحتجاجات المنددة بالعنصرية وعنف الشرطة على خلفية مقتل “جورج فلويد” في 25 مايو/أيار الماضي.
ويأتي تعيين “براون” في وقت تتواصل فيه المظاهرات في جميع أنحاء الولايات المتحدة ضد العنصرية وسوء المعاملة التي يتعرّض لها الأمريكيون من أصل أفريقي، في احتجاجات أشعل فتيلها موت المواطن الأعزل “جورج فلويد” في 25 مايو/أيار اختناقا تحت ركبة شرطي أبيض أثناء توقيفه في مدينة مينيابوليس. وسارع الرئيس “دونالد ترامب” إلى الترحيب بمصادقة مجلس الشيوخ على تعيينه الجنرال “براون” في هذا المنصب. وكتب “ترامب” في تغريدة على تويتر “يوم تاريخي لأمريكا! متحمس للعمل بشكل أوثق مع الجنرال براون، الرجل الوطني والقائد العظيم!”.
الجدير بالذكر أن الجنرال “براون” كان قد أدلى الأسبوع الماضي بشهادة مؤثرة حول العقبات التي واجهته بسبب لون بشرته أثناء صعوده السلم الوظيفي في الجيش، مؤكدا أن حياته المهنية “لم تكن دوما مثالا للحرية والعدالة”. وروى الجنرال المتحدر من تكساس في شريط فيديو كيف أنه كان يجد نفسه في أغلب الأحيان الطيار الأسود البشرة الوحيد في سربه أو الضابط الوحيد من أصل أفريقي في غرفة مكتظة بالضباط، وكيف كان هؤلاء يسألونه عما إذا كان فعلا ضابطا مع أنه كان يرتدي نفس الزي العسكري الذي يرتدونه ويضع نفس الشارات العسكرية التي يضعونها.
وعلى صعيد متصل، كشفت العديد من المصادر الاخبارية، أنه لا تزال الاحتجاجات الجماهيرية في الولايات المتحدة مستمرة وذلك للمطالبة بتحقيق العدالة والقضاء على العنصرية وذلك عقب مقتل رجل أسود يدعى “جورج فلويد” على يد ضابط شرطة أبيض يدعى “ديريك شافين” في مدينة “مينيابوليس”، التابعة لولاية “مينيسوتا”، وذكرت تلك المصادر الاخبارية بأن عدد المتظاهرين يزداد يوماً بعد يوم. ولفتت إلى أنه قُتل ما لا يقل عن 20 شخصًا وأصيب عدد كبير في هذه الاحتجاجات التي توسعت رقعتها خلال الايام القليلة الماضية ووصلت إلى جميع الولايات والمدن الأمريكية. وأكدت تلك المصادر إلى أن شرطة مكافحة الشغب اقتحمت مسيرة للمتظاهرين وقامت بإلقاء القبض على المئات من المتظاهرين. وأكدت تلك المصادر أنه تم نشر 13 ألف عنصر من شرطة مكافحة الشغب والشرطة السرية الأمريكية في عدد من المدن والولايات الأمريكية.
وأشارت تلك المصادر إلى أن الحكومة الأمريكية فرضت رقابة كبيرة على الشبكات الاجتماعية ووسائل التواصل الاجتماعي، كما قامت بالتنصت على محادثات المواطنين الأمريكيين. وأضافت تلك المصادر أن المتظاهرين أضرموا النيران في العشرات من سيارات الشرطة والبنوك والمباني الحكومية في مدن أمريكية مختلفة خلال الايام القليلة الماضية، ولا يزال المتظاهرين مستمرون في عمليات الهدم والنهب في جميع أنحاء الولايات المتحدة، ولا توجد علامات على أن هذه الاحتجاجات ستتوقف أو تتقلص في القريب العاجل. وفيما يلي سوف نتطرق إلى خمسة إحصائيات مهمة تروي لنا تفاصيل الاحتجاجات في الولايات المتحدة.
