زيارة ظريف لاسطنبول.. الأهداف والمنجزات
لقد رافق تفشّي كورونا في جميع أنحاء العالم انخفاض بمستوى العلاقات الدبلوماسية على المستوى الدولي وتراجع عدد اللقاءات الدبلوماسية إلى مستوى غير مسبوق ، لكن وزارة الخارجية الإيرانية لديها استراتيجية منسجمة ونشطة نسبياً في مسار التفاوض والحوار مع دول الجوار في منطقة غرب آسيا. وفي هذا السياق، وصل وزير خارجية الجمهورية الإسلامية الإيرانية محمد جواد ظريف إلى اسطنبول في زيارة خلال يومي 14 و 15 يونيو 2020 للاجتماع والتشاور مع المسؤولين السياسيين الأتراك. وخلال هذه الزيارة ، التقى وزير الخارجية الإيراني مع نظيره التركي “مولود جاويش اوغلو” وجرت محادثات بين الجانبين.
تأتي هذه الزيارة في وقت تسبّب فيه تفشّي كورونا بظهور مشكلات في مجال التواصل والرحلات الجوية والبرية وكذلك التبادل التجاري من جهة، ومن جهة أخرى ، لا يزال مستوى الخلافات في وجهات النظر والتعاون السابق بشأن القضايا الإقليمية قائم بين البلدين. وبالنظر إلى هذين المستويين ، فإن السؤال الذي يطرح نفسه الآن هو ما هي أهم قضايا النقاش بين الجانبين، وما هو الغرض من متابعة طهران لهذه الزيارة الدبلوماسية؟ للإجابة على هذا السؤال الرئيس يمكن الإشارة الى أربع محاور رئيسة.
اجتياز ظروف كورونا
المستوى الأول وربما الأكثر سهولة للمفاوضات بين وزيري الخارجية الإيراني والتركي هو بإزالة العوائق التي تعترض العلاقات الثنائية بعد تفشي فيروس كوفيد 19. فبعد تفشي كورونا في إيران ، أغلقت الحكومة التركية حدودها الجوية والبرية مع إيران ، الأمر الذي يبدو منطقياً وطبيعياً وبالنظر إلى التهديد الذي يشكّله هذا المرض. في المستوى الأول جرى النقاش حول استئناف الرحلات الجوية بين البلدين فقد تقرر استئناف الرحلات الجوية بين البلدين منذ بداية أغسطس من العام الحالي.
وعلى صعيد آخر، فإن إعادة فتح الحدود ، وتبادل المسافرين والسياح بين البلدين ، وكذلك توسيع الأنشطة التجارية بين البلدين ، هي قضايا أخرى ناقشها الجانبان ، حيث تم تحقيق بعض النتائج في هذا المجال، كما اشار وزير الخارجية التركي “مولود جاويش اوغلو” بعد اجتماعه مع نظيره الإيراني محمد جواد ظريف في اسطنبول إلى انه يتم العمل الآن على تسهيل تبادل الزيارات عبر الحدود، قائلاً: “لقد فتحنا الحدود وسنواصل جهودنا لتنشط الخطوط الجوية والبرية. هذا مهم جدا لقطاع السياحة بين الجانبين. سنواصل تحسين العلاقات الثنائية على أساس المصالح المشتركة”.
تعزيز التعاون الأمني
المستوى الثاني من المحادثات بين إيران وتركيا خلال زيارة ظريف لإسطنبول هو تعزيز التعاون المشترك في مجال مكافحة الإرهاب. للأسف، تحدث وزير الداخلية التركي “سليمان صويلو” خلال الأسابيع الأخيرة عن وجود عناصر تابعين لتنظيم “بي كا كا” الإرهابي في إيران ، حيث قوبلت تلك التصريحات برد حاسم من قبل القادة العسكريين الإيرانيين. وفي هذا السياق نفى قائد القوات البرية في الحرس الثوري العميد محمد باكبور، وجود عناصر لـ بي كا كا الإرهابي في إيران وحذر من التصريحات غير المسؤولة للمسؤولين الحكوميين الأتراك.
