ردود فعل وسائل الإعلام حول إساءة صحيفة سعودية للمرجعية العراقية العليا ..عندما يصيب السهم السعودي نفسه
بعد مرور أيام قليلة من الإساءة التي وجهتها صحيفة الشرق الأوسط السعودية من خلال رسم كاريكاتيري، إلى زعيم الشيعة الأكبر في العراق، لا تزال ردود الفعل الغاضبة والحادة مستمرة من قبل الشخصيات والتيارات السياسية والشعب العراقي، بالإضافة الى ردود فعل غير عراقية.
المتظاهرون الغاضبون في شوارع بغداد
تسبب نشر الكاريكاتير المسيء لصحيفة الشرق الأوسط السعودية، موجة من الغضب الشعبي بين العراقيين بعد إهانات السعوديين لمقدسات ورموز هذا البلد، واحتج مئات المواطنين العراقيين يوم الأحد، 5 تموز، على إهانة صحيفة الشرق الأوسط السعودية للمرجع الشيعي الأعلى في العراق، سماحة السيد علي السيستاني، في العاصمة العراقية، بغداد، بناء على دعوة من قبل مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي، حيث عبر المتظاهرون عن شجبهم وإدانتهم لهذه الإساءة بالإضافة الى استنكارهم لتدخل المملكة العربية السعودية في الشؤون العراقية وسياسات آل سعود وبعض وسائل الإعلام السعودية.
وبحسب الناشطين في موقع تويتر، حاول المتظاهرون الدخول عبر أحد مداخل المنطقة الخضراء للاحتجاج أمام السفارة السعودية تنديدًا بسياسات الرياض التدخلية في العراق. وقد قوبل هذا الاحتجاج برد فعل قوات الأمن والشرطة العراقية. وأفاد مراسل قناة العهد أن عددًا من المتظاهرين أصيبوا على أيدي قوات الأمن أمام المنطقة الخضراء ببغداد.
ردود فعل شخصيات وقوى سياسية عراقية
لقد تبع هذه الإساءة للصحيفة السعودية، ردود فعل عديدة من قبل قادة التيارات والأحزاب السياسية العراقية، حيث أدان هادي العامري، رئيس تحالف الفتح البرلماني، عدم احترام الصحيفة السعودية لمقام المرجعية الشيعية العليا. كما وصف أحمد الأسدي، عضو مجلس النواب العراقي، خطوة الصحيفة السعودية هذه بالإساءة لمقام المراجع، أنها تدل على العقلية الحاكمة داخل البلاط الملكي السعودي.
وقال نصر الشمري المتحدث باسم حركة النجباء، في تغريدة له على تويتر “السعوديون هم الذين سفكوا الدماء الطاهرة للمسلمين بغير حق” ، مشيرا إلى أن المواقف المعادية للشيعة من قبل آل سعود وغيرهم من المرتزقة الأمريكيين والإسرائيليين ليست غريبة.
وفي هذا السياق، قال رئيس الوزراء العراقي السابق عادل عبد المهدي، رداً على إهانة صحيفة “الشرق الأوسط” للمرجع الأعلى السيد علي السيستاني: “على هذه الحصيفة السعودية وكل من يقف وراءها، دعم الشعب العراقي في محاربة تنظيم داعش ودعم عملية البناء في البلاد، بدلا من اثارة الفتن والكراهية”. وأضاف “هذه ليست المرة الأولى التي تهين فيها هذه الصحيفة ووسائل الإعلام المماثلة لها، العراق ومقدساته وزعماءه. نحن نعارض بشدة الكاريكاتور المهين للمرجعية الدينية العليا وللشعب العراقي، وهذا يدل أن الصحيفة لا تزال مستمرة في اتباع سياسة طائفية.
وقال عبد المهدي في اشارة ضمنية لآل سعود: “يجب عليهم أن يفهموا خطر هذه السياسة الطائفية الاستفزازية التي انتهجوها ضد العراق على مر السنين، والتي انتصر عليها العراق مرات عديدة”. وأشار رئيس الوزراء السابق إلى أن الانتصار ضد تنظيم داعش الإرهابي يعود إلى فتوى الجهاد الكفائي الصادرة عن آية الله السيد علي السيستاني، المرجع الديني الأعلى في العراق، وأن الشعب العراقي بأسره لبى هذه الفتوى وبوحدة شعبه، حقق انتصاراً كبيراً للعراق والمنطقة.
