العاصمة بغداد تعيش لليلة مضطربة؛ هل اختار “مصطفى الكاظمي” اللعب وفقاً للقواعد الأمريكية
في وقت متأخر من لليلة الخميس الماضية قامت قوة تابعة لجهاز مكافحة الإرهاب العراقية بمداهمة مقر “الواء 45” التابع للحشد الشعبي جنوب العاصمة العراقية بغداد، وتحدثت بعض الأنباء بأن هذه القوة كانت مدعومة من القوات الأمريكية ولقد داهمت هذه القوات العراقية بالتنسيق مع رئيس الوزراء العراقي “مصطفى الكاظمي” المقر الذي يعتبر مقر رسمي للحشد الشعبي واعتقلت عدد من منتسبي هذا اللواء. ووفقاً لبعض المصادر العراقية، فقد هاجمت وحدات من قوات مكافحة الإرهاب العراقية، بمساعدة القوات الأمريكية، مقر اللواء 45 التابع لـ”حزب الله” العراقي في منطقة “البوعثية” جنوب شرقي العاصمة العراقية بغداد. وفي هذا الصدد، تم نشر بعض الإحصاءات تفيد باعتقال ثلاثة من قادة كتائب “حزب الله” العراقية في هذا الهجوم وقدرت بعض المصادر عدد المعتقلين بـ 13 شخص. يذكر أن قوات الحشد الشعبي، التي كانت تستعد منذ عدة أشهر لأخطر السيناريوهات، بما في ذلك “الانقلاب”، تمكنت من الدخول الي الميدان بسرعة بعد القبض على عدداً من عناصرها وقامت بمحاصرة مقر منظمة مكافحة الإرهاب في المنطقة الخضراء (موقع المراكز الحكومية والسفارات الحساسة). وذلك لإيصال رسالة للأمريكيين والقوى القريبة الموالية لها، ليفهموا من له اليد العليا في العاصمة العراقية بغداد.
وبعد التحذيرات التي أطلقتها قوات الحشد الشعبي واستعداد كافة قواتها الشعبية لمهاجمة الأمريكيين في العاصمة العراقية بغداد وذهاب عدد من القادة والشخصيات السياسية إلى مكتب رئيس الوزراء، أجبر “الكاظمي” على التراجع عن قراره وأمر بالإفراج الفوري عن مقاتلي الحشد الشعبي المحتجزين. وبالطبع، قامت وسائل الإعلام “الغربية-العبرية-العربية”، بما في ذلك شبكة الـ”بي بي سي” فارسي، بوقاحة بحذف الكثير من لقطات الاجتماع الذي عقد مساء الخميس الماضي، وذلك من أجل التعتيم على الجمهور المشاهد وهذه تعتبر فضيحة كبرى لمثل هذه الشبكات الاخبارية.
مقاتلي الحشد الشعبي يؤدون الصلاة بعد اطلاق سراحهم في المنطقة الخضراء ببغداد
من ناحية أخرى، ذهب لليلة الخميس الماضية “هادي العامري” نائب رئيس منظمة الحشد الشعبي العراقية، إلى جانب عدد آخر من الشخصيات السياسية، إلى مكتب رئيس الوزراء للمطالبة بالإفراج عن المعتقلين، وبلا شك، وخلافا لما دعت إليه بعض وسائل الإعلام، اضطر “الكاظمي” في نهاية المطاف إلى الاعتذار. ووفقًا لبعض المصادر العراقية، فلقد اعتقد “الكاظمي”، إلى جانب الأمريكيين، أن بغداد كانت خالية إلى حد كبير من قوات الحشد الشعبي بسبب العمليات العسكرية التي تقوم بها تلك القوات الشعبية في المحافظات الوسطى والغربية ضد عناصر تنظيم الدولة الإسلامية النائمة، وقررت اعتقال عدد من مقاتلين كتائب “حزب الله” العراقية في العاصمة بغداد، لكنهم فوجئوا بالوجود القوي لقوات الحشد الشعبي في شوارع العاصمة بغداد وفي المنطقة الخضراء، ولهذا فلقد أضطرت تلك القوات التابعة لـ”الكاظمي” إلى الانسحاب في نهاية المطاف من مواقعها.
ووفقاً لبعض المصادر الميدانية، فلقد زعم عدد من الجماعات المناهضة للمقاومة في العراق أن العملية العسكرية التي نفذتها قوات مكافحة الإرهاب بالتعاون مع عناصر من القوات الأمريكية على “اللواء 45” التابع لقوات الحشد الشعبي، جاءت عقب انتشار بعض التقارير التي تفيد بأن عناصر تابعة لكتائب “حزب الله” العراقية تستعد لإطلاق عدد من الصواريخ على المواقع الأمريكية في العاصمة العراقية بغداد. ويعتقد عدد من المحللون العراقيون والخبراء السياسيون، أن مغامرات “الكاظمي” التي قام بها مساء الخميس الماضي أزالت القناع بالفعل عن وجهه الحقيقي وأظهرت أنه يعمل جنباً إلى جنب مع الأمريكيين منذ أشهر لإثارة الخلاف والصراع داخل أروقة القوات المسلحة العراقية.
وحول هذا السياق، ذكرت العديد من وسائل الإعلام والشخصيات السياسية العراقية إلى أن القضاء على قوات الحشد الشعبي العراقية وإضعاف كافة القوات المسلحة الأخرى، يعتبر أحد أهم الاهداف المشتركة التي يسعى لها “الكاظمي” وحلفاءه الأمريكان وأكدت تلك الشخصيات السياسية على أن “الكاظمي” قام بارسال قوات مكافحة الإرهاب العراقية وقوات أمريكية لمهاجمة مقرات الحشد الشعبي في المنطقة الخضراء وذلك من أجل تحقيق تلك الاهداف الخبيثة ولكن للأسف الشديد باءت جميع تلك المؤامرات بالفشل الذريع.
