جهود أمريكية لإخفاء الخصائص التقنيّة لـ”شبح قندهار”.. المخالب القويّة للصقور الإيرانيّة تلاحق طائرات التجسس الأمريكيّة
لسنوات عديدة، كانت هناك معركة سرية ومفتوحة على جبهات مختلفة بين أمريكا وجمهورية إيران الإسلامية، وأحد أبعاد هذه المعركة، التي اتخذت شكلاً واضحاً وخطيراً في العقد الماضي، وفي بعض الحالات كانت عواقبها عالمية وجذبت انتباه العالم كله، هي قضية الطائرات من دون طيار أو ما يسمّى “الطائرات المسيّرة”، وفي وقتنا الحالي ونحن نقترب من الأيام الأخيرة من شهر يونيو 2020، من المهم أن نتذكر الحدث المهم الذي حدث في الساعات الأولى من 20 يونيو 2019، قبل حوالي عام واحد، والتي تعتبر واحدة من المشاهد الأكثر أهمية في المواجهات المفتوحة بين إيران وأمريكا في مجال الطائرات من دون طيار، ففي ذلك الوقت، اكتشف نظام الدفاع الجوي التابع للحرس الثوري الإيراني طائرة تجسس واستطلاع تابعة للجيش الأمريكي تسمى “جلوبال هوك” وقامت تلك الأنظمة الدفاعية الإيرانية باعترضها واسقاطها في 23 يونيو من العام الماضي وذلك بسبب اختراقها للمجال الجوي الإيراني.
وحول هذا السياق، أفادت مصادر محلية إيرانية في ذلك الوقت، أنّ الطائرة من طراز “غلوبال هوك” أُسقطت حين دخلت المجال الجوي الإيراني قرب منطقة كوه مبارك بالجنوب، وأشارت تلك المصادر إلى أن هذه الحادثة سرعان ما انتشرت في العديد من وسائل الإعلام الإقليمية والعالمية.
يذكر أن طائرة التجسس الأمريكية هذه قادرة على التحليق لأكثر من 24 ساعة في الرحلة الواحدة على ارتفاع يزيد على 16 كيلومتراً في نطاق 8200 ميل بحري، كما كشفت القيادة المركزية الأمريكية في بيان، أن طائرة المراقبة البحرية واسعة النطاق التابعة للبحرية الأمريكية قد أسقطت بصاروخ إيراني “أرض – جو”، زاعماً أنّها كانت تعمل بالأجواء الدولية فوق مضيق هرمز، ووصف التقارير حول دخول الطائرة للمجال الجوي الإيراني بـ”الزائفة”، واصفاً الواقعة بأنها هجوم غير مبرّر ،وجاء في بيان صادر عن حرس الثورة الإسلامية، إنّ طائرة تجسس من طراز “غلوبال هوك” أقلعت في الساعة الثانية عشرة و 14 دقيقة من بعد منتصف الليل من إحدى القواعد الأمريكية جنوب الخليج الفارسي، وخلافاً لقوانين الملاحة الجوية فقد كانت قد أطفأت جميع الأجهزة المتعلقة بتعريفها، وفي منتهى السرية واصلت مسارها من مضيق هرمز نحو محافظة “جابهار” الإيرانية. وفي الساعة 04:05 فجراً من يوم الخميس الموافق 23 يونيو 2019 وبينما كانت هذه الطائرة المسيرة قد اخترقت الأجواء الإيرانية، استهدفت وأسقطت من قبل الدفاعات الجوية التابعة لقوات الحرس الثوري.