كما ندد نوري المالكي رئيس الوزراء العراقي السابق بهذه الخطوة في بيان له وقال: “المرجعية سر قوة شعبنا وراية وحدته وعنوان فخره وعزته، ويعد التطاول عليها بأي شكل من الأشكال انتهاكا صارخا للقيم التي يؤمن بها شعبنا، واستهدافا لأهم عامل من عوامل وحدته واستفزازا لمشاعر الملايين من المسلمين والعراقية خاصة.
وفي موقف آخر، قال عدنان الأسدي، رئيس كتلة ائتلاف دولة القانون في البرلمان العراقي، في بيان وصف فيه الكاريكاتير أنه مثير للفتنة المذهبية: “هذا الكاريكاتير يعد تجاوزا للقيم والسلوكيات التي يحترمها المسلمون والعرب في جميع أنحاء العالم في علاقاتهم مع المراجع الدينية. ان المرجع السيستاني حفظ دماء السنة قبل الشيعة ولم يقبل الاعتداء على اخواننا السنة ووصفهم بأنفسنا فهل هذا جزاء مواقفه المشرفة بوأد الفتنة المذهبية وحفظ دماء العراقيين”.
تحليل أهداف السعوديين من هذه الإساءة من قبل مستخدمي تويتر
وسط موجة الإدانات هذه، كان تحليل أسباب هذه الإساءة التي قامت بها الصحيفة السعودية، والتي تشرف عليها الرياض مباشرة، أحد الموضوعات التي تهم المستخدمين العراقيين على وسائل التواصل الاجتماعي. حيث وقال الدكتور الشيخ خالد الملا، رئيس جماعة علماء العراق، في صفحته على موقع تويتر: إن الهجمة الشرسة والمنظمة والمقصودة ضد علماء الدين لحجج واهية مرفوضة وأخرها الإشارة والتلميح الى مقام الإمام السيد السيستاني بكاريكاتير ساخر من جريدة الشرق الاوسط. مراجع الدين محترمة ونرفض التجاوز عليها.
وكتب عبد الوهاب جابر جمال، الكاتب والباحث في الشؤون السياسية، على تويتر: “الاساءة لمقام المرجع الديني السيد السيستاني أو لأي مرجع آخر هي إساءة لكل الشيعة في العالم. والاساءة الأخيرة الصادرة من إحدى الأبواق الإعلامية غير مستغربة خاصة بعد أن أفشل السيد كل مشاريع أمريكا وأذنابها في العراق وآخرها من خلال فتواه التي أزالت داعش وحطمت مشروعها التكفيري.
وكتب الكاتب والصحافي العراقي أحمد عبد السادة عن سبب كون السعودية مصدر للكراهية في العراق، في تغريدة له قال فيها: السعودية قذارة الشرق الأوسط بامتياز لأنها المفقس الذي أنتج كل وحوش التكفير والإرهاب ولأنها خادمة أمريكا واسرائيل وممولة مؤامراتها في المنطقة ولأنها خزان الكراهية الأكبر الذي رمى شروره على العراق وسوريا واليمن ولأنها الماكنة الإعلامية والطائفية التي تسيء للشيعة ورموزهم وقادتهم.
من جهة أخرى، أشار علي الأسدي، رئيس المجلس السياسي لحركة النجباء، إلى أن فتوى المرجعية العليا التي أدت إلى تأسيس الحشد الشعبي، معتبرا إياها السبب الرئيسي لإهانة صحيفة الشرق الأوسط السعودية للمرجعية الدينية. وفي تحليل مماثل، كتب عضو مجلس النواب العراقي كاظم الصيادي على تويتر: صحيفة الشرق الأوسط تسيء الى السيد علي السيستاني بعد ما أعجز ارهابييهم ومفخخاتهم من تمزيق النسيج العراقي بفتاويه التي صنعت سيادة وكرامة العراق.