لقد انتقد محللون سياسيون عراقيون وناشطون إعلاميون بشدة “الكاظمي” ورئيس جهاز مكافحة الإرهاب لتعاونهما مع الأمريكيين وإثارة الصراع والفتنة داخل العراق، وحول هذا السياق، قال اللواء “عبد الوهاب الساعدي”، قائد قوات مكافحة الإرهاب في أوائل الخريف الماضي، أن البيت الأبيض، كان على وشك القيام ب”انقلاب” ضد الحكومة في ذلك الوقت، لكن “عادل عبد المهدي”، تمكن من كشف وإحباط أول مؤامرة صارخة للأمريكيين وقواتهم في العراق ضد حكومته وفي ذلك الوقت تمت اقالة “الساعدي” من منصبه. ومع ذلك، مع وصول “الكاظمي” إلى كرسي رئاسة الوزراء، عاد “الساعدي” مرة أخرى إلى منصبه السابق في جهاز مكافحة الإرهاب.
إن اتجاه التطورات الميدانية والأحداث التي وقعت ليلة الخميس، تُظهر أن القوى المقربة من الولايات المتحدة في بغداد، سعت بأمر من البيت الأبيض، لاستفزاز قوات الحشد الشعبي لخلق نقطة انطلاق لإشعال شرارة الفتنة مرة أخرى. وبحسب التقارير، فإن الجماعات العراقية المقربة من البيت الأبيض تحاول دفع سيناريوها بحجة إرساء الأمن في بغداد ومنع تنفيذ هجمات بقذائف الهاون على السفارة الأمريكية، وتحاول أيضا زيادة التوترات من خلال اتهام قوات الحشد الشعبي بقيامه بمثل هذه الهجمات.
الجدير بالذكر أن الهجوم على المقر التابع لقوات الحشد الشعبي واحتجاز عدد من مقاتليه، كانت تهدف في المرحلة الأولى، إلى اثارة الفتنة وخلق الانقسام بين جهاز مكافحة الإرهاب وكتائب “حزب الله” التابعة لقوات الحشد الشعبي العراقية، وذلك من أجل أن يقضي أحدهما على الاخر، الامر الذي سوف يمهد الطريق للـ”الكاظمي” للسيطرة على زمام الامور لصالح القوات الأمريكية في العراق.
وبحسب مصادر ميدانية ، فإن سيناريو القضاء على قوات الحشد الشعبي العراقية لم ينتهي فقط في العاصمة العراقية، حيث كشفت العديد من التقارير أن قوات مكافحة الإرهاب خططت بمساعدة القوات الامريكية لتوجيه ضربات موجعة لقوات الحشد الشعبي العراقية المتمركزة في المناطق الحدودية العراقية ولفتت تلك التقارير أن هذه الخطط تمت إيكال مسؤوليتها وتنفيذها إلى اللواء “عبد الوهاب الساعدي”. وفي هذا الصدد، صرح رئيس الوزراء العراقي “مصطفى الكاظمي”، قائلا: “إننا لا نعرف ما يحدث في المناطق الحدودية وما الذي سيحدث لمليارات الدولارات من الأموال المتبادلة، ولهذا فلقد أمرت قوات مكافحة الإرهاب بالسيطرة على كافة المناطق الحدودية العراقية”. وهذا الامر يُظهر أن “الكاظمي” مهتم باللعب على حسب القواعد الأمريكية.
ووفقاً لمحللين عراقيين ونشطاء إعلاميين، فإن الهدف الرئيسي للـ”الكاظمي والساعدي”، ليس توضيح القضايا المالية وقضايا مكافحة الفساد في المناطق الحدودية، وإنما محاولة إبعاد قوات الحشد الشعبي العراقية عن هذه المناطق وتقديمها كطبق من ذهب للأمريكيين للمضي قدما في تنفيذ برامجهم وخططهم الخبيثة في العراق. وحول هذا السياق، قال مصدر ميداني، إن “تقوية تنظيم داعش الإرهابي في المناطق الحدودية ليس سوى أحد أهداف الأمريكيين”، مضيفًا أن “واشنطن تخشى جدًا افتتاح طريق طهران – بغداد – دمشق – البحر المتوسط، ولهذا فإنها تبذل الكثير من الجهود للحيلولة دون ذلك ومنع افتتاح هذا الطريق الاستراتيجي والهام.”
كما تطرق هذا المصدر الميداني، إلى أهمية معبر “القائم والبوكمال” الذي يعتبر هو قلب الطريق الاستراتيجي بين طهران والبحر المتوسط، حيث قال أن “هذا المعبر الاستراتيجي يخضع حالياً لسيطرة كتائب حزب الله وكتائب الإمام علي عليه السلام وهذا ما يرعب الأمريكيين”. وفي الختام يمكن القول أن الأمريكيون والصهاينة قاموا خلال السنوات الماضية باستهداف مقرات قوات المقاومة العراقية المتمركزة عند معبر “القائم” وضواحيه لعدة مرات، لكن هذه الهجمات باءت في نهاية المطاف بالفشل ولهذا فلقد تبنت الولايات المتحدة مؤخرا استراتيجية جديدة لاختراق قوات محور المقاومة في العراق وذلك من اشعال فتيل الفتنة بينها وبين القوات العسكرية العراقية الاخرى.
المصدر/ الوقت