في الظروف الراهنة، يبدو أن مناقشة التعاون المشترك في مواجهة التهديدات الأمنية كانت أحد أهداف ظريف المهمة والرئيسة خلال لقائه مولود جاويش أغلو في اسطنبول. وفي هذا الصدد ، اشار جاويش أوغلو ، إلى المحادثات بشأن الحرب المشتركة ضد الإرهاب، قائلاً: “إننا نشهد أعمالاً إرهابية في المنطقة. إن الإرهاب هو عدو مشترك لنا جميعاً. يجب أن نواصل مستقبلاً تعاوننا في هذا المجال.” بالتأكيد ان ردود فعل الجمهورية الإسلامية الإيرانية على مدى السنوات القليلة الماضية أظهرت بوضوح أن طهران لم تتقاعس في اتخاذ أي إجراء لمكافحة الإرهاب وتأمين حدودها مع دول الجوار. في الوضع الجديد ، من وجهة نظر إيران ، إن الحفاظ على التعاون الأمني بين الجانبين يتمتع بمكانة خاصة ، وطهران مهتمة بالتأكيد بزيادة التنسيق الأمني مع أنقرة.
استئناف نقل الغاز
الهدف الآخر لزيارة وزير الخارجية الإيراني إلى تركيا هو استئناف نقل الغاز الإيراني إلى تركيا. لسوء الحظ، تم تعليق تصدير الغاز الإيراني إلى تركيا منذ 31 مارس الماضي بسبب انفجار أنبوب غاز “بارس” من قبل أفراد مجموعة إرهابية تركية ، ولكن الجدير بالذكر أن أنقرة لم تظهر حتى الان أي رغبة بإصلاح هذا الخط، بل رفضت طلب إيران لإصلاح خط الأنابيب على نفقتها الخاصة.
وبموجب الاتفاقية التي مدتها 25 عاماً المبرمة عام 1994 ، سيتم تصدير 10 مليار متر مكعب من الغاز سنوياً عبر خط أنابيب “بارس” من إيران إلى تركيا ، لكن الانقطاع الحالي الناجم عن الانفجار شكك بهذا الأمر. ونتيجة لذلك ، عادت قضية استئناف نقل الغاز الإيراني إلى جدول الأعمال. حيث صرح وزير الخارجية الإيراني محمد جواد في مؤتمره الصحفي مع نظيره التركي بالقول ” سيستأنف نقل الغاز الى تركيا نهاية هذا الشهر”.
تعزيز العلاقات الدبلوماسية
الهدف الآخر أيضاً لزيارة محمد جواد ظريف إلى إسطنبول هو تعزيز العلاقات بين طهران وأنقرة. ففي الأشهر الأخيرة ، وبسبب تفشي كورونا، ساد جو من البرودة في العلاقات الدبلوماسية ليس فقط بين إيران وتركيا ، بل بين جميع دول العالم ، والذي ، بالطبع ، يبدو أمراً طبيعياً. وفي الوضع الجديد ،و نتيجة مبادرة طهران الدبلوماسية، يبدو أن كلا الجانبين يسعيان إلى تعزيز علاقاتهما الدبلوماسية.
وفي هذا الصدد، يبدو أن وزارتي خارجية البلدين اتخذتا بعض التدابير لتعزيز العلاقات الدبلوماسية. حيث ذكر وزير الخارجية التركي مولود جاويش اوغلو أنه كان من المقرر عقد اجتماع للمجلس الاستراتيجي الأعلى للبلدين في إيران بحضور الرئيس التركي رجب طيب أردوغان قبل تفشي فيروس كورونا. وأضاف، سيتم عقد ذلك الاجتماع بعد كورونا. كما قال وزير الخارجية التركي: لقد توصلنا إلى اتفاقيات جديدة بشأن القضايا المتعلقة بالممتلكات غير المنقولة المتعلقة بالبعثات الدبلوماسية للبلدين.
المصدر / الوقت