ما الذي يبحث عنه بارزاني في بغداد؟
لم يشهد الوضع السياسي في العراق في مرحلة ما بعد داعش الاستقرار فحسب، بل واجه أيضًا تصاعد الأزمات الكبرى في هذا البلد. في غضون ذلك، من أهم القضايا التي لم تحل بعد هي قضية الخلافات بين حكومة إقليم كردستان العراق والحكومة المركزية في بغداد.
وبطبيعة الحال، كان هذا هو الحال منذ اعتماد الدستور وتشكيل حكومة عراقية جديدة في عام 2005، ولم تتمكن المفاوضات بين أربيل وبغداد من الوصول إلى حل نهائي قط.
ومع ذلك، كانت النقطة المهمة دائمًا هي أنه لا الأكراد ولا الحكومة المركزية لم يغلقا أبدًا أبواب المفاوضات، بل دخلا في مفاوضات مع بعضهما البعض في مراحل مختلفة لتقليل التوترات.
وفي هذا الصدد، شهدنا مؤخرًا أن “نيجيرفان بارزاني” رئيس إقليم كردستان، غادر إلى بغداد في 30 يونيو 2020 للقاء قادة السلطات الثلاث. وبعد وصوله إلى بغداد، التقى بارزاني برئيس الوزراء “مصطفى الكاظمي” ورئيس الجمهورية “برهم أحمد صالح” ورئيس البرلمان العراقي “محمد الحلبوسي”.
لكن السؤال المطروح الآن هو، ما هي أسس محادثات رئيس حكومة إقليم كردستان مع كبار المسؤولين السياسيين في بغداد؟
أزمة الميزانية
مما لا شك فيه أن أهم قضية أو محور لزيارة بارزاني إلى بغداد، يمكن دراسته وتقييمه فيما يتعلق بقضية الميزانية والشؤون الاقتصادية للبلاد.
حقيقة الأمر هي أنه على مدى السنوات القليلة الماضية، كانت مسألة دفع الميزانية دائمًا واحدة من القضايا الرئيسة للخلاف بين بغداد وأربيل.
في عام 2003، شكل إقليم كردستان العراق الفيدرالي 17 في المائة من ميزانية العراق، لكن نسبة كبيرة من البرلمانيين العراقيين اعتبرت هذه النسبة دائمًا غير واقعية وتتخطى عدد سكان الأكراد.
على صعيد آخر، كان يُقال دائمًا إن الأكراد يتخذون إجراءات غير قانونية ويوقعون عقودًا مع شركات مختلفة، خلافاً للدستور العراقي والاتفاقيات مع الحكومة المركزية بشأن استخدام وحتى تصدير الموارد الجوفية، وخاصةً النفط.
وفي هذا السياق، أدى رفض إرادة الحكومة المركزية من قبل حكومة إقليم كردستان في نهاية المطاف، إلى قطع حصة موظفي حكومة إقليم كردستان في أواخر عام 2013 من قبل رئيس الوزراء العراقي آنذاك “نوري المالكي”، واستمر هذا الأمر أثناء حكم “حيدر العبادي” لأربع سنوات بين عامي 2014 و 2018.
لكن وصول “عادل عبد المهدي” إلى السلطة فتح الباب أمام العلاقات الثنائية في مجال الميزانية، ووفقًا لاتفاق بين الأكراد والحكومة المركزية، كان على الأكراد تسليم 250 ألف برميل من النفط يوميًا لشركة سومو(شركة تسويق النفط الوطنية العراقية) والحصول في المقابل على 430 مليون دولار شهريًا كرواتب الموظفين.
لقد أدى انخفاض عائدات النفط في العراق بسبب انخفاض أسعار النفط وتفشي فيروس کورونا، إلى قطع بغداد ميزانية إقليم كردستان مرةً أخری في الأشهر الأخيرة، وفي النهاية نرى أن أربيل تواجه من جديد مشكلةً كبيرةً في دفع رواتب موظفيها المحليين.
وحالياً في الظروف الجديدة التي يشهدها العراق، يأمل نيجيرفان بارزاني في التوصل إلى اتفاق جديد مع مصطفى الكاظمي خلال زيارته لبغداد. وفي غضون ذلك، تجدر الإشارة إلى أن الحكومة المركزية العراقية أعلنت صراحةً أنه يجب على حكومة إقليم كردستان تسليم جميع عائدات النفط والحدود والجمارك إلى بغداد، وعندها فقط سيتم إعادة الميزانية إلى شمال العراق.
الهجوم العسكري التركي على شمال العراق
من القضايا الملحوظة الأخرى خلال زيارة بارزاني إلى بغداد، هي الهجمات الأخيرة التي شنتها تركيا على شمال العراق.
حيث تقوم القوات التركية حاليًا بعمليات عسكرية على عمق 190 كيلومترًا في العراق، بذريعة مواجهة حزب العمال الكردستاني. في الواقع، في 15 يونيو 2020، أطلقت تركيا عملية “مخلب النسر” عن طريق إرسال قواتها الخاصة إلى منطقة “هفتانين” في شمال العراق. وفي 17 يونيو 2020 أيضاً، أطلقت عملية “مخلب النمر”.
کما أعلنت الحكومة التركية عن خطط لبناء قواعد عسكرية جديدة لها في شمال العراق. وقد أصبح هذا الأمر موضوعاً للنقاش بين أربيل وبغداد الآن، حيث يسعى الجانبان للضغط على أنقرة لحماية السيادة الوطنية للعراق.
المصدر / الوقت