وكان قادة القوات الجوية أول من تحدث عن “جورج فلويد”، حيث نشر “جون رايت”، أحد كبار مسؤولي القوات الجوية، يوم الاثنين الماضي تغريدة قال فيها: “الخوف الأكبر، هو أنني سأستيقظ وأبلغ عن مقتل أحد طيارينا السود على يد ضابط شرطة أبيض”. وتقدم الجنرال “مارك ميلي” رئيس هيئة أركان الجيش الأمريكي، الذي صاحب “ترامب” في مسيرته عبر ساحة “لافاييت”، بمذكرة يوم 2 يونيو/حزيران بدت وكأنها توبيخ حاد بعض الشيء لمحاولة ترامب الاستعانة بالقوات المسلحة لقمع المتظاهرين. أيضاً، تحدث الجنرال “ديفيد غولدفين”، رئيس أركان سلاح الجو الأمريكي، والفريق “جاي سيلفريا” المشرف على أكاديمية القوات الجوية هذا الأسبوع دعماً لمظاهرات العدالة العرقية، إذ تبرأ “سيليفريا” مباشرة من استخدام العنف ضد المواطنين الأمريكيين.
وعلاوة على هذا، أصدر رئيس مكتب الحرس الوطني “جوزيف إل. لينجيل” بياناً يوم الأربعاء الماضي بعنوان “علينا التصرف بطريقة أفضل” تبرأ فيه من العنصرية التي أدت إلى مقتل كثيرين من الأمريكيين الأفارقة العزل، ويحث الأمريكيين على الاستماع والتعلم، ويذكرنا بأن “كل من يرتدي الزي العسكري في بلادنا أقسم يميناً على حماية الدستور وكل ما يمثله”. وقال إنه إن كان عليهم حلف اليمين بوصفهم أفراداً في الخدمة و”بشراً مهذبين”، فعليهم حلفه.
لكن الصوت الأكبر ذو الصدى الأعلى الذي شارك في تلك المعركة، والذي مثَّل واحدة من أعظم حوادث توبيخ الرئيس الحالي على يد مسؤول حكومي سابق، كان صوت وزير الدفاع السابق “جيم ماتيس” الذي وبخ “ترامب” لانقسام أمريكا واتهمه بالتصرف على نحو غير دستوري. وكتب “ماتيس” يوم الأربعاء، 3 يونيو/حزيران، “دونالد ترامب أول رئيس أعهده لا يحاول توحيد الشعب الأمريكي، أو حتى يتظاهر بأنه يحاول فعل ذلك. بل إنه يحاول تفريقنا. إننا نشهد عواقب ثلاث سنوات من جهوده المتعمدة. نشهد عواقب ثلاث سنوات دون قيادة ناضجة”. وتابع قائلاً: “عندما انضممت إلى القوات المسلحة منذ نحو 50 عاماً، أقسمت يميناً على دعم الدستور والدفاع عنه. لم أتخيل قط أن القوات التي أقسمت ذات اليمين قد تؤمر تحت أي ظرف من الظروف بانتهاك الحقوق الدستورية لبني وطنهم، ناهيك بتقديم صورة غريبة للقائد العام المنتخب يقف فيها جنباً إلى جنب مع القيادة العسكرية”.
إن وجود العنصرية في داخل أوساط الجيش الأمريكي قد فتح الباب أمام السياسيين للتدخل. ففي عام 2006، دعا أربعون عضوًا في الكونغرس وزير الدفاع آنذاك “دونالد رامسفيلد” إلى إجراء تحقيق موسع في الأمر واتباع سياسة أكثر صرامة تجاه العنصريين البيض في الجيش. لكن “رامسفيلد” وخليفته، “روبرت جيتس”، لم يقوموا بأي بحث جاد أو إيجاد سياسة لمناهضة للعنصرية داخل أوساط الجيش الأمريكي. ويبدو أنه على مدى العقود الماضية، لم يكن هناك تصميم جاد من جانب وزارة الدفاع والجيش الأمريكي لمنع العنصريين البيض من الانضمام إلى القوات المسلحة أو طردهم من هذه القوات بسبب عنصريتهم ولهذا فإنه يمكن القول أن هذه القضية أصبحت الآن بمثابة ناقوس الخطر للجيش الأمريكي.
المصدر/ الوقت