التحديث الاخير بتاريخ|الخميس, نوفمبر 14, 2024

بعد كلام يوسف العتيبة.. التطبيع بين الإمارات والاحتلال يتسارع 

سياسة ـ الرأي ـ
خلال مؤتمر صحفي نادر مساء الخميس الماضي، سُئل رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو عمّا إذا كان ومتى وكيف ينوي تنفيذ خطته لضمّ أجزاء من الضفة الغربية، فأجاب: “أحاول الحصول على النتيجة المثلى.. كلّما قلّ الحديث عن ذلك في هذه المرحلة، كلما زادت فرص تحقيق أفضل نتيجة ممكنة”.

من غير الواضح ما الذي يعنيه نتنياهو بالضبط وكيف ستساعده السرية في تطبيق “السيادة الإسرائيلية” على غور الأردن وجميع المستوطنات في الضفة الغربية – وهو هدفه الذي وعد به كثيرا. ربما كان يشير إلى تقارير تفيد بأن الإدارة الأمريكية لم تعد متحمّسة جدا للفكرة.

ولكن، من المفارقات ربما، أن مقال رأي غير مسبوق باللغة العبرية نُشر يوم الجمعة في الصحيفة الإسرائيلية الأكثر مبيعا (يديعوت أحرونوت)، حذر فيه مسؤول إماراتي كبير من أن الضم من جانب واحد سيعرض التقارب بين العالم العربي و”اسرائيل” للخطر، قد يشير إلى أن العكس هو الصحيح إذا كان الأمر كذلك – كلما تحدث نتنياهو عن الضم، وكلما اعتقد الناس أنه سيقوم بذلك بالفعل، كلما زادت الفوائد إذا لم ينتهِ به الأمر بتنفيذ تعهداته.

لأنه إذا كانت “المقالة الفاصلة”، كما وصفتها صحيفة “نيويورك تايمز”، قد أظهرت شيئا واحدا، فهو أن تصريحات رئيس الوزراء المستمرة عن النية بشأن الضمّ قد حركت قائمتي المرمى بشكل كبير لدرجة أن العالم العربي يبدو سعيدا بمواصلة تحسين العلاقات طالما أن “إسرائيل” لا تعمل على تغيير الوضع الراهن في الضفة الغربية.

دول الخليج (الفارسي) لن تعترف أبدا بعلاقاتها مع “إسرائيل” حتى يتحقق “السلام”؟ حسنا، لا لفترة طويلة رفض المسؤولون العرب الاعتراف علنا بعلاقاتهم السرية مع “تل أبيب”. أصرّ المحلّلون على أن هذه العلاقات، على الرغم من تنوّعها وعمقها، يجب أن تظل صامتة رسميا، طالما لم يكن هناك اتفاق سلام إسرائيلي فلسطيني رسمي، وزعموا أن القادة العرب يخشون من إغضاب جماهيرهم إذا خرجت هذه العلاقات إلى العلن قبل ذلك الوقت.

يبدو أن يوسف العتيبة، سفير الإمارات لدى الولايات المتحدة، قد قلب هذه الفكرة في مقال الرأي الذي كتبه لـ”يديعوت”.

العتيبة حذّر من أنه إذا مضت “إسرائيل” قدمًا في الضم، فستتوقّف العلامات المتزايدة لـ”صداقتنا الناشئة”. ولكن إذا لم تفعل شيئًا، فبحسب القراءة بين السطور ستكون السماء هي الحدّ.

التقدم في عملية “السلام”؟ سيكون ذلك رائعا، لكن مقال الرأي يشير إلى أن هذا لم يعد شرطا أساسيا لتعميق التطبيع.

مقال الرأي الذي كتبه العتيبة كان مذهلا لعدة أسباب، بما في ذلك، على سبيل المثال لا الحصر، أنها المرة الأولى التي يتواصل فيها دبلوماسي خليجي بارز مع الجمهور الإسرائيلي من خلال صحيفة إسرائيلية بالعبرية.

وما هو مدهش أكثر من الوسيلة كان الرسالة الفعلية. بين التحذيرات الصارمة بشأن تأثير الضم، كان هنا للمرة الأولى اعتراف صريح بالتقارب بين الإمارات و”إسرائيل”، بأنه توجد بين الأخيرة والعديد من دول الخليج(الفارسي) علاقات أمنية وتجارية واسعة النطاق في واحد من أكثر أسرار الشرق الأوسط علانية، لكن حتى اليوم حافط القادة العرب على درجة من الإنكار. أما الآن فقد أصبح هذا من الماضي.