بقايا هيكل طائرة “جلوبال هوك” المسيّرة في إيران
إنّ الطائرة التي أسقطتها إيران هي من طراز “غلوبال هوك تريتون ” (MQ-4C Triton)، بحسب تصريحات مسؤول بالبنتاغون والطائرة هي جزء من أسطول طائرات مسيرة حلّ مكان طائرات U-2 الأمريكية للتجسس. وتستطيع “غلوبال هوك” التحليق على ارتفاع 56 ألف قدم، وتصل تكلفتها إلى نحو 121 مليون دولار أمريكي، ويصعب إسقاط الطائرة الأمريكية إلا من خلال نظام S-300 الروسي للدفاع الجوي، والذي تمتلكه إيران بالفعل، وتشمل مهام “غلوبال هوك” الطلعات الاستطلاعية، وأنشطة الاستخبارات والتجسس فوق المحيطات والمناطق الساحلية، وتستطيع التحليق لأكثر من 24 ساعة متواصلة، كما يمكن تزويد الطائرة بصواريخ “جو-أرض”، وهي قادرة على استهداف وحدات بحرية، كما يمكنها الكشف عن الأهداف وتصنيفها من مدى بعيد باستخدام الأشعة فوق الحمراء والمسح الكهربائي الضوئي، كما جهّزت هذه الطائرة بمستشعرات تستطيع مسح محيط الطائرة بدرجة 360، في دائرة نصف قطرها أكثر من 2000 ميل بحري، ويبلغ طول الطائرة نحو 14.5 متراً، فيما يصل طول الجناحين نحو 40 متراً، أما ارتفاعها فيبلغ 4.7 أمتار، وتزن الطائرة نحو 6 آلاف و779 كيلوغراماً، وتصل سرعتها إلى 357 ميلاً في الساعة.
حجم طائرة “شبح قندهار” لا يزال سرا!
وعلى صعيد متصل، كشفت العديد من التقارير الاخبارية أن قوات الحرس الثوري الإيراني، تمكّنت في عام 2011، من إسقاط طائرة تجسس من دون طيار من طراز “RQ-170″، وقال “علي أغازادي دافساري” عضو لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية في البرلمان الايراني، أن القوات الجوية لحرس الثورة أسقطت طائرة من دون طيار تابعة لأمريكا في منطقة موقع” فوردو ” النووي الذي يقع بالقرب من مدينة قم التي تقع على مسافة 100 كم جنوب طهران. وحسب قوله كانت الطائرة تحوم حول الموقع لتحديد مكانه وجمع معلومات تجسسية أخرى. وتزامن إعلان إسقاط الطائرة في منطقة مصنع ” فوردو” مع تصريحات “رامين مهمانبراست” المتحدث الرسمي باسم الخارجية الإيرانية التي أدلى بها يوم الثلاثاء ديسمبر 2011 والتي جاء فيها أن طهران بدأت بتركيب أجهزة للطرد المركزي حديثة ومتتالية ذات مؤشرات أفضل في جميع مصانع تخصيب اليورانيوم.
وسبق أن أعلن في تموز من تلك السنة، أن قوات الدفاع الجوي من فيلق “حراس الثورة الإسلامية، أسقطت طائرة استطلاع أمريكية من دون طيار على مقربة من منشأة “فوردو” النووية قرب مدينة “قم”.
صورة من الأقمار الصناعية تمّ الحصول عليها لقاعدة “كريش”.. طائرة “RQ 170” بالسهم الأحمر وطائرة “MQ-9” بالسهم الأسود.
وفي ذلك الوقت، أعرب مصدر عسكري إيراني، أن ردّ إيران على انتهاك طائرة أمريكية من دون طيار لمجالها الجوي لن يكون قاصراً على حدود البلاد، كما قال ذلك المصدر العسكري: “رد الجيش الإيراني على انتهاك طائرة التجسس الأمريكية بدون طيار لمجالنا الجوي لن يكون بعد الآن مقصوراً على داخل الحدود الإيرانية”. وافادت مصادر إخبارية بأن الجيش الإيراني أسقط طائرة أمريكية من دون طيار شرق البلاد.
يذكر أن البنتاغون لم يعلّق على خبر اسقاط ايران طائرة امريكية بلا طيار. حيث قالت المتحدثة باسم وزارة الدفاع الامريكية انه “لا توجد لدينا اي معلومات بهذا الشأن. واشك في انها ستتوفر في القريب العاجل”. وفي وقت لاحق أعلن مصدر عسكري إيراني أن القوات المسلحة الايرانية استولت على الطائرة بعد تعرضها إلى أضرار طفيفة. واعتبر تحليق الطائرة في أجواء بلاده “انتهاكاً سافراً لسيادتها”، محذراً من أن “رد الجيش الإيراني لن يقتصر بعد الآن على حدود البلاد”.
