لماذا تعارض أمريكا نقل الغاز الروسي إلى أوروبا
في عهد الرئيس دونالد ترامب، أصبحت أمريكا واحدة من المنافسين في مبيعات النفط والغاز العالمية بعد إدخالها تكنولوجيا إنتاج النفط الصخري بشكل متطور. ويرى الكثيرون الآن أن إجراءات البيت الأبيض ضد خط أنابيب نورث ستريم 2 وتورك ستريم، تعد جزءاً من جهود واشنطن لاستهداف منافسيها في بيع الغاز الى أوروبا.
بينما تكثف روسيا وألمانيا جهودهما لاستكمال مشروع خط أنابيب الغاز “نورث ستريم 2″، هدد البيت الأبيض، الذي عارض المشروع منذ إنشائه في عام 2017، في الأيام الأخيرة بفرض عقوبات اقتصادية على المشاركين في المشروع، وقد كثفت هذه القضية الخلاف عبر الأطلسي، وخاصة الخلاف بين برلين وواشنطن، حيث تتهم ألمانيا أمريكا بالتدخل في سياسة الطاقة الخاصة بها، لكن إدارة ترامب، بدعم قوي من الكونغرس، تعتقد أن هناك حاجة إلى فرض إجراءات عقابية تجاه روسيا.
وهددت أمريكا بفرض عقوبات على أي شركة تساعد روسيا في بناء خط أنابيب “نورد نورد ستريم 2”. وقال وزير الخارجية مايك بومبيو يوم الأربعاء “هذا تحذير واضح للشركات بأن مساعدة مشاريع النفوذ الروسية لن يتم التسامح معها .. انسحبوا الآن أو واجهوا العواقب الخطيرة.
وأضاف بومبيو “دعوني أكون واضحا، هذه ليست مشاريع تجارية، إنها الأداة الرئيسة للكرملين لاستغلال اعتماد أوروبا على موارد الطاقة الروسية، وهي أداة تقوض في نهاية المطاف الأمن عبر الأطلسي” كما أعلن بومبيو عن نيته السفر إلى بريطانيا والدنمارك هذا الأسبوع حول هذا الموضوع.
نورث ستورم 2 التي تنقل الغاز الروسي عبر خط أنابيب يبلغ طوله 1230 كيلو متر عبر بحر البلطيق الى المانيا واوروبا الوسطى، مملوكة لشركة غازبروم الروسية. لكن نصف التمويل يأتي من خمس مجموعات طاقة أوروبية: شل، يونبر، أو إم في ، فنترشال وأنجي.
وقبل عامين، أصدر الكونغرس قانون مواجهة معارضي أمريكا (كوستا) من خلال العقوبات، لمنع روسيا من استكمال خط الأنابيب. وسيفرض هذا القانون عقوبات اقتصادية ومالية أمريكية على أي شركة تعمل بطريقة ما مع مشاريع North Stream 2 و Turkstream.
خط أنابيب ترك ستريم هو خط أنابيب رئيس آخر لتصدير الغاز الروسي، يبلغ طوله 930 كم وقدرته الاستيعابية 31.5 مليار متر مكعب سنويًا من البحر الأسود إلى تركيا. وتخطط North Stream 2 أيضًا لنقل الغاز الروسي إلى أوروبا عبر بحر البلطيق بسعة 55 مليار متر مكعب سنويًا.
التسويق على طريقة ترامب
في عهد الرئيس دونالد ترامب، أصبحت أمريكا واحدة من المنافسين في مبيعات النفط والغاز العالمية بعد إدخالها تكنولوجيا إنتاج النفط الصخري بشكل متطور. ويرى الكثيرون الآن أن إجراءات البيت الأبيض ضد خط أنابيب نورث ستريم 2 وتورك ستريم، تعدّ جزءاً من جهود واشنطن لاستهداف منافسيها في بيع الغاز الى أوروبا.
وقالت موسكو في هذا السياق، إن التهديد الأمريكي هو محاولة لاستخدام الضغط السياسي ضد المصالح التجارية الروسية. كما سبق وأن أكد راينر سيل، الرئيس التنفيذي الألماني للشركة، ضمنياً، الأهداف الاقتصادية لأمريكا، قائلاً إن معارضة أمريكا لخط الأنابيب تعكس سياسة واشنطن للطاقة في أوروبا.