كتب العتية “لقد اتبعنا دبلوماسية هادئة وأرسلنا إشارات علنية للغاية للمساعدة في تغيير الديناميكيات وتعزيز الإمكانات. على سبيل المثال، تمت دعوة “إسرائيل” للمشاركة في “إكسبو دبي 2020″ المقرر تنظيمه في العام المقبل. للدبلوماسيين الإسرائيليين وجود مستمر في أبو ظبي في مقر وكالة الأمم المتحدة للطاقة المتجددة”.

وأضاف أن بلاده تعارض حزب الله وحماس وتظهر تقبّلًا لجالية يهودية محلية آخذة بالازدياد، وحتى أنها تعمل على بناء كنيس جديد لها.

ولخّص السفير الإماراتي الفوائد العديدة التي يمكن أن يحققها التطبيع مع دول الخليج الفارسي للإسرائيليين بالقول “أمن أكبر. اتصالات مباشرة. أسواق موسعة. قبول متنامٍ”.

نعم، الضم سيكون “استفزازًا مضلّلًا” سيحكم على كل آفاق استمرار التطبيع بالهلاك، كما قال محذرا، لكن سيتم تعليق التقارب، لا أكثر ولا أقلّ. العتيبة لم يهدد بتسليح المقاومة الفلسطينية، ولا الدفع بحركة مقاطعة عربية أخرى.

في مقابلة مع صحيفة “ذا نشيونال” الإماراتية، التي تم نشرها بعد وقت قصير من نشر مقاله يوم الجمعة، قال العتيبة إن الضمّ الأحادي للضفة الغربية سيكون أسوأ من قرار الإدارة الأمريكية نقل سفارتها إلى القدس قبل عامين، وقال “لديهم الحق السيادي في وضع سفارتهم أينما شاؤوا، لكن هذه الأرض هي أرض متنازع عليها”.

ولكن حتى اختيار الكلمات هذا كان له دلائله: المسؤولون العرب لا يتحدثون عادة عن “أرض متنازع عليها”، وإنما يدينون “إسرائيل” لاحتلالها بشكل غير قانوني أراضيَ سرقتها من الفلسطينيين.

كانت الرسالة واضحة: كل ما يتطلّبه الأمر لاستمرار العلاقات الإسرائيلية الإماراتية في الازدهار هو إلغاء الضمّ من جانب واحد. ليس إنشاء دولة فلسطينية، أو أي تنازلات أخرى في هذا الشأن، وإنما مجرد عدم اتخاذ أي خطوة تضرّ بالوضع الراهن.

هناك من يعتقد بأن نتنياهو لم يكن ينوي قط المضيّ قدمًا في خطته للضم، وأن الأمر كله كان مجرد حيلة سابقة للانتخابات لكسب تعاطف الناخبين من اليمين المتطرف، أو خدعة لإلهاء الرأي العام عن محاكمته بالفساد.

البعض الآخر، بما في ذلك أولئك الذين يعملون معه عن كثب في هذا الملف، مقتنعون بأنه متعطش لتوسيع “السيادة”، إذ يعتبر الضمّ فرصة تاريخية لتحديد حدود “إسرائيل” الشرقية أخيرا.

سيحدد الوقت أيًا من المعسكريْن كان محقًا. يقول نتنياهو إنه يريد بدء الضم بعد أسبوعين تقريبا من الآن، لكن البيت الأبيض يبدي حاليا كما يبدو حماسة أقل لإعطاء الضوء الأخضر للعملية، خاصة في غياب موقف موحد داخل الحكومة الإسرائيلية.

إذا قرّر نتنياهو التراجع وإلغاء خطط الضمّ، فإن تنفس الصعداء في صفوف الفلسطينيين والعديد من الإسرائيليين والعالم العربي وأوروبا وبقية المجتمع الدولي سيفوق خيبة الأمل التي سيشعر بها الناشطون المؤيدون للاستيطان.

مقال العتيبة أوضح أن التقارب العربي الإسرائيلي سيسير بخطى متسارعة، حتى لو ظلّ “السلام” مع الفلسطينيين حُلمًا بعيد المنال.انتهى

طباعة الخبر طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق ارسال الخبر الى صديق

اضافة تعليق