الجدير بالذكر أن “شبح من قندهار ” اسم طائرة تجسس امريكية دون طيار من طراز “RQ-170” لم يسبق لوزارة الدفاع الامريكية كشف حقيقة امتلاكها لهذه الطائرة الموصوفة بالخفية والتي تستخدم للتجسس في اجواء المناطق الحساسة والخطرة بقيت سرا حتى اعلن التلفزيون الايراني مساء الاحد من شهر ديسمبر 2011 “نبأ اسقاط واحدة منها شرق ايران”. وتعرف طائرة “RQ-170” في اوساط الطيران العسكري باسم “شبح من قندها ” وذلك لدلالة على ما تمتلكه هذه الطائرات من قدرات على التخفي وصعوبة رصدها راداريا.
وعلى صعيد متصل، أعلن اللواء “علي فدوي” قائد سلاح البحر بالحرس الثوري الايراني في ديسمبر 2012، أن قواته سيطرت على ثاني طائرة من دون طيار أمريكية فور دخولها أجواء البلاد في منطقة الخليج الفارسي. وأوردت بعض وسائل الاعلام الإيرانية، قول “فدوي”، أن القوة البحرية بالحرس الثوري الايراني “اقتنصت قبل أيام قليلة طائرة من دون طيار أمريكية كانت في مهمة تجسسية في منطقة الخليج الفارسي. وأكد المسؤول الايراني انه تم إنزال الطائرة فور انتهاكها الأجواء الايرانية، مضيفا انها حاليا “بيد قواتنا”. وذكر أيضا ان الطائرة من طراز “اسكن إيغل” وتنطلق عادة من السفن في عرض البحر.
طائرة “RQ-170” ترسو في قاعدة القوات الجوية الأمريكية في “غوام”
سوق كبير ومستقبل مهم في انتظار الطائرات من دون طيار
لقد اكتسبت إيران تكنولوجيا صناعة وتطوير الطائرات بدون طيار في خضم حرب الثماني سنوات مع العراق وخلال السنوات التي فرضت الولايات المتحدة حظر شامل على بيع الأسلحة والتقنيات العسكرية لطهران، وعلى الرغم من وجود كل تلك الصعاب، الان أن طهران واصلت تطويرها بسلام وهدوء للعديد من التقنيات العسكرية. وكانت طائرة “أر كيو 170” كتابًا تعليمياً مساعدًا مهمًا لصناعة وتطير الطائرات من دون طيار في إيران، وقد ساعدت تلك الطائرة المسيّرة الأمريكية، طهران على التنافس مع الدول العظمى وتمكّنت من صناعة طائرات مماثلة بقدر الإمكان وفي الوقت المناسب وبتكلفة منخفضة جدًا. من الواضح أن هذا المجال مليء بالجهات الفاعلة المختلفة التي تبحث عن أي معلومات ومعرفة جديدة في هذا المجال، لذا فإن محافظة إيران على المعلومات حول هذه الطائرات، سيساعدها على أن تكون لها اليد العليا في تطوير مثل هذه الطائرات من دون طيار في المستقبل.
“شبح قندهار” التي تمّ اصطيادها في إيران، تم عرضها في معرض سلاح الجو التابع للحرس الثوري الإيراني
من الواضح أن مستقبل الطيران، وخاصة في الجيش، سيكون في أيدي الطائرات بدون طيار، ومن ناحية أخرى، ستبقى الولايات المتحدة صامتة من أجل الحفاظ على سمعتها وعدم الإضرار بسمعتها، بالإضافة إلى تجنب خسارة سوق الطائرات من دون طيار الذي يصل إلى مليارات الدولارات. لقد استمرت أمريكا في اخفاء قدرة طائرة “شبح قندهار” لسنوات طويلة، ولكن هذه الطائرة، التي كانت تستخدمها أمريكا للتجسس سراً على العديد من الدول في أنحاء العالم، أصبحت الان بعدما تمكّنت إيران من اسقاطها وتطويرها، مهاجماً شرساً ضد المصالح الأمريكية والقوى الاقليمية المعادية في المنطقة.
المصدر/ الوقت