هزيمة السعودية المريرة في مشروع خلق فتنة دينية جديدة
إن ردة فعل العراقيين الموحدة على هذه الإساءة، تسببت بصحيفة الشرق الأوسط السعودية الى إصدار بيان آخر تتراجع فيه عن موقفها السابق، مشيرة إلى أن الكاريكاتير لا يقصد إهانة المرجعية العراقية العليا بأي شكل من الأشكال، وهذا يعني فشل سعودي آخر لخلق فتنة دينية في العراق. في الواقع، لطالما أثار الاحترام والود الذي يكنه الشعب العراقي للمرجعية الدينية العليا في النجف الأشرف، غضب السعوديين، لذلك سعت المملكة طوال السنوات الماضية الى خلق مؤامرات من أجل إضعاف الأسس الدينية لشيعة العراق وإزالة الروابط الدينية والمعنوية التي تربط العراق بالجمهورية الإسلامية الإيرانية..
لذلك، حاول السعوديون من خلال هذا الكاريكاتير في وسائلهم الإعلامية، اختبار نتائج مخططاتهم، ولكن الرأي العام وهاشتاغات وسائل الإعلام في إدانة هذا العمل، والمواقف التي أظهرها بعض السياسيين العراقيين ضد الصحيفة، جعلت مسؤولو آل سعود يشعرون بخيبة أمل من عدم جدوى كل هذه الجهود.
بعد هذه الإهانة، تصدر هاشتاغ “السعودية، قذارة الشرق الأوسط” الترند الأعلى في العراق، وجاء هاشتاغ ، السيستاني رمز السيادة، في المرتبة الثانية، أما هاشتاغ السيستاني يشرف آل سعود ، جاء في المركز الثالث، وهو ما يدل على عمق تضامن الشعب العراقي مع الرموز الدينية والمذهبية في البلاد ولهزيمة مخطط سعودي آخر لبث الفتنة في العراق.
هل كان الكاريكاتير يهدف إلى تقييم رد فعل الكاظمي؟
من ناحية أخرى، يعتقد بعض المحللين أن الغرض الرئيس من نشر هذا الكاريكاتير هو رؤية رد فعل رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي، الذي تحوم حوله في الأرجاء شائعات تفيد عن دعمه للمشاريع الأمريكية في العراق هذه الأيام. وقال المحلل العراقي سعد الكعبي إن صمت الحكومة إزاء تطاول الصحيفة السعودية على مقام المرجعية الدينية يضع الكثير من علامات الاستفهام لافتا الى أن عدم الرد على هذا التجاوز يعد موافقة حكومية على ما صدر من السعودية تجاه المرجعية الرشيدة. وأضاف الكعبي ان صمت الحكومة وبقائها من دون رد رسمي يؤكد موافقتها على هكذا اساءة وهو ما يفتح الباب امام مزيد من الاساءات بحق الرموز الوطنية
بالتأكيد، هذا الصمت من قبل حكومة مصطفى الكاظمي تجاه الأحداث المهمة المتعلقة بإثارة الفتن في العراق ليس جديدا، ولم يتخذ الكاظمي موقفا حازما ضد هجوم وحدات جهاز مكافحة الإرهاب العراقية على أحد مقار كتائب حزب الله والخلاف الذي نجم بين القوات العسكرية في العراق على أثره، على الرغم من أن العديد من المسؤولين العراقيين قالوا إن الهجوم تم بالتنسيق مع رئيس الوزراء مباشرة وأن إعرابه عن أسفه لم تكن سوى مسرحية.
وأخيرًا يمكن القول أن الحدثان الأخيران، أي الهجوم على مقر كتائب حزب الله العراقية وإهانة صحيفة الشرق الأوسط للمرجع الأعلى آية الله السيستاني من أجل خلق فتنة طائفية بين الشيعة والسنة في العراق وخلق خلافات داخل القوات العسكرية في العراق”، وسكوت مصطفى الكاظمي وحكومته تجاه هذه الأعمال، تجعل الجميع يعتقدون أن رئيس الوزراء العراقي يؤيد هذه التصرفات.
المصدر / الوقت