وقد أكد مسؤولو البيت الأبيض هذا الادعاء ايضا. وقال ترامب في اجتماع مشترك مع رؤساء ليتوانيا ولاتفيا وإستونيا في البيت الأبيض عام 2018 ، “ألمانيا تربط خط أنابيب الغاز بروسيا، حيث ستدفع ألمانيا مليارات الدولارات مقابل الطاقة لروسيا. هذا الإجراء ليس جيدا”.
وقال بومبيو في بيان يوم الأربعاء “إن أمريكا مستعدة دائمًا لمساعدة أصدقائنا الأوروبيين على تلبية احتياجاتهم من الطاقة” ، مشيرًا إلى أن أمريكا زادت إنتاجها من الطاقة في عهد الرئيس ترامب. وقد بدأت أمريكا بالفعل في تصدير البنزين والفحم إلى دول وسط وشرق أوروبا مثل روسيا البيضاء “بلاروسيا” وبولندا وأوكرانيا.
عزم روسيا على استكمال المشروع
وعدت روسيا بالانتقام من أي عقوبات أمريكية جديدة، كما وعدت شركة غازبروم بإكمال المشروع بمفردها إذا أجبرت أمريكا شركاءها على الانسحاب. وكان العمل قد توقف في خط أنابيب بحر البلطيق البحري، الذي لم يتبق منه سوى 120 كيلومترًا العام الماضي بعد أن تخلت شركة خط الأنابيب السويسرية Allseas عن المشروع بسبب العقوبات الأمريكية.
من ناحية أخرى، فإن العمل المتبقي يقع في قعر بحر البلطيق في أراضي الدنمارك، حيث أقر البرلمان الدنماركي في نوفمبر 2017 قانونًا يسمح للسلطات بمنع مرور خط الأنابيب عبر المياه الإقليمية الدنماركية. لذلك اضطرت موسكو الآن إلى مطالبة كوبنهاغن بترخيص استخدام سفن أنابيب غازبروم.
وقال مسؤولون روس في وقت سابق إنهم سيجدون بديلا إذا امتنعت الدنمارك عن ذلك. وقامت شركة غازبروم منذ ذلك الحين بشحن إحدى سفن خطوط الأنابيب إلى ألمانيا، وسمحت السلطات الدنماركية للشركة الأسبوع الماضي باستئناف عملها. كما وافقت وكالة الطاقة الدنماركية يوم الاثنين الماضي على هذا الطلب ليكون هذا الضوء الأخضر من كوبنهاغن بمثابة تبديد لمساعي أمريكا. ويقدر المحللون أن الجزء المتبقي من العمل سيستغرق حوالي ثلاثة أشهر.
الفجوة المتنامية عبر الأطلسي
أدى الحظر المفروض على خط أنابيب الغاز الروسي إلى أوروبا، والذي هو في أمس الحاجة لمصادر الطاقة المستدامة في المستقبل، إلى زيادة الخلافات المتنامية بين واشنطن وبروكسل في عهد ترامب. وقال جوزيف بوريل منسق السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي في بيان يوم السبت “إنني قلق للغاية بشأن الاستخدام المتزايد للعقوبات أو التهديد بفرض عقوبات أمريكية على الشركات الأوروبية”.
كان الانقسام عبر الأطلسي أسوأ وقعاً في المجالين السياسي والأمني. في حين أن المخاوف من انخفاض الدعم العسكري الأمريكي لأوروبا في المستقبل دفع ماكرون للحديث عن موت عقل الناتو العام الماضي، إلا أن الأنباء حول أمر ترامب بخفض القوات الأمريكية في ألمانيا كانت مثيرة للجدل في الأسابيع الأخيرة.
وفي هذا السياق ، شدد وزير الدفاع الألماني أنهيجريت كرامب كارين باور، خلال اجتماع مع نظيره البولندي يوم الأربعاء، على أهمية القدرة على إعادة نشر القوات في جميع أنحاء أوروبا، على سبيل المثال في جميع أنحاء ألمانيا وبولندا، وهو ما يفسر وجود سياسة لزيادة الاستقلال الأمني والعسكري الأوروبي في المستقبل.
المصدر/ الوقت